جعفر الديري - الطاهر لبيب: المعرفة السيكولوجية العربية حزينة

أكد عالم الاجتماع والأكاديمي التونسي الطاهر لبيب أن المعرفة السيكولوجية العربية حزينة لأن من جملة مشكلاتها أنها لم تهتم بجوانب أخرى مضيئة كالتعبير عن الحب، فالحب محصور عندها في علاقة الرجل بالمرأة، بينما الحب هو القوة الدافعة للبشر للتنادي والاقتراب والميل الى الكائن الآخر.

وقال لبيب - الذي كان يتحدث في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث عن «العرب والحب»، «ان حديثي ليس حديثا عن ماهية الحب، ولكنه حديث عن علاقة العربي بالحب، فهو إذاً حديث تصور وتمثل للحب وليس حديثا عن ممارسة وواقع، إذ إن الحديث عن كيفية ممارسة العرب للحب لايزال يعاني من قصور في الدراسات، لكن هذا الموضوع اللطيف يحتاج الى التبرير لأن الزمن العربي الحاضر زمن لا يتسع للحب، بينما العرب يحتاجون إلى التعبير عن الحب، فالحب هو مقاومة للموت وهو مدخل لعودة الأمل، والتبرير الثاني الذي أسوقه هنا هو أن علماء الاجتماع تحولوا أو يكادون الى حلالين للمشكلات وكأن المجتمعات التي يعيشون فيها لا توجد فيها غير المشكلات والحال أن لكل مجتمع جوانبه المضيئة ومن ذلك الجمال والتعبير عن هذا الجمال، فلماذا لا يهتم علماء الاجتماع بجمال الكون مثلا؟! لماذا لا يهتمون بموضوع الحب الذي قد يكون للخالق وقد يكون للبشر وللآخرين وقد يكون تعبيرا عن علاقة الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل».

وأضاف مستطردا «ان الحب أساسا هو مواجهة للموت وهو القوة التي اصطنعها الجنس البشري لمواجهة الموت الحقيقي، والموت لم ينقطع عن الحب فكل من عشقوا ماتوا، والثقافة الكبرى اليونانية أبرزت للحب إلهاً وهو «دايروس» الذي يواجه إله الموت. والفلاسفة حتى اليوم يتحدثون عن المقابلة بينهما لذلك لابد من الاشارة هنا الى أن كل الثقافات عبرت عن حبها للكون والمرأة والرجل، كمقاومة للتراجع ومن هنا نظر إلى الحب على أنه محاولة لبناء علاقة بالعالم، فهي طريقة يبني بها الانسان علاقته بالدنيا والمجتمع».

وأشار الى علاقة العربي بالحب بالقول: «من الملاحظ فيما يخص العرب أن العرب لما كانوا في مدهم الحضاري في أيام عزهم الثقافي عبروا عن الحب كأرقى ما يكون ومدوا المخيال الأوروبي بقيم عظيمة للحب، فالعرب صاغوا الحب بأشكال راقية فارتبط عندهم بالمد الحضاري، فلما تراجع المد الحضاري والثقافي العربي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر تراجع التعبير عن الحب، وأصبح العرب لا يستطيعون التعبير عن الحب».

وأوضح لبيب ملقياً الضوء على الفترة الزمنية الممتدة من بداية الاسلام الى منتصف القرن الحادي عشر والتي تعتبر من أبرز مراحل التفاعل، «من الملاحظ في هذه الفترة التاريخية التي شهدت فترة مد حضاري كبير أن الآخر لدى العرب كان متعددا، فقد عرف العرب الآخر متنوعا وكانوا يعجبون من هذا الاتساع على اعتبار أن الحب للآخر هو الأنا، لأن الحب مرآة عند الآخر وهذا التوسع فهموه على أنه اكتشاف ورؤية جمالية للكون، لأن العرب عمّقوا مفهوم الحب، لذلك بدأ تأثرهم في اكتشافهم الجمال في نصوصهم، فلأول مرة يقول شاعر عربي للمرأة كلمة «لا» كما في أشعار عمر بن أبي ربيعة مثلا، فظهر حب جديد غير مألوف، في مقابل ذلك نجد «جميل» واقفا مع الغزل العذري، وبالمناسبة فعلى رغم أن العذريين بذروا بذرة فإن الشعر العذري ليس نتاج قبيلة بني عذرة كما هو شائع، فهو قائم على أن المرأة الجميلة لا تُدرَك، وهذا العالم العذري نشأ خارج بني عذرة وقبل الاسلام، كما أن المرأة في الشعر العربي هي رمز قبل كل شيء، رمز يحمل بعدا انسانيا. فالعذريون لم يكونوا مثاليين سواء في تجاوز السلطة الدينية أو السلطة السياسية في ذلك الوقت وانما اتخذوا الشعر وسيلة من وسائل تجاوز الواقع. والملاحظ أيضا أنه في ذلك الوقت الذي كان فيه الدين الاسلامي قويا ومنتشرا ولا خوف عليه وكان العلماء والمتدينون لهم حضورهم كان الشعراء ينشدون هذا الحب بتلك الطريقة، بينما اليوم يرتجف هلعا كل من يفكر بهذه الطريقة».

وأضاف: «ونلاحظ أنه في تلك الفترة من المد الحضاري أيضا كان يعبر عن الحب شعرا، ولكن مع الوصول الى منتصف القرن الحادي عشر تحول الحب من الشعر الى النثر فلم يعد هناك ذلك الابداع الشعري والسبب أنه في هذه الفترة بدأت ثقة الانسان العربي بنفسه، ففي هذه اللحظة تحول شعره الى النثر فظهر كتاب «طوق الحمامة» وسبقه آخرون كالأنطاكي، ابن داوود، السراج، ابن القيم الجوزية وآخرين»

وكمحاولة للتصدي لهذا التراجع في النظرة الى الحب أشار لبيب الى محاولتين بهذا الخصوص بقوله: «في هذه الفترة وقعت محاولتان لانقاذ هذا الحب وكانت المرحلة الأولى تعويضية وكانت فيما يسمى «بالسير الشعبية» في القرن الثالث عشر التي أدرجت المد الانساني، ولكن باستحضار الرموز الذين يجب أن يتعرفوا على الأخريات ويتزوجوا أكثر من مرة كما حصل مع «عنترة بن شداد» حينما وصل الى روسيا وتزوج امرأة من هناك. والثانية كانت محاولة تصعيدية صوفية، اذ نشر الصوفيون فكرة الحب الالهي وصعدوا الرغبة الجنسية الى مجالات ذات قيم اجتماعية»
صحيفة الوسط البحرينية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى