رحمة ضياء - رقصة مع الرومي

رحمة ضياء


“أبحث عنك فهل تضيء لي نجمًا؟”.. فور أن انتهت من كتابة هذه الكلمات ونشرتها على صفحتها بـ”فيس بوك” انقطعت الكهرباء، هزَّتها موجة ضحك، بعد أن انحسرت، مسحت ما كتبته واستبدلته بـ”بوست” آخر تلعن فيه اليد التي تقطع الحياة عن الناس.

اقترب على استحياء قطُّها، الذي لا يأتي إليها إلا حين يجذبه الجوع من أذنيه، رفعتْ حاجبها ولوت شفتيها وهي تنظر إليه وهو يستقر تحت قدميها.

مثلما يجذب النور الفراشات، تجمَّعت في الظلام كل الأفكار السوداوية في رأسها، فكَّرت أن تطردها بإنجاز ما يتيسر لها من العمل المطلوب منها قبل أن تنفد بطارية اللاب توب، بحثت في “جوجل” عن “أشعار صوفية”، لتصميم مجموعة من الإكسسوارات محلاة بالطابع الصوفي.

“وإذا سألتك أن أراك حقيقةً.. فاسمح ولا تجعل جوابي: لن ترى”.. أعجبتها هذه العبارة؛ فهي تتشابه كثيرًا مع حالها الآن، وتساءلت: لماذا يتأخر الفرج كثيرًا حتى تستحكم الحلقات؟ لماذا لا يتشابه الواقع مع الأفلام التي يقف فيها البطل باكيًا وهو ينظر إلى السماء ويخاطب الله فتساقط عليه أمطارًا جنيًّا؟ لماذا لا يرسل الله لها ولو إشارة صغيرة تنجدها من حيرتها؟

لعق القط قدميها، ابتسمت قليلًا ومسحت بيدها على رأسه، وأكملت بحثها، وهي تنظر إلى إشارة احتضار البطارية.

“فلَسْتُ أرىٰ الكَوْنَ حَتىٰ أراك”.. شعرت بقشعريرة تنتابها وهي تقرأ هذه العبارة من قصيدة “عرفت الهوى”، التي تغنيها فرقة ابن عربي، وقررت أن تسمعها لأول مرة.

أعجبها كثيرًا هذا اللون من الأغاني، تعثرت في عبارة أخرى لجلال الدين الرومي: “ما تبحث عنه يبحث عنك”، تساءلت في صوت مرتفع: “فعلًا؟!” ماء القط ردًّا عليها.

جمعت مجموعة من الأبيات التي تصلح لحفرها على خاتم أو دلاية، قبل أن يفصل اللاب توب والهاتف، ويطبق عليها الظلام، قررت أن تنام، لكنها أخذت تتقلب على كل الجوانب دون أن تشفق عليها أفكارها المُعذبة، كفرخة في شواية “الحاتي”، تفكر في الموت الذي يراودها عن نفسها كل يوم، ويمنعها عن الاستسلام لأحضانه أن ترحل دون إجابات عن أسئلتها الكثيرة، فيكتبوا على شاهد قبرها: “عاشت وماتت (حائرة)”.

كان هذا آخر ما فكرت فيه قبل أن تغفو..

كانت تسير في طريق متعدد التفريعات، لكنها أكملت سيرها للأمام لعلها تدرك آخره، حتى التقت شيخًا يرتدي جلبابًا أبيض بتنورة واسعة، وقبعة طويلة سألته:

– من أنت؟
– أنا جلال الدين الرومي.

تضافرت الدهشة بالفرحة والرجاء في عينيها اللتين رفعتهما إليه:

– دلَّني على الطريق أيها العالم الجليل، قل لي أي طريق سلكتَ لتقابل الله.

رفرفت الابتسامة على شفتيه وهو يجيبها:

– من بين كل الطرق إلى الله.. اخترت العشق.
– طريق العشق أم الخوف من العقاب وثقل الذنوب؟
– لكوني كالثلج الذائب؛ يغسل نفسه بنفسه.. وسيعرف العشق طريقه إلى نفسك.

نطقت الحيرة من عينيها، فترفَّق بها وقال:
– اتبعيني.

تبعته، وكذلك فعلت العصافير وأوراق الأشجار وذرات الهواء، حتى وصلوا إلى مسرح كبير يدور فيه الراقصون، صعد إليه، سألته وهي تضع قدمها على أول درجة في السلم:

– أليست الموسيقى من الشيطان؟

– ما الموسيقى إلا أزيز أبواب الجنة يا ابنتي!

انتقلت إلى شفتيها ابتسامته المرفرفة، وظلَّت ترقص حوله مع بقية الراقصين، حتى شعرت بأنها تطفو إلى السماء، وترى السحب البيضاء حولها تشعّ بنور مبهر يغشى عينيها، ظللتهما بيدها، ثم فتحتهما، فوجدت نفسها فوق سريرها.

النور مضاء في الغرفة، والقطّ انصرف من جديد إلى لهوه، بعد أن ذهب الظلام.




* من المجموعة القصصية: “رقصة مع الرومي” للكاتبة رحمة ضياء

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى