سعيدة تاقي - حــاطب ليـل.. قصة قصيرة

على مقربةٍ من الموت، بفاصل خطوةٍ واحدة، تُغيِّر المسارَ. كأنّك تدرك أنّه كان على موعدٍ معك، وأخطأ العنوان.

أفقكَ معتَم. ورأسُك هائم. خطوطُ طولك لم تعد متوازنةً بما يكفي لحمايتك من سقوطٍ وشيك. ومراجِلُ العرض قد نضتْ عنها كلَّ الأغطية، لتخبو الشعلةُ شيئًا فشيئًا.

ليس من قبيل المصادفة أنْ قَطَنَ حيَّك أسبوعًا كاملًا، وما يزال يحصد أرواحَ الذين يزورهم خلسةً. تجاوزَ عتبةَ بيتك قليلًا، وانحرف إلى جيرانٍ آخرين، فينتقي، في كلّ مرّة، شخصًا مقارِبًا لكَ في السنّ، موازيًا لك في الصفات. وتراه يستبدلكَ بمُعادلٍ لك؛ يساويكَ في اختيار العمر، ويفـارِقك في قدر الجَـبْـر. مرّ أمام نافذة غرفـتك السفـليّة ثلاثَ مرّات ذهابًا وإيابًا، ولم تجرؤ على رفع الستائر، أو على فكّ مغاليق الزجاج أو الخشب. لم تكن رؤيتُكَ تنفذ إلى ما خلف الجدار. لكنّك كنتَ تراه زائرَ ليلٍ، لا يُسلِم للصبـح المُطلّ غيرَ نحــيبٍ متواصلٍ ومحفلِ تأبينٍ جديد. وأمام الباب المقفَل، كنتَ في كلّ صبحٍ تُودِعُ أشياءك أُمنيةَ العودة لاحتضانها، وتودِّعُ حياتَـك قبل أن تفتح الباب وتمضي، وتعود من عملك قبل أن تَفرَغ شمسُ النهار من دوامِها المعتاد. تباغتُ الألوان وهي تكتسح السماء، كي لا يباغتك الليلُ وأنت خارج أسوار عزلتك الآمنة. اليوم، لم تنشغل بطقوس الخوف التي ابتدعتَها بهروبٍ جغرافيّ يتوجَّس من كلّ تغيّر أو ثبات. وأعلنـتَ العـصيانَ على حياةٍ مواتٍ. حرَّرتَ، منذ بـداية المـساء، الحـديـدَ والخـشـبَ والزجاجَ والحرير. فتحتَ باب الحديقة الجانبيّة على الزقاق، ومددتَ بصرَك لعدّ المسافات الفارغة بين منازل القبور المفتوحة حديثًا. تركتَ الستائرَ للريح، تلاعبُها كيفما شاءت. كنت تتنسَّم أخيرًا أفياءَ الحرّيّة التي افتقدتَها منذ عشرة أيّام مديدة. لم تعد تترقَّب، بعد كلّ هذا الانتظار والوجل، وقوعَ شيء، فأطلقتَ لقدميْكَ العنانَ لجولةٍ ليليّة تستجدي فيها سكينةً افتقدْتَها منذ سكَـنكَ الخوفُ.

لكنّهم تعثَّروا بكَ صباحًا. كنتَ قد وقعتَ أرضًا، أثناء الليل، مُحتَبِس الأنفاس. كنتَ آخرَ ضحيّةٍ لحاطِب الليل الذي فارق بعدَها حيَّكَ إلى أحياءٍ أخرى، حتّى موعد زيارة لاحقة.

المغرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى