بيتر إسحاق إبراهيم - وليمة الذباب

يزعجني طنينها..

تدور وتتحلق حولي وتسقط في الطبق.

بحركة من يدي أبعدها, وبضربة جناح منها تعود لتسقط في الطبق..

أستسلم, وأستمر في الأكل.

****

أجلس على المصطبة الخشبية بجوار عربة الفول, في يدي الطبق الصغير ورغيفي العيش. يحاصرني الذباب، ويحاصر الطبق الملتصق بقعره طبقة رقيقة من الفول المهروس. في العادة أقنع بفكرة مشاركتهم الطعام بعد فشل المحاولة الثانية أو الثالثة للتخلص منهم.

يشد عيني فجأة ذلك الفأر المذعور الذي يخرج من تحت إحدى العربات المتوقفة، وفي إثره قط، لتلتقطه عربة أخرى أسفل عجلاتها. يهرب القط ويترك طريدته وقد سويت بالأسفلت حتى كادت أن تصبح جزءًا أصيلًا منه. أما الذباب فيبدأ في التجمع حول الأحشاء المتناثرة.

بحركة من قدمي صار يتطاير الذباب المتجمع حول الفأر ويتفرق ثم يعاود التجمع في الهواء والانقضاض على الفأر. بعضهم - ويا للأسف - يأخذه الشتات بعيدًا، نحوي ونحو طبق الفول. يتقدمون مسرعين, ويتواطأ معهم الذباب المتحلق حولي أصلا.. يكبل ذراعي فلا أقوى على رفعهما للدفاع عن طبقي. وأجلس بذهول لأراقب دماء الفأر المدهوس وبقاياه العالقة بأقدام الذباب وهي تختلط بقليل الفول في الطبق الذي لا أملك ثمن غيره.

حركة عنيفة ضربت بطني, أهو الجوع أم القرف؟ لا أعرف. تجمدت حركة يدي والطبق أصبح وليمة للذباب. لكني يجب أن آكل؛ أقطع من الرغيف قدر لقمة وأغمسها في الفول المتجمد في قعر الطبق. أنهي الطبق مع اللقمة الثالثة دون أي إحساس بالشبع.

الذباب مازال يحاصرني، وكأنه لم يشبع أيضًا. تبقى رغيف وبعض اللقيمات يغمرهم الذباب كما يغمر الطبق الفارغ.

الذباب يتحلق حول فمي.. يحاول النفاذ إلى داخلي.. إلى روحي..

الذباب مازال يطن.

ألتفت إلى بقايا الفأر المحاط بالذباب وإلى بقايا الأرغفة واللقيمات, أجمعهم في يدي وأتجه نحو الفأر في هدوء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


قاص مصري
تغريد
موقع الكتابة
موقع الكتابة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى