بشرى تاكفراست - قضية الخصومة بين القدماء والمحدثين في النقد العربي القديم

ليست الخصومة بين النقاد والمنتجين بالشيء الجديد في تاريخ الأدب العربي بل ترجع إلى العهد اليوناني مع “سقراط” الذي قال في دفاعه أمام القضاة الذين اقترعت آثينا على انتخابهم لمحاكمته: “كنت أبحث عن المحكمة فاستعرضت الناس الذين عرفوا بها فاخلفوا ظنوني، حتى إذا بلغت الشعراء عرضت أشعارهم أمامي… أسألهم عما عنوا بها، وأني أخجل أن أقص عليهم الحقيقة، ولكني مكره على القول، أنه لم يكن منهم من استطاع أن يحقق رغبتي، وصدقوني إذا قلت أن أي واحد في قاعة هذه المحكمة يفقه معاني هذه الأشعار ويستطيع التحدث عنها أكثر من الشعراء أنفسهم”. ويروى من ناحية ثانية عن الشاعر “غويتي” أنه كان يخشى النقاد وأنه قال: “اقتلوا ناقد الكتب إنه كلب”.

والواقع أيها القارئ، أن كلا الرجلين مخطئ فليس كل ناقد كلبا فيقتله الشاعر ولا كل شاعر يعجز مثل ما عجز شعراء “سقراط” عن أن يفهموا. لعل “سقراط” أراد أن يظهر للناس أن إنتاج الأدب شيء، بينما القدرة على تحليله ونقده شيء آخر.

ومن زمن سقراط إلى زمننا، وهذه الخصومة بين النقاد والمنتجين قائمة، فلا نغالي إن قلنا إنها من أهم قضايا الحضارة والفكر الإنساني عامة، لكونها لا تقتصر على جيل أو عصر انقضى عهده، وطواه النسيان، وإنما هي شغل كل الأجيال -في كل زمان ومكان- خاصة تلك التي تطوق دوما إلى تغيير حاضرها وتطويره وجعله متلائما وطبيعة البيئة التي ولد فيها، فما يلبث هذا الطموح أن يشعل شرارة صراع القديم والمحدث، الثابت والمتحول. فتبدأ المعركة بين قديم كان جديدا، وبين جديد سيصبح قديما، وتطول المعركة أو تقصر، ولكن التطرف سمة لكل منهما، وبعد طول تعنت وتزمت، وتراشق ومماحكة يذهب الزبد جفاء، وتطلع لنا موهبة شاملة تستوعب القديم وتتمثل الجديد بعنفوانات عصرية شابة، ومن خلال تلك الهزات الأدبية يراجع القديم نفسه، فينفض عنه الغبار، ويزيل عنه الصدأ، ويجد لوجدانه تفاسير ومبررات فيخطو بقدر ما يخطو الجديد فانقسم الناس إلى قسمين: أنصار القديم وأنصار المحدث. وأصبح في “الأدب عهدان طويلان يشطرانه شطرين: عهد القدماء وعهد المحدثين، ويبتدئ عهد القدماء بنضوج الشعر العربي قبل الإسلام بقرن أو نحوه، وينتهي في أوائل القرن الثاني فهو يشمل الأدب الجاهلي والأدب الإسلامي، يشمل كل من (عرف) من الشعراء الجاهليين والإسلاميين الذين خاض النقاد فيهم، وحللوا أشعارهم وميزوا طرائقهم، وينتهي بعد جرير والفرزدق بقليل. ينتهي بشاعر كالكميت الأسدي. أما عصر المحدثين فبدؤه… في الواقع من عهد بشار ومروان بن أبي حفصة ومطيع بن إياس وغيرهم من مخضرمي الدولتين، ويشمل كل من جاء بعدهم من الشعراء، الذي كتبوا باللسان العربي إلى اليوم”.[1]

ونحن نترصد تاريخ الخصومة نجد أنه منذ أوائل القرن الأول الهجري اتجهت عناية المسلمين إلى دراسة الشعر العربي، وانصرفت همتهم إلى استقائه من منابعه الصحيحة بمراجعة محفوظاتهم من أشعار الجاهلين تحقيقا للشاهد، واستحضارا للحجة، واستعانة على إدراك مرامي القرآن والسنة. فقد أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: “أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم فإن فيه تفسير كتابكم”.[2] ومضى العرب على ذلك زمنا، والسلائق صحيحة والفطر سليمة، والألسن خالصة، فصيحة، ثم اتسعت رقعة الملك وانتشر العرب في الأرض، وبعدوا عن منبع العربية الصحيحة، فأخذ اللحن ينتشر، فازداد العلماء حرصا على تتبع كلام العرب والنظر في أساليهم، وظهر كثير ممن أبرزتهم الخلافة الإسلامية من العلماء والرواة بالبصرة والكوفة، فقد كان علماء العصرين يستشهدون على تفسير غريب القرآن ومسائل النحو بأشعار الجاهليين والمخضرمين. واختلفوا في الإسلاميين كجرير والفرزدق، منهم من استشهد بشعرهما ومنهم من رفض واعتبرهما من المولدين. كان ذلك الخلاف مبدأ الخصومة والاصطدام بين العلماء والشعراء والنواة الأساس للخصومة بين القدماء والمحدثين.

لقد كان العلماء حرصين على اللغة، وكانت همتهم متجهة إلى استقائها من منابعها الخالصة التي لم تكدر بلحن ولم تشب بخطأ حتى لا يشتبه عليهم فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين وعوا عن ابن عباس قوله: “إذا قرأتم شيئا من كتاب الله فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب، وكان إذا سئل عن شيء من القرآن أنشد فيه شعرا”.[3]

وبقيام الدولة العباسية في أوائل القرن الثاني الهجري، أخذت الحياة العربية تبتعد تدريجيا عن البداوة وتدنو من الحضارة، وكان ذلك بفعل ما طرأ على المجتمع العربي من تغيرات سياسية واجتماعية وفكرية وقد ظهر في هذا القرن طائفة من الشعراء تأثروا أكثر من غيرهم بمظاهر الحضارة العباسية الجديدة. وأصبحوا “ينزعون إلى التجديد”[4] فهؤلاء تلقوا الشعر من القرن الأول صحيحا قوي العبارة، جزل التركيب تغلب عليه روح البداوة القديمة في المنهج والصياغة والمعنى والخيال وقد شعروا بحكم تحضرهم أن السير على منوال القدماء مناف لروح عصرهم. من ثم بدأوا في تطويع الشعر للتعبير عن واقعهم المعاش فجددوا فيه “فلما هم المحدثون بالتجديد أوجدوا في النقد مشاكل لم تكن فيه قبل، وكلما أمعنوا في الابتعاد عن روح القديم أمعن النقاد في التخاصم والجدل”.[5] ونظرا لكون الشعراء القدامى قد سبقوا إلى كل شيء في الشعر، معنى، وأسلوبا، فإنهم قصروا تجديدهم على المقدمة أو ما نعتوه “بالديباجة”، وهذا بالفعل ما عبر عنه طه أحمد إبراهيم حين طرح موقفه من التجديد متسائلا: “أيصح من شاعر كأبي نواس يقيم في بغداد مع الرشيد والأمين أن يستهل مدائحه بأطلال لم يقف بها، وناقة لعله لم يركبها؟ أيصح أن تكون الديباجة التي أخذت عناصرها من مشاهد الصحراء صالحة لمن يقيم على ضفاف دجلة بين ترف ولهو وقصور ورياض؟ وكما أن الديباجة الجاهلية صادقة لأنها تصور الحياة الجاهلية البدوية، فكذلك يجب أن تكون ديباجة الشعر الحديث صادقة تصور الحياة الحضرية الناعمة. وإذن فلا بد من الانصراف عن هذه المطالع القديمة والتفكير في شيء جديد ملائم، وليس الأمر في حاجة إلى مجهود عميق، فنحن نحاكي القدماء فيما صنعوا ونأخذ ديباجة للشعر من حياتنا الحاضرة”[6] هكذا فتجديدهم لم يكن تجديدا في الأغراض والمواضيع، بقدر ما كان تجديدا في المقدمة التي لم تعد تتوافق وطبيعة الواقع الذي يعيشونه. فهي لا تمت لواقعهم بأية صلة، إذ هو واقع تغيرت فيه “أصول العادات والأخلاق فانتشر المجون وشاعت الزندقة، وعم الفسق، واستحالت الحياة العربية السامية إلى حياة معقدة ملتوية تجمع بين السامي والآري، وتأخذ من هذا وذاك”.[7] وقد “استجاب الأدب العربي (في العصر العباسي) لمطالب مجتمع جديد بسبب اتساع الحضارة الإسلامية، واتصال العرب بثقافات أخرى، وتعرفهم على حضارات أمم قديمة من أهمها اليونان والفرس”.[8]

وقد كان لذلك أثر في الشعر العباسي الذي انتقل من هدوء البادية إلى ضوضاء المدينة ومن الصحراء المجدية إلى القصور تحف بها البساتين، ومن الرصانة العربية إلى الانغماس في الملاهي الحضارية، ومن مجالس الأدب والسياسة إلى مجالس الغناء، فكان لذلك أثر في أغراضه وفنونه وفي معانيه وأفكاره، وفي أساليبه وأوزانه ظهورا ملموسا ومضى أرباب الجديد في سبيلهم رغم المعارضة الشديدة التي قوبلت محاولاتهم من طرف المتعصبين للقديم، إلا أن مضيهم لم يكن انقلابا جوهريا، وتقدمهم لم يكن واسع الخطى بحيث يخلق فنونا جوهرية الجدة من مثل الملاحم والروايات التمثيلية وما إلى ذلك مما ظل مفقودا عند العرب، فلبتث أكثر فنون العرب راسخة في قيود التقليد أو ما هو قريب منه. ولم تكد تخرج عن النوع الغنائي إلا في نواح قليلة لا يعتد بها. وفي ذلك يقول العلامة طه أحمد إبراهيم “فانتقال الشعر من البادية إلى الحاضرة كان لابد أن يحدث هوة بين القدماء والمحدثين، وتأثر الشعر تأثرا طبيعيا بالبيئة كان لابد أن يزيد في تلك الهوة فلم يكن بد، إذن، من وجود بعض فروق بين الشعرين: فروق فقط لا استحالة ولا خلق جديد”.[9] لماذا؟ لأن انتقال الشعر من “نجد والحجاز إلى شواطئ دجلة” والاحتفاظ بنفس “أغراضه ومناحيه” غير كفيل بإعطائنا شعرا حديثا وجديدا “فما التجديد إلا في الجوهر، ما التجديد إلا في استبدال أصول الشعر القديم بأصول غيرها. فأما أن نحتفظ بالجوهر ونبدل في العرض، فليس ذلك بشيء”.[10] من هنا نؤكد على أن المحدثين لم يخلقوا شيئا جديد، وإنما كانت هناك فروق بينهم وبين القدماء ترجع إلى الألفاظ وحدها، فقد اقتصروا على تغيير ظاهر الشعر فوضعوا الأفكار القديمة في صياغة جديدة وقد وجد كثير من الشعراء لم يرقهم تبديل في الديباجة وتغيير في الألفاظ، فظلوا كأنما يعيشون في البادية فحرموا على أنفسهم أن يقفوا بقصر وقد وقف أسلافهم بطلل، وأن يركبوا فرسا، وقد ركب أسلافهم الناقة، أن يصفوا الأزهار وقد وصف القدماء الشيح والعرعار…

ولقد كانت الثورة على القديم عنيفة ضاربة، ويكفي أن تطلع على الأبيات الآتية لأبي نواس لتتأكد من مدى عنفها، ومبلغ تحامل الشاعر على الموروث من العهد القديم من العادات والتقاليد الفنية. ومن ذلك قوله:
عَاَج الشَّقِيُّ عَلَى رَسْمٍ يُسَائِلُهُ
يَبْكِي عَلَى الطَّلَلِ المَاضِينَ مِنْ أُسُدِ
وَمَنْ تَمِيمٌ وَمَنْ قَيْسٌ وَلَفَّهُمَا
لاَجَفَّ دَمْعُ الَّذِي يَبْكِي عَلَى حَجَرٍ
دَعْ ذَا، عَدِمْتُكَ، وَاشْرَبْهَا مُعَتَّقَة وَعُجْتُ أَسْأَلُ عَنْ خَمَارَةَ البَلَدِ
لاَ دَرَّ دَرُّكَ، قُلْ لِي: مَنْ بَنُو أُسُدِ؟
لَيْسَ الأَعَارِيبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَحَدِ
وَلاَ صَفَا قَلْبُ مََنْ يَصْبُو إِلَى وَتَدِ
صَفْرَاء تَفْرُقُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ

وقوله:
لاَ تَبْكِ لَيْلَى وَلاَ تَطْرَبْ إِلَى هِنْدِ
كَأْسًا إِذاَ انْحَدَرَتْ فِي حَلْقِ شَارِبِهَا واَشْرَبْ عَلَى الوَرْدِ مِنْ حَمْرَاءِ كَالوَرْدِ
أَجْدَتْهُ حُمْرَتَهَا فِي العَيْنِ وَالخَدَّ

وقوله:
دَعِ الأَطْلاَلَ تَسْقِيهَا الجَنُوب
وَلاَ تَأْخُذُ عَنِ الأَعْرَابِ لَهْواً
إِذاَ رَابَ الحَلِيبُ فَبُلْ عَلَيْهِ
فَأَطْيَبُ مِنْهُ صَافِيَةٌ شَمُولٌ
فَهَذاَ العَيٌشُ لاَ خِيمَ البَوَادِي وَتَبْكِي عَهْدَ جِدَّتِهَا الخُطُوبُ
وَلاَ عَيْشاً فَعَيْشُهُمْ جَدِيبُ
وَلاَ تُحْرَجْ فَمَا فِي ذَاكَ حُوبُ
يَطُوفُ بِكَأْسِهَا سَاقٍ أَدِيبُ
وَهَذَا العَيْشُ لاَ اللَّبَنُ الحَلِيبُ[11]

والواقع أن تجديد أبي نواس لم يكن يقتصر على إحلال وصف الخمر محل وصف الأطلال في أول القصائد، ولكنه خرج فعلا عن عمود الشعر في ألفاظه ومعانيه، وأوزانه، في قصائده البعيدة عن شعر المدح، وبخاصة هذه القصائد التي كان الشاعر ينطلق فيها عن سجية وطبع فني دون حدود تصدمه أو قيود تثقله “ولم يقف تجديد المحدثين عند الديباجة، وعند الصياغة، بل حاولوا أن يجددوا كذلك في أعاريض الشعر وأوزانه، فاهتدى بشار إلى أوزان جديدة نظم منها تظرفا، واستعمل أبو العتاهية أوزانا غير التي نظم منها القدماء”.[12]

وجاء أبو تمام فأثار ثائرة النقاد والرواة بخروجه عن عمود الشعر من حيث الصياغة والتماسه البديع.

أما الصياغة فاتجه المحدثون إلى التفنن فيها، واعتبروها أهم شيء في الشعر فليس المهم عندهم أن يقال شيء، وإنما أن يقال هذا الشيء في أسلوب شائق جميل، تمثلوه في توشية العبارة وزخرفتها وتنميقها. وهذا ما أكده طه أحمد إبراهيم بقوله: “فاعتقدوا أو اعتقد كثير منهم أن المعاني نضبت، وأن لا ملكية فيها، ولا فضل، وأن أهم شيء في الشعر هو الصياغة وليس المهم إذن شيئا يقال، إنما أن يقال هذا الشيء في بيان جميل، وكيف يتأتى هذا البيان الجميل؟ بالزخرف في العبارة، والتنصيف”[13]، وكان من عمل هؤلاء المحدثين لإشفاء غليلهم في التجديد والتميز عن القدماء أن “قاموا يفتشون في العبارات القديمة عما يظنونه جميلا، وتتبعوه ووشحوا به شعرهم وحفلوا به، وأكثروا منه، فاجتمع لهم من ذلك الجناس والطباق والاستعارة وغيرها من الأنواع التي وقع عليها اسم البديع”.[14] ولا نخالف هذا العلامة الرأي، إذ أن تجديد المحدثين لم يمس الفكرة بقدر ما مس القالب الذي تصب فيه هذه الفكرة، فهو تجديد عرضي لم يكلف نفسه الوصول إلى عمق الجوهر. وهذا بالفعل ما يؤكده د. محمد مندور حين يصيح قائلا بأنهم “لم يقولوا أفكارا جديدة في صياغة قديمة بل حاولوا بوجه عام أن يقولوا الأفكار القديمة في صياغة جديدة”.[15]

من خلال هذا العرض نستشف أن العناصر الأساسية للخصومة بين القدماء والمحدثين تتمثل في:

1- اختلافهم في عمود الشعر.

2- خروجهم عن نهج القصيدة.

3- الإيمان بفكرة استنفاذ القدماء للمعاني.

ونتيجة لهذا الاختلاف كان طبيعيا أن تقع الخصومة وأن يظهر التعصب للقديم ضد المحدث، وقد مرت هذه الظاهرة من أربع حركات:

الحركة الأولى: دارت حول فحول الشعر الأموي جرير، الفرزدق والأخطل والراعي وذي الرمة وكان العصر الأموي عصر تدوين لآثار السلف، فكانت هذه الأشعار تشكل المثل الأعلى بالنسبة لعلماء اللغة والرواة والنحاة ومنهم: أبو عمرو بن العلاء (توفي 154هـ)، الخليل بن أحمد (توفي 180هـ) يونس بن حبيب (توفي 183هـ)، خلف الأحمر (توفي 180هـ)، المفضل الضبي (توفي 170هـ)، حماد الراوية (توفي 158هـ) أبو عبيدة (توفي 209هـ)، أبو زيد الأنصاري (توفي 215هـ) الأصمعي (توفي 216هـ)، ابن الأعرابي (توفي 231هـ)، وفي حقهم قال طه أحمد إبراهيم “أما اللغويون والنحويون فأولئك الذين خلقتهم الروح الإسلامية الجديدة، وهيأت لهم أسباب البحث المتشعب فكانوا أمزجة خاصة وذهنية خاصة في تاريخ النقد الأدبي”.[16]

وتحدثنا كتب اللغة والأدب عن خصومات كثيرة كانت بين النحاة والشعراء، وبين النحاة وفئات أخرى من النقاد. وتسمع أصداء لدعوة ترددت كثيرا حول اتهام اللغويين عموما والنحاة على وجه الخصوص بعدم البصر بجوهر الشعر، وعجزهم عن الولوج إلى عالمه الواسع الفسيح، واستكناه أسراره ومدلولاته المثمرة وهم فيما يقال عنهم يقفون منه على السطح، لا يهمهم إلا الخطأ والصواب. وإلا ما جاز وما لا يجوز أو ما عرف وما لم يعرف، وأن لهم مقاييس صارمة حادة لا تحفل بالجمال أنى كان وفي أي زمن كان. ولا تنظر إليه، ولا تعتد بشيء وراء ذلك، وبالتالي فهم ليسوا بأهل للخوض في نقد الشعر وتمييز جيده من رديئه. مما أدى إلى خصومات عنيفة بينهم وبين الشعراء، ويوشك أن يكون الفرزدق أكثر الشعراء معارك مع النحويين فقد اصطدم كثيرا بعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وكمثال لذلك فإن عبد الله بن إسحاق قال للفرزدق في مدحه يزيد بن عبد الملك:
مستقبلين شمالَ الشَّامِ تَضْرِبُهم
عَلَى عَمَائِمِنَا تُلْقَى وَأَرْحُلِنَا بِحَاصِبِ كَندِيفِ القُطْنِ مَنْتُور
عَلَى زَوَاحفَ تُزْجَى مُخَهَا رِيرِ

فقال له ابن أبي إسحاق: “أسأت، إنما هو ريرُ” وكذلك قياس النحو في هذا الوضع. وأنشد الفرزدق قصيدته: “عزفت بأعشاش وما كدت تعزف”، فمر فيها إلى أن وصل قوله:
وَعَضُّ زمانٍ يا ابن مروان لَمْ يدَعْ مِنَ المَالِ إِلاَّ مُسْحَتَا أَوْ مُجَلَّفُ

فقال ابن أبي إسحاق: “على أي شيء رفعت مجلفا؟ قال على ما يسوءك”.

فلما أكثر عبد الله بن إسحاق الرد على الفرزدق هجاه قائلا:
فَلَوْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى هَجَوْتُهُ وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى مَوَالِيَا

فكان منه أن قال: لحنت “رد الياء إلى الأصل وهي أبيات. ولكن هذا البيت تركه ساكنا”.[17]

كما تشهد كتب الأدب بالخصومة العنيفة التي دارت بين الفرزدق وعنبسة بن معدان إذ يروى أن الفرزدق أنشد يوما قوله:
تُرِيدُ نُجُومُ اللَّيْلِ وَالشَّمْسُ حَيَّة زِحَامَ بَنَات الحَارِثَ بن عُبَاد

فنقده عنبسة بن معدان لأنه أنَّثَ الزحام، وقال له الزحام مذكر، فنهره الفرزدق قائلا: “أغرب ثم هجاه بعد ذلك”[18]، ومحمد مندور لم يهتم بهذا النوع من الخصومة القائم على تعصب علماء اللغة للنص القديم، إذ هي مسألة في نظره “لم تكن تقوم على النقد الأدبي”.[19] بل بالعكس من ذلك يهتم بالخصومة الفنية التي أثارت حركة نقدية كبيرة في القرن الرابع الهجري “ونحن نقصد الخصومة الفنية التي أثارت حركة النقد في القرن الرابع”.[20]

الحركة الثانية: وهي الحركة التي دارت حول الشعر المولد، ولقد وقف منها العلماء الرواة موقفا شديدا ينم عن عصبية عربية قحة وطبيعي أن يثير هذا الشعر الجديد إبان ظهوره ثائرة كثير من العلماء الرواة المتعصبين للقديم، والذين فهموا الشعر على أنه فن لغوي وحسب. وتربوا على حس الذوق البدوي في التعبير الذي يميل إلى جزالة التعبير، ومتانة اللفظ وفصاحته. وكانوا يعتبرون الخروج عن ذلك ركاكة تعبيرية وضعفا لغويا حتى وإن كان اللفظ عذبا والتعبير رشيقا، ومن ثم فقد كانوا يعملون كل ما في وسعهم لإجهاض هذا الشعر الجديد ووأده، وذلك بالتشكيك في أصالته الفنية، وفي صياغته التعبيرية ومدى صلاحيته للاستشهاد الأدبي واللغوي.

ويبدو أن الشعراء كانوا يرون في هذه الطائفة من النقاد تشددا يضيق أمامهم منافذ القول ويسد من آفاقه العريضة في وجوههم، بل كانوا يحسون فيما يطالبهم به أولئك من قواعد وأصول قيودا تقيد حريتهم. ولعل أبلغ ما يصور إحساس الشعراء بما يفرضه النحويون واللغويون عليهم من قيود ما جاء في الموشح من أن الأصمعي نقد شاعرا لأنه قال: “ترافع العز بنا فارفنفعا”. وقال له: “هذا لا يجوز! “فقال الرجل: “فكيف جاز للعجاج أن يقول: تقاعس العز بنا فاقعنسسا ولا يجوز لي أن أقول: فارفنفعا؟”.[21]

لقد كان علماء اللغة والنحو، انطلاقا من طبيعة المهمة التي أخذوا أنفسهم بها، وهي تدوين مفردات اللغة، وجمع الشعر، ووضع القواعد محافظين متشددين لا يقبلون أي شيء يخالف القواعد التي وضعوها، أو يخرج عن سننها وطرائفها، بل كانوا أحيانا يطعنون على العرب الفصحاء إذا خالفوا القياس. رفضوا أشعار بعض الشعراء، ولم يقبلوا إلا عن العرب الأقحاح. فالأصمعي يقول عن الكميث: إنه “ليس بحجة لأنه مولد”.[22] ولأنه تعلم النحو. وكان يقول عن الكميث أيضا، أنه كان من أهل الكوفة، فتعلم العربية، وروى الشعر. كانت للأصمعي مواقف متشددة من بعض الشعراء من ذلك موقفه من عدي بن زيد وأبي داود الأيادي: “لا تروى أشعارهما، لأن ألفاظهما ليست بنجدية”.[23]

لم يكن النحاة وعلماء اللغة يقبلون شعر المولدين ولا يرونه أهلا أن يحتج به، نظرا لفشو اللحن في ألسنتهم والخطأ في كلامهم نتيجة احتكاكهم بغيرهم من العجم. فالمثل الأعلى للشعر عندهم هو شعر البادية، من تم شدوا الرحال إلى البوادي يأخذون اللغة من أفواه العرب قبل أن يدب إليها الخطأ واللحن ليحتجوا بها ويقيموا على أساسها قواعد اللغة العربية. فبقي الاحتجاج بلغة البادية قاعدة حادة صادقة لم يكونوا يريدون لها أن تتزعزع.

لقد كانت هذه القاعدة من أقوى دواعي الخصومة التي نلمحها بين الشعراء وعلماء النحو. كان الشعراء يعدونها قاعدة جائرة تحط من قدرهم وتستهزئ بشعرهم، وتجعل اللغة وقفا على فئة دون أخرى، تأخذ ما تشاء وتدفع ما تشاء.

ومما يصور موقف هؤلاء العلماء الرواة من الشعر الجديد، قول ابن الأعرابي متهما هذا الشعر بالسطحية، وافتقاره إلى العمق الفني بالقياس إلى الشعر القديم “إنما أشعار هؤلاء المحدثين مثل أبي نواس وغيره، مثل الريحان يشم يوما ويذوى ثم يرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر، كلما حركته ازداد طيبا”.[24] وقول أحد معاصريه عنه. “كنا عند ابن الأعرابي فأنشده رجل شعرا لأبي نواس أحسن فيه، فسكت، فقال له الرجل، أما هذا من أحسن الشعر؟ قال: بلى، ولكن القديم أحب إلي”.[25] وأبو تمام ليس بشيء لدى ابن الأعرابي، يقول في شعره “إن كان هذا شعرا فما قالته العرب باطلٌ”.[26]

وقد صور الشاعر عمار الكلبي موقف الشعراء من النحاة، ومدى إحساسهم بما يفرضه عليهم هؤلاء من قيود وأغلال في قصيدة منها هذه الأبيات:
مَاذَا لَقِيتُ مِنَ المُسْتَعْرِبِين وَمِنْ
إِذْ قُلْتُ قَافِيَةً بِكْراً يَكُون بِهَِا
قَالُوا: لَحَنْتَ، وَهَذَا لَيْسَ مُنْتَصِباً
وحرضوا بين عبد الله من حُمُق
ما كل قولي مشروحا لكم فخذوا قِياَسِ نَحْوهِمُ هَذَا الَّذِي ابْتَدَعُوا
بَيْتٌ خِلاَفَ الَّذِي قَاسُوهُ أَو ذرعوا
وَذَاكَ خَفْظٌ، وَهَذَا لَيْسَ يُرْتَفَعُ
وَبَيْنَ زَيْدٍ فَطَال الضَّرْبُ وَالوَجَعُ
ما تعرفون وما لم تعرفوا فدعوا[27]

ونلاحظ أن الشاعر يتهم النحاة بعدم البحر بجوهر الشعر ووقوفهم عند مكمن الجمال، وكان أول من أشار إلى هذه المسألة الجاحظ في نصه المشهور “طلبت علم الشعر عند الأصمعي فوجدته لا يحسن إلا غريبه فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يتقن إلا إعرابه، فعطفت على أبي عبيدة، فوجدته لا ينقل إلا ما اتصل بالأخبار، وتعلق بالأيام والأنساب فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب: كالحسن بن وهب، ومحمد بن عبد الملك الزيات”.[28]

ثم عزز الجاحظ هذا الكلام بقوله في البيان والتبيين: “البصر بهذا الجوهر من الكلام (يعني جيد الشعر وفاخره) في الرواة الكتاب أعم، وعلى ألسِنةَ حذاق الشعر أظهر”.[29] وتلقف رأي الجاحظ بعد ذلك كثيرون. فشاعت التهمة في حق النحاة وعلماء اللغة، فنجد عبد العزيز الجرجاني مثلا يتحدث عن المعترضين على شعر أبي الطيب، فيذكر منهم من هو “نحوي لغوي، لا بصر له بصناعة الشعر…”.[30]

هكذا نقول إن ابن الأعرابي لم يكن بدعا في هذا بين جيله من العلماء المتعصبين للقديم، وإنما كان يصدر عن موقف عام التزمه هؤلاء المتعصبون للقديم إزاء الشعر المحدث، حتى إن الواحد منهم، كان إذا سمع هذا الشعر ولم يعرف قائله أو عصره، هفت نفسه إليه وأبدى إعجابه إذا سأل عن قائله تراجع عن موقفه، فيتناقض آنذاك مع مشاعره وأحاسيسه تناقضا تاما. قد يندهش المرء لدى سماعه لمثل هذه الروايات التي تمثل بشكل واضح التناقض الذي وقع فيه المتعصب بين إحساسه وعقله، بين ذوقه والقاعدة التي رسمها، لكن هذه الدهشة ما تلبت أن تزول إذا ما عرفت السبب في ذلك، وهو شيء سنقف عند حدوده في المحاور القادمة.

وإلى جانب ابن الأعرابي نجد الخليل بن احمد الفراهيدي (توفي 175هـ) وسيبويه (توفي 180هـ) ويونس بن حبيب (توفي 182 هـ) والأخفش (توفي 261 هـ) وغيرهم من النحاة الذين ساهموا بآراء كثيرة صائبة ونظرات نافذة تعتمد على الذوق والحس المرهف، والإدراك السليم، ولتوضيح ذلك نلتمس كمثال الخبر الذي يتحدث فيه الخليل بن أحمد عن فضل النابغة الذبياني، فقد تذاكر يوما مع يونس بن حبيب الأشعار والشعراء فأكثر يونس من ذكر زهير وتقديمه، وذكر الخليل النابغة وقدمه، فقيل له، بم تذكر النابغة فقال: “للنابغة سهولة السبك وبراعة اللسان لا يتوعر عليه الكلام، لسهولة مخرجه وسلامة مطلبه”[31]، هكذا نلاحظ أن الخليل لم يقف عند حدود الإعجاب بالنابغة بل علل هذا الإعجاب بتبيان مجموعة من الخصائص التي يتسم بها هذا الشعر. والتعليل شيء لازم في هذه المرحلة المتقدمة من تاريخ النقد العربي القديم إذ لم تعد الآراء تصدر عن الهوى بل أصبحت تعلل. ثم إن الخليل النحوي هو صاحب العبارة الفنية المشهورة التي يقول فيها: “إن الشعراء أمراء الكلام، يصرفونه أنى شاؤوا، ويجوز لهم مالا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللفظ وتعقيده، ومد مقصور وقصر الممدود، والجمع بين لغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه، فيقربون البعيد، ويبعدون القريب، فيحتج بهم ولا يحتج عليهم…”.[32] وفي هذا النص ما يدل على معرفة عميقة بخصائص الشعر، وما يتميز به من خصائص فردية يحدثها الشاعر في اللغة، فلأول مرة نجد نوعا من النقد يراد به العلم، وتراد به خدمة الفن الشعري، وخدمة تاريخ الأدب، نجده عند اللغويين في هذين المصرين، وعند كثير من النحاة، فلا عصبية ولا هوى جائرا، ولا تأثرا حاضرا، ولا انحرافا عن الحق رغبة أو رهبة، وإنما هو الشعور الهادئ والتحليل والدليل، وقرع الحجة بالحجة، وذكر الأسباب”[33]…

وعلى العموم فإنه على الرغم من شيوع اتهام الجاحظ اللغويين والنحاة، وأخذ الكثيرين بما قال، وترديده حتى أوشك أن يديع، لا نعدم أقوالا تشيذ بفضل هؤلاء وتنصفهم، وتزيل عنهم تهمة عدم البصر بجوهر الشعر. فالحاتمي مثلا يسميهم “أهل العلم بالشعر” ويقول: “أجمع أهل العلم بالشعر كأبي عمر بن العلاء والأصمعي وغيرهما”[34] والأخفش يتحدث عن معرفة الخليل والأصمعي للطباق وغيره من ألوان الشعر الجمالية فيسأله سائل: “أفكأنما يعرفان هذا؟” فيرد قائلا: “سبحان الله، وهل مثلهما في علم الشعر، وتمييز خبيثه من طيبه؟”[35]

ويبدو مما عرضنا أن اتهام النحاة بعدم البصر بجوهر الشعر، أو القدرة على تمييز جيده من رديئه، أمر مبالغ فيه. فقد يكون غلب على هؤلاء في تقدمهم للشعر الاهتمام بالجانب النحوي أو الصرفي، والنظر في غريبه وإعرابه، فهذا من طبيعة اختصاصهم، ولكنهم لم يهملوا أبدا ما في الشعر من حسن وجمال آية ذلك الشواهد التي أدرجناها والنظرات التي تملأ بطون الكتب، هكذا فمن الظلم اتهام هؤلاء الأعلام بعدم القدرة على النفاذ إلى بواطن الشعر، وأنهم لم يعرفوا منه إلا الغريب والإعراب والنحو والخطأ والصواب، وما اتصل بالأخبار والأيام والأنصاب “فعنبسة الفيل من الذين رووا شعر جرير والفرزدق، وكان يفضل جريرا ،وهو وميمون الأقرن، وعيسى بن عمر، وابن أبي إسحاق من أئمة العربية، الذين يرجع إليهم المشكلات، وفي النقد الأدبي، وفي الموازنة بين الشعراء فأما أبو عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب فلهما في النقد الأدبي آراء حسنة، ولهما فيه أثر جليل، يعدان في النحويين، ويعدان كذلك في اللغويين الذين وطدوا النقد الأدبي ونظموا بحوثه، واستنبطوا مقاييسه”.[36]

الحركة الثالثة: وقد ناقش رواد هذه الحركة شعر البحتري وأبي تمام فانقسم الناس إلى أنصار البحتري وأنصار أبي تمام. فكان كل فريق من هذين يشكل ندا للآخر.

لقد كان الشعر المحدث ميدانا جديدا لا يحظى من النقد بكبير اهتمام لان النقد كان يفتقر إلى القواعد والأدوات والمصطلحات التي تمكنه من الخوض فيه، بل كان النقد آنذاك يدور في فلك مقاييس محدودة متعارفة بين علماء الأدب من ذلك قول ثعلب: “أنا أعاشر الكتاب كثيرا وخاصة أبا العباس بن ثوابة وأكثر ما يجري في مجالسهم شعر أبي تمام ولست أعلمه، فاختاروا لي منه شيئا”.[37] نستنتج من هذا:

1- أن عالما كبيرا كثعلب القريب من عهد أبي تمام يجهل أو يتجاهل شعره. فكيف هو حال من هو دون أبي تمام منزلة وشهرة من الشعراء المحدثين؟.

2- الرغبة الملحة لدى ثعلب في الإطلاع على الشعر المحدث، التي ما لبثت أن تحققت على مر الزمن، إذ مع مطالع القرن الثالث الهجري، أفشلت الصيرورة التاريخية موقف المتعصبين للقديم، فقد استطاع الشعر المحدث أن يثبت وجوده ويصبح صدى دقيقا للعصر، فلم يكد يأتي القرن الثالث حتى كانت معالم هذا الشعر قد تحددت فنيا، ووصل في ذلك إلى مستوى الشعر القديم، وتعدى هذا إلى التفوق عليه أحيانا. وقد أحس بذلك كثير من علماء العربية وأدبائها آنذاك. من هنا كان المناخ النقدي العام يستدعي حلقة اتصال بين المنهج القديم والحديث، ويدعو إلى إحلال النظرة المجردة التي تجعل الجودة مقياسا للشعر، وتخلص النقد من التعصب، وهو موقف يؤصل العدالة الاجتماعية التي تستعبد عنصر الزمن من المفاضلة ولا تتجاهل التجارب الشعرية الناضجة الجديدة والمعبرة عن روح عصرها.

وفي هذا الإطار بدت في الساحة النقدية أصوات تطيح بالنظرة القديمة التي يطبعها التعصب وتنادي بالنظرة الموضوعية التي تقوم على أساس استقلال الأثر الشعري عن عصره وقائله، وإحلال مقاييس الجودة في التصور والحكم.

ويعد المبرد من أوائل علماء اللغة الذين وقفوا من التحول الشعري موقف القبول مبدئيا. فقد اعتمد الشعر المحدث كأصل من الأصول التي يدرسها لطلابه. وقد أشار ابن المعتز إلى أنه شرح له قصيدة لأبي نواس[38]، كما أورد المبرد بعض النماذج للشعر المحدث في كتابه “الكامل” وخصص له كتابا كاملا أسماه “الروضة” ذكره يا قوت الحموي[39]، قال عنه ابن الأثير إنه “كتاب جمعه، واختار فيه أشعار الشعراء، بدأ فيه بأبي نواس ثم بمن كان في زمانه، وانسحب على ذيله”.[40] هكذا شارك المبرد في توجيه نظر النقاد والقراء إلى مبدأ الإجادة، وإلى مبدأ القدم، ومن هنا وضعه ابن سنان الخفاجي بين النقاد الذين يقولون: “لا فضل لقديم على محدث ولا لمحدث على قديم إلا بالإجادة”.[41] وهذا ما يعبر عنه المبرد نفسه بقوله: “وليس لقدم العهد يفضل القائل ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب. ولكن يعطي كل ما يستحق”.[42] وهذا يعني أن النص هو أساس التقييم والحكم بالجودة أو الرداءة وليس لعامل الزمن أي اعتبار وبهذه النظرة كان يختار أشعار المحدثين أو المولدين مبررا اختياره بأنها “حكيمة مستحسنة يحتاج إليها للتمثل، لأنها أشكل بالدهر”.[43] وهذا يدل على مدى التصاقه بالواقع المعيش ومدى تعبيره عن روح العصر.

ويدل استشهاده بشعر أبي تمام في أماكن كثيرة من كتاب “الكامل” وتمثله به للمقارنة بغيره أو لنقده، على طول باعه بالشعر وكثرة تفهمه له، بل يفضله في بعض الأحيان معللا سبب تفضيله بحدق أبي تمام وطرافة كلامه وفي ذلك يقول: “وليس بناقص حظه من الصواب أنه محدث”.[44]

ويروي له الصولي قوله عنه وعن البحتري “والله إن لأبي تمام والبحتري من المحاسن ما لو قيس بأكثر شعر الأوائل، ما وجد فيه مثله”.[45] وفي رواية أن عبد الله بن المعتز قال له يوما “يا أبا العباس ضع في نفسك من شئت من الشعراء ثم انظر: أيحسن أن يقول مثل ما قاله أبو تمام لأبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافقي يعتذر إليه “فقال أبو العباس محمد بن يزيد: ما سمعت أحسن من هذا قط (وكان ابن المعتز قد قرأ عليه بضعة أبيات) ما يهضم هذا الرجل حقه إلا أحد الرجلين: إما جاهل بعلم الشعر وإما عالم لم يتبحر شعره ولم يسمعه”[46]، وهذه النظرة جعلت المبرد يقف بجانب الشعر المحدث إذا ما لمس فيه الجودة.

ويقف ابن قتيبة من الشعر المحدث هذا الموقف المنصف الذي وقفه المبرد قبله، حتى أصبح بفضله نظرية نقدية تقوم على العلة والمعلول وتركز على:

1- التشكيك في صلاحية المقياس النقدي القديم وتزييفه.

2- وضع مقياس نقدي جديد، يعد أساسا صالحا لنقد الشعر.

3- الحياد الموضوعي اتجاه النص “ولا نظرت إلى متقدم بعين الجلالة لتقدمه”.

4- التعريض بالمنهج النقدي المتبع لدى العلماء والذي قوامه التعصب “إني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله”.

5- عدم ارتباط موهبة الإبداع بجنس أو زمن “ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن”.[47]

وبناء على هذا يتهاوى ذلك المقياس النقدي الزائف الذي يجعل العصر أو الزمن أساسا لقبول الشعر أو رفضه، ويحل مكانه المقياس الفني المتمثل في الجودة أو الرداءة. يقول في ذلك: “فكل من أتى بحسن من قول أو فعل ذكرناه له واتينا به عليه، ولم يضعه عندنا تأخر قائله أو فاعله، ولا حداثة سنه، كما أن الرديء إذا أورد علينا للمتقدم أو الشريف، لم يدفعه عندنا شرف صاحبه ولا تقدمه”.[48] وهي نظرة منصفة للشعر عامة، وللمحدث من الشعر خاصة، إذ نلاحظ فيها تحرر الحس النقدي من الأغلال التي تكبل سيره وتطلق سراحه، فعبر بذلك بحرية موضوعية عما يحسه من جودة أو رداءة في الإنتاج الأدبي دون اعتبار لصاحبه ولا لزمن ولادته.

وإلى جانب ابن قتيبة نجد الجاحظ (255 هـ) الذي كان له إيمان قوي بجودة الشعر العربي القديم، الذي هو نتاج عربي خالص، وإن شعراءه أشعر من الشعراء المولدين: “ولقد رأيت أناسا منهم يبهرجون أشعار المولودين، ويستسقطون من رواها، ولم أر ذلك قط إلا من راوية للشعر غير بصير بجوهر ما يروي، ولو كان له بصر لعرف موضع الجيد ممن كان، وفي أي زمان كان”.[49]

يشير هذا النص إلى أن الجاحظ برغم إيمانه القوي بجودة الشعر العربي القديم فإنه لا يغض الطرف عن جودة الشعر المحدث، وقيمته الفنية، وبذلك يضرب عنصر الجنس وعنصر الزمان والمكان، وهو في الوقت نفسه يعادي أولئك المتعصبين للقديم أو للمحدث وفق مقاييس غير موضوعية بهدف إنصاف الشعر المحدث الذي أبدى تعاطفا قويا معه في كتاب “الحيوان” وكتاب “البيان والتبيين”.

ثم عبد الله بن المعتز (296 هـ) الذي يبدو أنه لم يكن متحمسا للشعر المحدث في بداية حياته رغم كونه شاعرا محدثا، لا أدل على ذلك من كتابه “البديع” الذي ألفه للرد على ادعاءات الشعراء والنقاد المحدثين. لكن ما لبث أن عدل من موقفه بعدما تحددت معالم هذا المحدث وبرزت، ودافع عنه أصحابه لإثبات القيمة الفنية التي كان يتسم بها إلى جانب الشعر القديم. فما كان من ابن المعتز إلا أن أنصف هذا الشعر المحدث، آية ذلك كتاب “طبقات الشعراء المحدثين”، الذي ترجم فيه للعديد من الشعراء المحدثين، وسنفيض في هذا الموضوع في محور لاحق.

ولإثبات ما سطرناه منذ البدء من أن الخصومة لم تعد بين القدماء والمحدثين فقط بل أصبحت بين المحدثين أنفسهم، فإننا نسوق نموذج البحتري الذي نجده يسأل: “أيهما أشعر: أنت أو أبو تمام؟ فقال: جيده خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه”.[50] والبحتري أيضا يفاضل بين اثنين ويحكم لأحدهما على الآخر حكما معللا فيقول: “دعبل بن علي الخزاعي، أشعر عندي من مسلم بن الوليد”. ولما قيل له: “كيف ذلك؟ قال: لأن كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم بن الوليد، ومذهبه أشبه بمذاهبهم”.[51]

وأبو تمام ينشده البحتري شيئا من شعره فيقول له: “أنت والله يا بني أمير الشعراء غدا بعدي”.[52] وأبو تمام كذلك يستحسن بيتا لعلي بن جبلة، فيتمنى لو أن هذا البيت بثلاث قصائد من شعره. أنشده عبد الله بن محمد بن جرير قصيدة علي بن جبلة البائية فلما بلغ في الإنشاد إلى قوله:
وردَّ البيضَ وَالبِيضُ إلى الأعادِ والحُجْبِ

اهتز أبو تمام من قرنه إلى قدمه، ثم قال: “أحسنَ والله لوددت أن هذا البيت بثلاث قصائد من شعري يتخيرها وينتحلها مكاني”.[53]

ولقد انتبه الرواد المحدثون إلى هذه التفاصيل، وفي شأنها قال طه أحمد إبراهيم: “ويمضي القرن الثاني، وتنقضي الخصومة بين القدماء والمحدثين، بانقراض القدماء ولكنها تظل بين المحدثين بعضهم وبعض”.[54]

الحركة الرابعة: خبت نار الخصومة وركدت ريحها حول أبي تمام والبحتري ثم ما لبثت أن أشعلت بمجيء المتنبي، خاصة وأن الذوق الأدبي أصبح يميل نحو المحدث والقديم في الوقت ذاته، فهو يتقبل شعر البحتري وشعر أبي تمام، وسيظهر المتنبي شاعر القديم والمحدث، فيظهر الجزالة والقوة والبيان على نهج القدماء، ويغوص في معاني الحياة الإنسانية ويضمن شعره فلسفة عصره، ونثبت بذلك المعركة بين الأنصار والخصوم.

كان هدف الخصوم تحطيم شعر المتنبي انتقاما من شخصه وتعاظمه وتعاليه فوصفوا شعره بأنه “مرقع” ومصنوع من معاني الغير. أما الأنصار فاكتفوا بتصوير إعجابهم به أو شرح بعض معاني شعره في الديوان. ومن الذين تناولوا المتنبي كقضية نقدية الحاتمي الذي يعد النقد ميدانه الأكبر، ومعقد جهده الأعظم، فظهور المتنبي في العراق بعد مغادرته مصر أثار إحساسه النقدي فسجل عيوبه واعتبره سارقا لأبي تمام مع العلم أن المتنبي ينكر معرفته بأبي تمام وشعره، من هنا وجب أن نقتدي برأي الدكتور محمد مندور في تقويمه للرسالة الحاتمية حيث نص أنه “من واجبنا أن ننظر في الرسالة الحاتمية مع شيء من الحذر، فلا نرفضها كلية كما يدعونا الأستاذ أحمد أمين بل نفحصها بيتا بيتا لنرى صحة دعوى الحاتمية من باطلها، ومن البين أنه من الواجب أن نميز بين الأفكار العملية التي يمكن أن تكون قد أتت إلى الشاعر مباشرة أو نتيجة لتجارب حياته، وبين الآراء النظرية التي تظهر فيها الروح الفلسفية على نحو واضح، كما يجب أن نميز بين المعاني في ذاتها وبين طرق الصياغة”.[55]

ومن أنصار المتنبي ابن جني الذي كان صديقا حميما له معجبا بشعره حتى قال: “وما لهذا الرجل من عيب عند هؤلاء السقطة الجهال… إلا أنه متأخر محدث”. ويعد ابن جني أول من فتح باب القول في أن مدائح المتنبي لكافور مبطنة بالهجاء، إضافة إلى كونه أول من شرح ديوانه حتى غدا شرحه أساسا لكثير من الشروح، ومن المآخذ التي أخذت عليه كونه يعتذر للمتنبي في العديد من المواقف اللغوية، وقد أثار نقد ابن جني كثيرا من الردود.

لم تهدأ العاصفة النقدية حول المتنبي، فخلقت جوا صالحا لظهور “الوساطة بين المتنبي وخصومة” للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني المتوفى سنة 392 هـ، وكونت “الوساطة” التربة الخصبة لنمو الناقد المعتدل، فالجرجاني يحدثنا أنه منذ أن خالط أهل الأدب، وجد الناس في المتنبي فريقين يكاد التوفيق بينهما يعد صيحة في واد فكلا الفريقين يحمل للمتنبي اتهاما.

فالمناصرون يخرجونه من نطاق الإنسان الذي يجوز عليه الخطأ، والمعارضون ينفونه من نطاق الأدب الذي يجوز له الفضل. وكان الموقف يتطلب فريقا ثالثا، يقف موقفا وسطا من المسألة، فيكون بذلك قاضيا عادلا ناقدا ضليعا، فكان عبد العزيز الجرجاني وكان كتابه “الوساطة بين المتنبي وخصومه” الذي أبدى فيه هذا الناقد قدرة جديدة في الميدان النقدي، سجلت لأول مرة في تاريخ الحركة النقدية العربية القديمة.

لقد كان الجرجاني قاضيا وفقيها ومؤرخا في النقد الأدبي، وروح القضاء واضحة بشكل جلي في كتاب “الوساطة” سواء في المنهج أو في الأسلوب، فهي قريبة إلى الروح العلمية، صدرت عن رجل عالم ثابت متواضع حذر دقيق، اشتغل بالقضاء طوال حياته.

وقد كان من مزايا كتاب “الوساطة” أن التفت إلى تأثير البيئة في الأدب. صحيح، أن الأمدي في الموازنة قال بها، ولكن الجرجاني أوضحها وأبان عنها… وقد كان يقيس شعر المتنبي بشعر غيره في الموضوع الواحد، ويفضل أحدهما، وهو في ذلك ذو ذوق لطيف في التفضيل، إذا استحسن فإنما يختار الحسن، وسار في الحكم له أو عليه سير القاضي في القضية، ومن اجل ذلك يستعمل في بيان مزايا المتنبي وعيوبه عبارات فقهية ويتعرض في دقة إلى السرقات الشعرية- كما تعرض لها الأمدي قبله- فيرى أن هناك معاني عامة مطروحة أمام الشعراء، لا عار على الشاعر إذا أخذها واستعملها، فمن السخف أن نتهم شاعرا بسرقة شيء من المعاني العامة المشتركة، وكذلك هناك مفردات ومصطلحات مشتركة ومتعارفة لدى الجميع يباح للشاعر أن يستعملها كقولهم: “طوى الموت ما بيني وبين فلان”. ويختم الجرجاني دفاعه عن المتنبي بقوله “وقد آتينا على ما حضرنا من هذا الكتاب، ونبنا عنك في جمعه واستحضاره ولقطه، وتصفح الدواوين، ولقاء العلماء فيه، وبيضنا أوراقا لما لعله شذ عنا من غريبه، وما عسانا نظفر على مرور الأوقات به، وما نأبى أن يكون عندك أو عند أحد من أصحابك فيه زيادات لم نعثر بها. أو لطائف لم نفطن إليها إن كنت على ثقة من علمك، وبصيرة بما عندك، وعرفت من طرق السرق ووجوه النقل ما يسوغ في حكمك، وتعدل فيه شهادتك فلا بأس أن تلحق به ما أصبته، وأن تضيف إليه ما وجدته بعد أن تتجنب الحيف، وتتنكب الجور، وتعلم أن وراءك من النقاد من يعتبر عليك نقدك ومن لا يستسلم للعصبية استسلامك…”.[56]

وتجدر الإشارة إلى أن الخصومة حول المتنبي تختلف عنها حول أبي تمام، لأن الثاني صاحب مذهب جديد في الشعر عد مفسدا له، وخارجا به إلى الصنعة التي تميت الروح، ولذلك كان القتال حول طبيعة هذا المذهب. أما الخصومة حول المتنبي، فقد كانت حول شاعر أصيل لم يصدر إلا عن طبعه، فشعره ليس شعرا مصنوعا، وهو خال إلا قليل منه من تكلف أبي تمام لكونه شاعرا أصيلا، ودليلنا النقلي على ذلك هو ما نجده في أقوال صاحب الوساطة حين نص ” وما زلت أرى أهل الأدب منذ ألحقتني الرغبة بجملتهم. ووصلت العناية بيني وبينهم، في أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي فئتين: من مطنب في تقريضه منقطع إليه بجملته منحط في هواه بلسانه وقلبه، يتلقى مناقبه إذا ذكرت بالتعظيم، ويشيع محاسنه إذ حكيت بالتفخيم ويعجب ويعيد ويكرر ويميل على من عابه بالزراية والتقصير، يتناول من ينقصه بالاستحقار والتجهيل، فإن عثر على بيت مختل النظام أو نبه على لفظ ناقص عن التمام، التزم من نصرة خطئه وتحسين زلـله ما يزيله عن موقف المعتذر، ويتجاوز به مقام المنتصر، وعائب يروم إزالته عن رتبته. فلم يسلم له فضله. ويحاول أن يحطه عن منزلة بوأه إياها أدبه. فهو يجتهد في إخفاء فضائله وإظهار معايبه، وتتبع سقطاته، وإذاعة غفلاته، وكلا الفريقين إما ظالم له أو للأدب فيه”.[57]

والخصومة حول المتنبي نشأت على إثر اتصاله بسيف الدولة الحمداني. فلم يجد خصومه سبيلا إلى إيغار صدر سيف الدولة ضده بوشاياتهم إلا تجريح شعره ووصفه بالأوصاف القبيحة، خاصة وأن مجالس سيف الدولة كانت ندوات يتنافس فيها الأدباء، ويتناولون الشعراء بالنقد. وبذلك كانت “حلب” أول وسط أدبي ينتقد فيه شعر المتنبي.

هذه هي الحركات الأربع التي دارت حولها الخصومة بين أنصار القديم وأنصار المحدث من الشعر. ولم يبق لنا إلا الوقوف على موقف النقد الحديث من هذه القضية، متخذين عبد الله بن المعتز كمثال من خلال كتابه “طبقات الشعراء المحدثين”.

[1] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 90.

[2] – الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام ج. 2 ص 88 المكتبة التجارية.

[3]– ابن رشيق القيرواني، العمدة. ج 1 ص 31.

[4] – محمد مندور، النقد المنهجي عند العرب، ص 53.

[5] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 90.

[6] – المرجع نفسه، ص 95-96.

[7] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 94.

[8] – محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، ص 159.

[9] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 104.

[10] – المرجع نفسه، ص 104.

[11] – أبو نواس، الديوان، ص 11-12، دار الكتاب العربي، تحقيق أحمد عبد المجيد الغازالي.

[12] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 99.

[13] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 97.

[14] – المرجع نفسه، ص 97.

[15] – محمد مندور، النقد المنهجي عند العرب، ص 54.

[16] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 49.

[17] – المرزباني، الموشح، ص 156-161 تحقيق علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر 1965 مصر.

[18] – المصدر نفسه، ص 165.

[19] – محمد مندور، النقد المنهجي عند العرب، ص 80.

[20] – المرجع نفسه، ص 80.

[21] – المرزباني، الموشح، ص 562.

[22] – المصدر نفسه، ص 326.

[23] – المصدر نفسه، ص 104.

[24] – المرزباني، الموشح، ص 384، تحقيق علي محمد البجاوي.

[25] – المصدر نفسه، ص 465.

[26] – المظفر العلوي، نظرة الاغريض في نصرة القريض، ص 339 مخطوط الخزانة العامة بالرباط تحت رقم D1003.

[27] – ابن رشيق، العمدة، ج. 2 ص 105 تحقيق محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت.

[28] – الجاحظ، البيان والتبيين، ج. 4 ص 24.

[29] – الجاحظ، البيان والتبيين، ج. 4، ص 24.

[30] – الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص 334 ط. دار الحياة للكتب العربية تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، علي محمد البجاوي.

[31] – انظر بعضها، في “الكتاب” لسيبويه ج 1، ص 175-181-240-278-307.

[32] – حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص 143. تحقيق لحبيب ابن الخوجة.

[33] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 50.

[34] – الحاتمي، حلية المحاضرة، ج 1، ص 170 تحقيق د. جعفر الكتاني، دار الرشيد للنشر العراق 1979.

[35] – المظفر العلوي، نظرة الإغريظ في نصرة القريض. ص 248، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم D1003.

[36] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص53.

[37] – أبو بكر الصولي، أخبار أبي تمام، ص 15.

[38] – ابن المعتز، طبقات الشعراء المحدثين، ص 197-198 ط. دار المعارف.

[39] – ياقوت الحموي، معجم الأدباء، ج 19، ص 121.

[40] – ابن الأثير، المثل السائر، ص 12 ج 2 تحقيق أحمد الحوفي، بدوي طبانة مكتبة نهضة مصر.

[41] – ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، ص 228 ط.1. 1932 المطبعة الرحمانية بمصر.

[42] – المبرد، الكامل، ج 1، ص 29 مكتبة نهضة مصر.

[43] – المبرد، الكامل، ج 2، ص 3 مكتبة نهضة مصر.

[44] – المصدر نفسه، ص 16 .

[45] – الصولي، أخبار أبي تمام ص 97 تحقيق خليل محمود عساكر، محمد عبده عزام، نظير الإسلام الهندي المكتب التجاري للطباعة والتوزيع، بيروت.

[46] – المصدر نفسه، ص 202-203-204.

[47] – ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 5.

[48] – المصدر نفسه، ص 5.

[49]– الجاحظ، الحيوان، ج 3 ص 130، ط. بيروت.

[50] – أبو الفرح الأصفهاني، الأغاني، ج 21 ص 41 تحقيق عبد الستار أحمد فراج دار الثقافة بيروت 1960.

[51] – المصدر نفسه، ج 20 ص 87.

[52] – المصدر نفسه، ج 16 ص 51، تحقيق عبد الستار أحمد فراج دار الثقافة بيروت 1960.

[53] – المصدر نفسه، ج 19 ص 296، تحقيق عبد الستار أحمد فراج دار الثقافة بيروت

[54] – طه أحمد إبراهيم، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 110.

[55] – محمد مندور، النقد المنهجي عند العرب، ص 210.

[56] – الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص 410-411 ط. دار القلم تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، محمد علي البجاوي.

[57] – الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص 3 ط. دار القلم تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، محمد علي البجاوي.


الاستاذة الدكتورة بشرى عبد المجيد تاكفراست
أستاذة النقد الأدبي ومناهج الدراسات الأدبية
كلية اللغة العربية/جامعة القاضي عياض
مراكش / المغرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى