هند أبو الشعر - اليقظة

ترتعد وهي أمامه، تحس بخوف أسطوري لا تفهمه، تحدق به، يحدق بها، تشد يدها على مفاتيح سيارتها، وتحس بخوف مجنون كلما التهم بنظراته تفاصيل وجهها:
-أعرفك منذ ابتدأ العالم...!
-ماذا...؟
-أعرفك قبل أن تلدني أمي..!
-....!
-أنت الحلم الذي لا أتوقف عن اللهاث وراءه!
التقته قبل عشر دقائق فقط، كانت تتأمل لوحاته المعروضة على حائط المركز الثقافي، اقتحم عليها عزلتها، أصر على التعرف إليها وصرخ بصوت مجنون عندما قدمت نفسها إليه:
-لا يمكنك أن تتركيني... لقد ابتدأت حياتي الآن...!
التمعت عيناه الكبيرتان، في وهجهما قوة (راسبوتين) لعينيه سلطة مخيفة لا تقاوم.. لا شك بأنه مجنون.. لاشك في ذلك.
-هذه أنتِ.. انظري إلى الملامح... هل تصدقين...؟
ارتعدت، تطلعت إلى البورتريه برعب.. كانت ملامحها مرسومة بوضوح في لوحاته غمغمت بصوت مرتعش:
-هذه أنا..!
-اسمعي ولا تقولي شيئاً، فقط اسمعيني، لقد مرت بي هذه اللحظة من قبل في حياتي في زمن ما، في مكان ما، كنت معي، كنا نقف معاً وأنت تلبسين هذا الثوب.. نعم.. نفس الثوب الأزرق.. أنا أعرفك منذ زمن لا أدريه..!
-لا أصدق...!
-اسمعي.. لقد وجدتك الآن، كنتِ حلمي، وأصبحتِ الحقيقة التي تسطع أمامي مثل نجمة لا تتوقف عن الالتماع.
-...
شدت يدها بقوة على مفاتيح سيارتها وتحاشت أن تتطلع إلى عينيه، لا شك بأنه شيطان.. راسبوتين... ساحر في قبيلة بدائية.. أي شيء.. أي شيء لا يمت إلى الواقع بصلة.. قررتْ أن تهرب في أقرب فرصة ممكنة، أحس بها، وعرف أنها تتحفز للتخلص منه.. عليه أن يقبض عليها.. ألا يسمح لها بالإفلات منه، هي الحلم الذي سكنه منذ دهر، تسرب إلى خطوطه، تلون مع ضربات الفرشاة، وقطعات السكين.
-اسمعي، سأقتلك أن تركتني.. سألحق بك إلى أي مكان تحت الشمس.. هل تسمعين..؟
استدارت.. استدار شعرها في كل الاتجاهات.. انداحت دوائر لا عدد لها بينهما.. كانت لمحات العينين الرائعتين، تتشكلان في كل الدوائر.. لا يمكنه أن يفقدها لا يمكنه أن يفقد النجمة التي لا تتوقف عن الحلم، ركض خلفها، ناداها، لا يعرف غير أنها النجمة، التي لا تتوقف عن الالتماع..
-نجمة.. نجمة... نجمة..
جفل الحارس وتطلع إليه باستغراب فرك عيونه المتعبة، وقال بنبرة استهجان:
-ما بك يا أستاذ...؟
-هل رأيتها..؟
-من...؟
-نجمة.. هل عرفت في أي اتجاه ذهبت..؟
-نجمة...؟
-المرأة الطويلة بفستان أزرق..؟
جلس الحارس باستياء على مقعده، وقال بتهكم:
-لم يأت أحد إلى القاعة يا أستاذ...!
-أنت تهذي، نجمة كانت هنا، وكانت تقبض على مفتاح بيدها.
-صدقني يا أستاذ، أنت واهم..
وعندما عاد إلى القاعة، كانت خاوية، والأضواء مطفأة، توقف أمامها، كانت هناك بفستانها الأزرق ونظراتها التي تقطر أسى تتطلع إليه بلا توقف.. وتيقن أن البركان المجنون ضربه في الأعماق، وبأنه حزين... حزين من الأعماق...


*من مجموعة \"الوشم\".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى