الصحبي الهاني - الشاب والمسؤول..

اِستفاق على صياح الحيّ مذعورا
ماذا هناك؟ و ما الّذي يحدث، في مثل هذه الساعة، في مثل هذا اليوم خصوصا؟ ومَنْ محرّك كلّ ذلك؟..."اِنهاروا من صباحوا كيما ايقولوا"...استغفر الله العظيم... استغفر الله العظيم... استغفر الله العظيم...
فتح النافذة المطلّة على الخارج.
ماذا أرى؟ يا إلهي... متجمهرون في الشارع الرئيسي من مدينتي ذات الزخم التاريخي حيث أقطن... ماذا يفعلون أمام مسكني؟...ماذا أسمع؟... لم أتبيّن الألفاظ جيّدا... ماذا أسمع؟ ... لا أصدّق ما أسمعه الآن؟... إنّهم يسبونني ويشتمونني، كذلك يرجمونني بالتهم تهمة تلو الأخرى: تهما ما أنزل اللّه بها من سلطان...
ماذا أرى؟ شاب يقود مجموعة من المتجمهرين...تُرى فيم يخطب لهم؟...مَنْ يكون ذلك الشاب؟...لم اتبيّن ملامحه جيّدا... لا أذكر أنّي قابلته من قبل...ما الّذي أتى به إلى هنا؟
من بين المتجمهرين، شاب لمح المسؤول وفي عينيه تلتهب نار الغضب . دنا من شاب ثان يهمس في أذنيه:
- ها... اُنظر صوب النافذة ... أمامك... في البناية الشامخة... فمَنْ ترى؟
- ذاك الذي قصدنا إليه الآن ليرجع إلينا حقوقنا المهضومة فهو المعتمد تقلد قبل توّليه منصب المعتمد رتبة رئيس شرفي للجان أحياء الشارع الرئيسي
- إنّه هو... ذاك اللّعين... ينصت إلى ما نقوله...إنّنا الآن نعيش مسرحية نحن أبطالها والشارع الرئيسي ركحها وجمهورها ذاك اللعين وأمثاله يشاهدون عرضنا دون مقابل عبر نوافذ ديارهم المطلة على الطريق...
تدخل في الأثناء شاب ثالث قاطعا حديثهما:
- فيمَ توشوشان؟... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...
فرّد عليه الشاب الأوّل:
- أوَ ترانا شيطاين ماثلين أمامك، فتستعيذ بالله منّا؟
- حاشى وكلاّ فأنتم الإنس وما تفعلونه فهو من قبيل الهمز واللّمز
- وأنتَ مَنْ تكون حضرة جنابكم؟ أما ترى أنّ ما تفعله هو التجسّس عينه فلمَ تتجسس علينا؟
- ما لكَ تتحدّث معي مثل هذا الحديث؟ أما تعلم مَنْ أكون؟
- مَنْ تكون ؟...إمام ؟...لا...لا تكون غـير ذاك الذّي ينهى عن المنكر و يفعله...
- ما أسمعه منك؟ كيف؟...ربي يهديك
- ربي يهدي... ثمّ أنتَ لا تهدي ولكنّ الله يهدي مَنْ يشاء
حينها، تدخل الشاب الثاني قائلا:
- كفّا عن الشجار... يكفي ... أتحوّل هذا المقام إلى فضاء يحتضن محاضرة دينية وتربوية...أنسيتما ما نحن إليه قاصدون من أجله...إذا أردتما الشجار فهناك مكان آخر بعيد من هنا يصلح لذلك
- لا...لا...(قالها الشاب الثالث بشحنة )... سأبقى هنا وأتشاجر هنا ... أنتَ(إلى الشاب الثاني) بدلا من أن تكون المؤلِّف بيننا تكون المفرّق بيننا
- تستعرض لي قوتك؟ هيّا أرنيها...
- أستعرض عضلاتي...انظر جيّدا
يهّم بضربه . يتدخل الشاب الأوّل لفك النزاع فتأججت نار النزاع واجتاحت تلتهم المتجمهرين تفرّق بيتهم فشق منهم للشابين الأوّل والثاني وشق آخر للشاب الثالث
لا أصدّق ما أرى (لفظها المسؤول) أتحوّل الشارع إلى مسرح تتقاتل فيه طوائف بين المتجمهرين...هكذا نحن لا نتفق وقتما يجب فيه أن نتفق!... سأتصّل بالشرطة والأمن الداخلي...
سُمِعَ صفير سيارات الشرطة والتدخل السريع كذلك طلقات الرصاص تنبيها للمتجمهرين بالتفرق فلم يتفرقوا مستمرين في التقاتل فيما بينهم. حينها أطلق الأمنيّون الرصاص كذلك القوارير المسيلة للدموع وضربوهم بالهراوات. فمات منهم مَنْ مات وجُرِح منهم مَنْ جُرحَ ونجَا منهم مَنْ نجا وكان الشاب الأوّل من أولئك الناجين...
تنفّس المسؤول الصعداء إبّان تفرّق المتجمهرين وحمد الله. مرّت ساعات خلالها نُشِرَ ما نُشر وكُـتـِبَ ما كُتِبَ حول الّذي حصل اليوم في شبكات التواصل الاجتماعي .
جُنَّ اللّيل، فـــقـصـد الشاب الأوّل بيت المسؤول. وبخبرة منه فاقت خبرة أبطال الأفلام البوليسية ، صار أمامه فانهال عليه بالضرب المبرح كما شدّ وثاقه بالحبل المعدني كما وضع عــلى فمه عـــــــصابة ثمّ ضربه ضربة أخرى تكاد تُخرسه. سلب الأوراق والملفات واتجه صوب مسكنه كأيّها الناس.
طلع الصباح، وسال الحبر على الصحف وهيّ تتحدث عمّا حصل في الأمس للمسؤول خلال استجوابه بعد نقله للمستشفى . والشاب يغطّ في نوم طويل.
أعطى المسؤول لرجال الدورية صورة الشاب كان قد التقطتها خلسة منه قبل وقوع الحادثة وبإذن من وكيل الجمهورية للتفتيش عن الشاب والتحقيق معه، وصل هؤلاء الرجال إلى منزله
طرقوا الباب عدّة طرقات فلم يُفْتَحْ الباب . حينها قاموا بخلعه وفتشوا البيت شبرا شبرا فاستوقفتهم رائحة كأنها رائحة جيفة كما جاء على لسان أحدهم . تتبعوا الرائحة حتى وصلوا الى باب في الحائط. حطّموه، فوجدوا درجا يوصل إلى دهليز . نزلوا واضعين أصابعهم على أنوفهم.
وجدوا الشاب جثّة هامدة تجانب كومة من رماد...
أخذوا حفنة الرماد لمعاينتها في المخبر كما حمل جثة الشاب أعوان الطب الشرعي لتشريحه بعد ان اتصل بهم رجال الدورية
علم المسؤول بذلك فتبدل وجهه
- لمَ تغيّر لون وجهك حين أعلمناك أنّه توفّيّ ؟ هل تعرف الشاب؟
- هو ابني... أهملته فأطردته من مسكني فأتانى في الأمس منتقما عليّ يفجر كبته ثم اتنحر حيث وجدتموه وها أنكم الآن تشرحون جثته
- صار امامنا مهمتان (لفظها واحد منهم) الأولى البحث عن حقيقة موت الشاب والثانية عما الملفات والوثائق التي استولى عليها الشاب
- هلّم... ماذا تنتظرون؟... في عون الخالق للبحث ؟


الصحبي الهاني
المنستير في 11/05/2012

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى