بوراوي سعيدانة - مفارقات الكتابة

أي ريح سموم قذفت بي في هموم الكتابة والّلعب بماء النار وكأن الحياة كتابة أو لا تكون.. ولكن القراءة كتابة والحياة قراءة و كتابة ..
وقد يعتقد معتقد أنه حكيم زمانه وأفضل العارفين بشؤون الكتابة والكّتاب جامعا شاملا للأقوال والأفعال خبيرا بالأولين والآخرين لا تنطلي عليه الحيل ولا يقع في فخاخها..
ويذهب في ظن من يخطّ خطّا أو ينقر نقرة على الحاسوب أنه سيقلب العالم رأسا على عقب أو أنه العاجز المستبد بالرأي والقلم وأنه فائز لا محالة بجائزة من الجوائز وبترحاب وتهليل وتصفيق ممن استفردوا بأداء الشهادة ورفع رايات الولاء إلى وكلاء نعمتهم .. ألا إن الشهادة في هذا العصر شهادة كذب وزور..
فماذا تنتظرون منّي إذن ؟ أن أكذب وأقصّ عليكم من خيالي قصص الهيام والخيال والتيه والضياع أو أن أسرد عليكم جمعا من الطلاسم والأحجية عسى أن تجدوا لها حلولا وتنهمكون في حل رموزها وشفراتها؟ وان توصلتم إلى حل فانه من محض خيالكم وتأويلاتكم ولا يعلم تأويله حتّى كاتبه وإن صدق ..
ما أسوأ الظن أن يعتقد كاتب ما بأنه عتّال في المسألة بحذافيرها كالحمار يحمل أسفارا يجرّ أذيال الخيبة متنقّلا بين الولائم ينقل ويُنقل يتباهى ويُتباهى به واحدة بواحدة والمُبادر هو الأفضل في جميع الحالات …
قلت: الخائف من الكتابة كالخائف من الموت ونتيجتهما واحدة …
إن كتب خاف أن يقتل وإن لم يكتب مات..
فلماذا الخوف إذن والعمر قصير والحياة قصيرة, وما عسى أن تحمل الريح السموم من أمثال أمثالنا ؟ لا رعاة غنم نحن ولا نفلح الأرض ولا ندير المصانع , هي بضع كلمات نذكرها ونخطّها على الورق أو ننقرها على حاوية الحروف الالكترونية وإذا بها كتاب والصحف والجرائد تكتب والإذاعات تذيع والنافخون في الهواء الطلق ينفخون ..
ما أبشع أن يتحوّل الكاتب إلى سمسار كتابة وإلى وسيط سوء بين الوهميين والمتوهمين من أبناء و بنات هذا العصر المخضرمين للحداثة والعولمة واللذين لا استعداد لهم لكي يذرفوا دمعة حزن واحدة على من يُقتل أو يُطرد من بيته بدون جريمة ..
أليس الكاتب مشروعا صالحا للاستثمار والاستغلال كلّما دعت الحاجة إلى ذلك ؟وهو الضعيف المطاوع لأطماعه وكبريائه وبالهون يُبرّر العيش فإلى أيّ منقلب سينقلب ..؟
و كثيرا ما يجد الكاتب نفسه شريكا في جرائم عديدة لا يتحمّل مسؤولية اقترافها ولكنّه مع ذلك يُعدّ عنصرا فاعلا فيها ..

قلت مرة: أنا لست كاتبا و لا أديبا ؟
قالوا لي: إذن من أنت و ماذا تفعل هنا ؟
قلت: كالجالس في مجرى هواء تنفخ فيه الريح من قبل ومن دُبر..
فما أن تتحول الكتابة إلى ترف وتهميش وإلى كذب وخداع وإلى زيف وافتراء وإلى لغو وتذييل فلا مانع من أن يتبرّأ الكاتب من أدبيّاته وأدبائه ..
فليس كلّ ما يقال يُكتب وليس كلّ ما يُكتب يُقرأ والأدب الحقّ لم يُكتب بعد.. فهو مازال مخفيّا في أذهاننا تعرقله أسباب الخوف وما أكثرها فيجترّ الكاتب ما كتبه السالفون ويكتب ما لا يُضمر وما لا يعتقد أليس هذا هو الوهم والهون أو أن الشجاعة والجرأة أصبح لهما لونا يختلف عن أصله..؟
فالكتابة مصدرها الأيام والناس ما يقولون وما يفعلون وما يأكلون وما يشربون وما يضمرون وما يبدون حيث يتقاسم الكاتب معهم الخبز والماء والسماء والهواء والأرض والشمس والقمر والنور والظلام وأشياء أخرى… أليس من العار أن نستورد من الشرق أو الغرب من يكتب عن مشاغلنا وهمومنا مثلما نستورد قطع الغيار والموضة والحداثة ؟
إن كاتب اليوم هو المتفتح على غرائزه وشهواته لا يني على إشباعها ولا يتورع في ردّها متورطا في جرائم لا تحصى ولا تعد باحثا عن مبررات تبرّئه وأغطية وأسترة تستره أليس هو إذن بشاهد عصره بل هي شهادة زور وافتراء…
وإذا عنّ لك في يوم ما ـ بعد أن تكون قد تسلحت بالجرأة و الإقدام غير العربيين ـ بأن تقول أو تكتب أو تصرّح برأيك بكلّ صراحة ووقاحة و تيقّنت من أن اللذين تخاطبهم إنما هم من فصيلة الصمّ و البكم فما عليك إلاّ أن تستعين بذيلك لتضرب به فوق المصدح أو أيّ شيء صلب من شأنه أن يحدث قرقعة وضجيجا …
أليس في الضوضاء والجلبة خلق الإنسان ؟ يعتقد أن العدم أصله ومآله مغترّا بما يكسبه متناسيا أن وجوده هو نضاله و صراعه من أجل كلمة حق و من أجل اعتراض على منكر ومن أجل نصرة مظلوم وتكفّف دمعة محروم أو أنه خلق للترف والمجون أو لأسباب أخرى لا يهتمّ بها سوى مجنون..؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى