اعتدال عثمان - الخـروج

فى عطش السؤال ودهشة البحر

صوت أول
قال:
رأيت وما رأيت، اذ كنت أقف فى غماء وغمر، فقلت لأسمى الأشياء
قلت:
أكون بحرا، وسماء، وارضا. فاذا بمتن الريح يحملنى الى الجهات الأربع. واذا بى أتكاثر جبالا ووديانا وجزائر وكان بى شئ من اطراف السماء محدق بالأرض والبحر كما الغمام، ينهمر لأبناء الحياة.
وكان بى نور وظلمة
وصوت آخر
قال:
قصدت وما قصدت، فوجدت حلة ضوء لبستها وانطلقت فى هواء السماء، سهما فى قوس، وبى صدق احوال المشتاقين فى القصد، وصدق أحوال الساكتين فى الوجد، وعطش كل قاصد، ودهشة كل واجد، وفى عطشى ودهشتى عرفت أننى قصدت لكننى ما عرفت.
فقـلت:
هذا بحر، وتلك سماء، وهذه أرض. فمن أكون ؟
أكون شـجرة.
فانهمرت من عصافير قزحية فى مناقيرها زقزقة ونور
قلـت:
العصافير تنهمر وتغيب فى السماء، وتضيع فى البحر، والأرض لم تزل برية.
قلـت:
أكون قطرة.
فجاء عصفور وأخذنى بمنقاره من البحر، وحط على رأس سليمان، فدخله علم، فسطره فى سفر الوجود المنشور، وطواه، فصار حرفا مرقوما، فى سر مكنون.
حــوار

قلــت:
القطرة لم تزل فى حلق العصفور، وهى فى السفر المنشور المطوى كذلك فماذا أفعل ؟
قــال:
عــد الى بحــرى
قلـت:
البحر زاخر، غامر، مختلج، وكثيف أمواجه يلفظنى ويفر منى
قــال:
عــد الى أرضى
قلـت:
الوجوه المقنعة تخايلنى وتتخفى فى أسماء لا أعرافها
قـال:
عـد الى ســمائى.
قلــت:
السماء دخان، ومتن الريح لا يحملنى.
قــال:
لأنك تهت فى سمواتى، ولم تصل أبدا الى أرضى. لأنك لم تكن نورا وظلا لأنك هويت وما اكتفيت، وقعت فى عطش السؤال ودهشة البحر، وخرجت من الأبجدية.
من سفر الرؤيا والمخاض:
وكنت أهوى واهوى خارجا من الأبجدية. واذا بالأرض لم تكن مع أنها كانت وتكون. واذا بالبحر لم يوجد مع أنه وجد وهو موجود.
واذا بالسماء تفتقت عن امراة حبلى بكلمات، والكلمات محبوسة فى سديم من ظلمة من دونها حية، تطلع من عين حمئة، والحية تخرج من فمها بحور سبعة، والمرأة الماء وينتفخ بطنها فتئن وتتوجع، ولا ياتيها المخاض.
واذا بفرس من أرجوان وفضة، يمخر الظلام بجناحى رخ عظيم، يصاعد منه رعد وبرق، وحروف مرقومة، والحروف تتشكل فى كلمات ،كل كلمة تنبت سبعة رؤوس، والرؤوس لها أفواه فاغرة كالهاوية، وألسنة من لظى.
والحية تبخ الماء، ولا تكف. والفرس الرخ يطارد الحية ولا ينى والمراة ذاهلة تئن وتتوجع. والكون ليل لا ينقضى.
واذا بعين السر تنظر فى السفر المنشور المطوى. واذا بجناحى الفرس الرخ ينشرهما فتبلغ كلماته حدود الأرض، فيسوق ظلمة الليل بجناحيه، حتى اذا بلغ المغرب انفجر الفجر من المشرق.
واذا بافواه الكلمات تبلع الظلمة، والماء يغيض، والهاوية تقبض الحية فى قاع تلظى.
وكانت المرأة قد جاءها المخاض فولدت ذكرا، فى عينيه نهار وليل، وعلى لسانه كلمة.
وكلمة ليست اخيرة:
وقفت فى مفرق الفقد والوجد، قطرة فى حلق عصفور لم ازل، ولم يزل بى عطش ودهشة، وبى صدق احوال المشتاقين فى القصد، وصدق احوال العارفين فى الوجد، واشتعال كل قاصد، وفرح كل واحد، وكنت قد عرفت كلمة.
فقـلت:
اكون قلما وورقة، وأعود لأسمى الأشياء
قلـت:
انا قطرة فى حلق عصفور قد عرفت كلمة. وانا قلم وورقة. فأين أجد بقية الحروف؟ وكيف أسمى الوجوه التى تتخفى ؟
قـال:
وماذا عن البحر والسماء وبقية الأسماء ؟
قلـت:
عين القلب ترى حروفا تتجلى.
قلــت:
هذا وجه لى أعرفه، ولا أعرفه. وهذه ذرة تربة منصهرة فى شعاع وظلمة. وهذه قطرة من البحر، ليست هى البحر، وبها يعرف، وهى دخان يسمو الى السماء وهى حروف تتشكل.
وكنت أقف فى مفرق الفقد والوجد خارجا الى الآبجدية.


اعتدال عثمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى