فاطمة بو زيان - موت البلابل

قال له : ثمة جنون يجعلك تتعلق بأذيال امرأة ، وثمة جنون يدفعك إلى أن تلملم مشاعرك في حقيبة الرحيل وثمة جنون ..

- نون ، نون ) كرر الببغاء (

- جنون ، جنون )ردد له (

- نون ،نون ..

- تدري ؟ نون النسوة مبتدأ الجنون وخاتمته! ..

داعب ريشه ..

-نون ، نون ، رددا معا .

***

حين أحببتها ، أحببتها وكفى ..

كانت مجنونة بالغناء ، مجنونة بالرقص ، بالموسيقى..مجنونة وكفى ..

أردت مرة أن أتثبت لها حسي الفني فحدثتها عن بلبلي زرياب : كيف يصدح بلحن شجي عندما يرى ظلال الحزن على ملامحي ، وبلحن متدفق في لحظات سعادتي ..جنت به وطلبت احتضانه احتضانه فنيا تقصد ، قالت ستصنع منه نجما ، النجومية صناعة وزرياب ذكي ويستحق ..داعبت ريشه وداعبت زغب ذقني ..زرياب يفهم طباعي وليس من السهل تعويضه ، ولكنها حبيبتي وتستحق ! سأشتري بلبلا آخر وسيتعود علي وأتعود عليه ..لم أفتقد زرياب كما توقعت ولكني افتقدتها هي كما لم أتوقع: تأتي لزيارتي وتغادر كما لو أنها لم تأت، وتتحدث معي في الهاتف فأشعر اني غير معني بحديثها إلا من زاوية كوني رب زرياب سابقا لا أكثر ..أتظاهر بالإصغاء لسيرة المديح أحيانا وأحيانا بالدهشة!..ليس أكثر من جنون عابر ، يوما ، شهرا ما وفي الأكثر سنة وستمل ثم هو ليس أكثر من بلبل قذر ، كنت أنظف قفصه باستمرار مع ذلك كانت رائحته دائما كريهة ، ستمله هذا مؤكد .. يزهو الأنا الحاقد في الأعماق فأهدأ أنا .. زرتها في بيتها ، جلست أمامها كانت تداعب ريش زرباب وتتحدث عن شركة إنتاج وقعت معها عقد احتكار صوت زرياب إلى الأبد داعبت زغب ذقني ..معقول ! أفردت أناملها وراحت تعد الطاقم المجند لأجل زرياب : مصمم الرقصات مدير الأستوديو، مخرج الفيديو كليب ،خبيرة المكياج ، م..خ..س…وقفت ثم مشيت صوب الباب سمعتها تغلقه خلفي بعصبية وتصرخ

- أنت بلا أي حس فني

يوم..شهر ما ..وفي الأقصى سنة وستمل ..أتنفس الصعداء فيخرج بعض دخان غضبي في دخان سجائر تتوالى كما خيباتي فاليوم صار شهر والشهر صار سنة ..ترددت على المقهى التي كنا نتواعد فيها ..قد تأتي صدفة أو عن سبق إصرار مثلي ..سألت النادل عنها ، حرك رأسه بالنفي فحركت الكرسي إلى الوراء وغادرت .. حاولت النسيان و اكتشفت أننا حين نفكر في النسيان نغوص في التذكر أكثر ، وحين يغيب من نحب نفكر فيه أكثر وكأن البعيد عن العين قريب من القلب أكثر ! . ..تمددت على السرير، كنا نسميه سرير الاعتراف ..ألم الظهر كان يرغمني على النوم عوض الجلوس قبالتها فتجلس هي على حافة السرير وتعترف لي بجاذبية عيني وجمال صوتي:

-لماذا لا تغني ؟ -تسألني-

-لأستمع وأستمتع بغنائك أنت – أجيبها –

- يعجبني حسك الفني !
- تعجبنني أنت وحسك الفني ..

رن الهاتف وانقطع شريط الذكريات ،رفعت السماعة .. لم أصدق ! كانت هي.. وكان صوتها متشنجا ..قالت :كان المشهد الا خير يقتضي أن يصور زرياب عاريا من زغبه، لكنه ارتعش بقوة ثم سقط ميتا .. تتوعد ، تشتم ،تشرح : مدير الأستوديو هو الذي قتل زرياب ،كان عليه أن يأمر بتدفئة الأستديو قبل التصوير .. تنتحب باكية ..أتخيلها تتمايل عارية في رقص ايروتيكي ..ترتعش بقوة فأسقط أنا ميتا ، كيف لي أن أحب جنونها وكفى ؟ صرخ صوت صبري معترضا أقفلت الخط ، سحبت مذكرتي وكتبت »: في يومه ماتت البلابل ، المجد للببغاوات «!

***

- نون، نون، - يرددان معا -

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى