محمد اكويندي - سرير الدهشـة

أطفو فوق سطح الماء، أبدو مثل حوت كبير، تتقاذفني الأمواج المتلاطمة بآلاف الأذرع...، أطفو. أغوص. الأمواج العاتية تلاعبني يمينا، شمالا. على شط البحر عند خطه الأبيض بالزبد و الرغوة، طوح بالحوت الآدمي هناك، بالكاد أميز غابة من السيقان المشعرة، ربلات السيقان بضة، و أخرى مشعرة. تطوع أحدهم، ألصق فمه بفمي، و نفخ أنفاسه في صدري، أحس يديه تدعك قلبي. أتقيء رغوة بيضاء. أحس برودة الماء... ماء المويجات المتكسرة على جسدي الملقى عند الشط، دبيب البرودة يسري في مفاصلي. أصغي. أئن، و أتقيء، عيناي مفتوحتان على سعتهما، لا يرف لهما جفن. آه... أنظر تلك عينك المنعكسة على صفحة المرآة، و ذاك إصبعك المصوب كفوهة نحوها... ها... تمتص العين السبابة كإسفنجة، تغور... يغور... تدريجيا... تدريجيا... ينبجس الماء فوارا، تفيض بحيرة نفسك، على صفحة مائها الصافي تنعكس عينك، منبهرا تنظر... تنظر... يغشاك الانبهار، يسيجك، يطوقك، تنغرس أطرافك في طميها، كبذرة اندست في ثلم الأرض، تنبث وردة... وردة انبهارك !
.
... تنظر للعرق الذي غزا رقبتك، جسدك، الإرتعاشة التي تلبستك، و هي تسعفك، و تسعف ذراعيها لكي تسندك إلى حضنها... تلك عيناك المسهدتان بحمى السهر، و أنت حمالة عينيك، تسند رأسك إلى أحد ثدييها، و تأتيك كلماتها بلسما:" تريد ماء ؟" تتيبس وريقات وردتك، و ترشها بالدمع الساخن لعلى ألقها، أو بعضا منه يضيء أفول ذاك البريق. تشهق كلما اكتويت بحرق الدمع... تسرع يدها لتجفف بحنو ما علق بصدرك... تطفر عيناك بالدمع... و يمتزج الماء بالماء.
... ستنظر، ستنظر، تلك بحيرتها، و ذاك صوتها الصاعد من الأعماق، يوقظ فيك الصحو... الصحو المتكاسل. تهب واقفا، تتركها ممددة فوق سرير الدهشة، و تنسل إلى مرآتك، تلقى نظرة على وجهك... من يرى من؟ و جهي لوجهه ؟ أم أنا لوجهي؟ أنا لست هو ! ؟.
تضحك هي ساخرة، على حين غرة تضع يديها على كتفي من الخلف، آمرة إياي:" أنظر، تلك عيناك المنعكستان على صفحة المرآة ". تلقائيا، أمد إصبعي نحوها. أضغط. أضغط. تمتص العين السبابة، كما يمتص المهبل القضيب... تدريجيا... تدريجيا، تتم لعبة الإيلاج، ينبجس الماء فياضا
و في انبهار تهمس لي: " إني حبلى !" ثم ترجوني: أرجوك أنظر. و يديها تمسدان البطن البارز، الدائري الشكل. فجأة تختفي عن نظري، لتعود بوزرة بيضاء، تسحبني برفق إلى مهد صغير، و تأمرني: " أنظر. عيناه عيناك، حروفه حروفك، ألست أنت ؟". انحني لأقبله يهمس لي: " أنا، أنا، و أنت، أنت". دون أن تدرك السر جدلى تمشي أمامي، و أنا أتعقب خطواتها، تعيدني إلى مرآتي، أرى وجهي لازال ملتصقا بها، و يداها تدعك كتفي من الخلف. تشهق. تحس أنفاسها الساخنة تلفح قفاك: "ها أنت تقف أمام قلقك". يتوارى القلق. أفتح عيني أراها منعكسة على
اللوح المصقول.
أنا هذا، أنا هذا الأنف الأفطس. هذان الحاجبان المقوسان. أنا هذا، العينان الدائرتان. أنا هذا الوجه المستطيل. هذا الذقن غير الحليق. آه، يكتب تحت صورتي باختصار شديد، (أنظر الصورة). ها هي المرآة أصدق من وصفه... تتمرأى صورتي جلية، أتملى التجاعيد الحديثة العهد، و الصدغين الرماديين.آه، أضبطها تتلصص علي و تنعتني بالشيخوخة، شخت. أتفوه آنذاك: "شخت و شاخت في الأماني." تدرك مرامي، و تضربني مازحة بكتفها، "داك ماك يا حوت أشربه أو موت." أزفر بخارا كعجول البحر، أوف... أوف... يضبب الوجه الصقيل بالبخار، يحجبك. يحجب الرؤية. آه، أسمعهم يعتصرون بطني المنفوخ بالماء كالقربة. أتقيء. أئن. يبث أنفاسه الحارة في صدري، بالكاد أميز غابة من السيقان. أسمعها تنهره، لا تبث أنفاسك في ميت، اتركه لقدره. يخضع لأنثاه، لكن الرمال الهشة تلتصق بقدميه، ككفوف أم رءوم تتوسله معروفا، يقتلع قدميه مخلفة آثارا كجرح غائر على صفحة الرمال. أسمع خرير المويجات المتكسرة على جسدي، أحسه يغور... يغور مستسلما لامتصاص الرمال المبللة... و الماء يطفو فوقي. آه، كلما توقفت أمام المرآة تنتابني تلك الحالة... حالة الغرق. الآن أنظر إلى أدوات حلاقة الوجه، و إلى أسد الشفرة في وضعه الهنيء كأنه ينتظرني.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى