خالد موافي - تـرقب حذر.. قصة قصيرة

كانت تقول في سذاجة‏:‏ الجنية الجني اللي مجنني‏,‏ أكتم ضحكاتي هذه المرة أيضا‏,‏فلم تكن المرة الأولي التي أسمعها منها‏,‏ ولن تكون الأخيرة‏;‏ لكنني أكتم الضحكة‏,‏ حتي لا تخرج فتحرجها‏,‏ فهي شديدة الحساسية‏,‏ والخوف ممن يسخر منها‏,‏ رغم إنها علي قـدرها‏{‏ وقدهــا أوي‏},‏ لا تكتب ولا تقرأ‏,‏ جاءت من الريف القصي‏,‏ من مجاهله البعيدة‏,‏ولا أعرف لماذا استقرت في الشارع الذي أسكن فيه‏,‏ وعاشت بهذا البؤس الغريب‏.

أزمتها في رأيي, إنها شديدة الحساسية للتعالي, خاصة مع الغرباء, ليس هناك من هو أغرب مني في نظرها, عشت أغلب عمري خارج البلاد,وقررت في لحظة عبثية أن استقر في القاهرة,أحاول أن أعيش مثل خلق الله, فهي مدينتي المفضلة, رغم كل شئ, أعيش بقوانين أوروبا الموحدة, بعد أن نقصت بريطانيا من الحسبة, لاحظت كيف تعبر عن غضبها من موظفي الحي, عندما تقوم قواته بهدم كوخ الخشب الوضيع والنصبة التي كانت تفرد عليها حزم الجرجير والفجل والخضرة والنعناع والبصل الأخضر الصابح في كل يوم.
تقف أمامهم, وهي تنظر للأرض في حزن رهيب وعيون منكسرة,وترقب حذر خائف ومهول, من أن يصنعوا أكثر مما تتوقع, وعند انصرافهم تلملم الأنقاض, فقد صعب عليهم تحميلها فـوق اللوري, فهذه الزبالة لا تليق بهم.
في دأب شديد تعيد البناء, يجري إليها عدد من صبية البوابين من العمارات المجاورة,وفي سرعة تكون قد انتهت, فرشت الأشياء, وهمت بالبيع, وجاءتها البضاعة صالحة{ صابحة} ونضرة, شئ لا يصدق, أن تفعل هذا علي الأقل كل أسبوع مرة, وأحيانا مرتين, الإصرار الغريب هذا, لم أره في حياتي الطويلة في الغرب, ودفعني لاستغرابها في بادئ الأمر, ثم الفتها بعد ذلك, واحترمتها, وها أنا أحبها, وأحضر لها,كلما سافرت ورجعت, هدية ما, فقد رفضت بشدة أكثر من مرة أي نقود.. نعم, وأي مساعدة من أي نوع.. هي تعرف كيف تدبر أمورها, دون انتظار من أحد, هي الوحيدة التي تناديني- ابني أحسها تعنيها..ولم أشأ أن أقول لها: لقد أسعدني هذا, وأقدره وأفخر به.. فقد يكون هذا فيه إن شئت من المبالغة التي لن تصدقها, وقد يحرجها أو يجرحها,وليس هذا غرضي بالطبع..؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى