تميم حسين التميمي - امرأة عارية عن ألصحة

أحمرار باهت يلون خد السماء ويحيط قمرا متدليا واضح التضاريس متعريا من كل الأشعار التي رسمته, كان يغازل شعفات الأشجار المتطاولة على أمتداد ألأفق ألذي أرى ,خمنت أنا الخارج من اللامكان والمأخوذ بهذا ألجذل الشهي, مفعم ألنقاء, بأن الوقت قد يكون غبشا أو قبيل ألأصيل, أحسست بهمس دافيء يحاور قدمي اللتين تمسان بحنان لم أعرفه رمالا تشبه الحرير. حفيف الشجر ألمطرز بالأزهار ألبرية ورفيف ألطيور ألتي لم تعد خائفة تسكب في أذني هسيسا من ألفرح والبهجة التي فقدتها منذ ألطفولة , كان المكان خليطا متجانسا من ألسحر والنقاء و ألطبيعة ألمدهشة .
فركت عيني لأخرج من الحلم ,أمعنت ألنظر في سيدة ألشاطيء ألعارية ألتي كانت تحاورني بنظرات ود تشبه ألهديل, قسماتها التي لوحتها شمس حانية تسح بطيبة ملائكية لا تعرف أيما بغض أو ضغينة, كانت حمامة تلبس أنسانا. ......
قالت:
- خرجت حافية على الرمال من بحور الشعر, عارية أحاول أن أتخلص من هذا ألجلد ألذي أسكرته الشمس سمارا بآخر أكثر صدقا, عند ذاك سأعرف حقيقة ألأفعى والحرباء .
قبل أن أكون هنا وفي زمن صعب ألارتقاء والملاحقة , كان مكاني خرابا من الوحشة ,أثقلته ألحجب السوداء أمام ألأعين التي لا تحفزها خلايا الناصية الفارغة أو ألمليئة بالتسوس , لم تستوقفني فيه ألا الأشجار , في ذلكم المكان الذي لا يتسع للزمن كانت ألأشجار حقيقتي المطلقة التي طالما أشعلت في التساؤل , ( تضربونها بالحجر فتضربكم بالثمر ) , صامتة ألا بغناء يحف المسامع,ولن أنسى أبدا ذلك ألرجل الذي حاول أن يزرع نفسه , فهو ضمن تعاليم الشجرة التي لم نعرفها بعد , وهذا ما يجعل شوط ما يسمى بالحضارة عاجزا لحد الآن من الطعن المطلق بنظرية داروين, وأنا هنا أحاول أن أتعرى من كل وراثتي لأقترب من ألنور الذي قد يمنحني ولادة أخرى وعندذاك سأعلن لائحة ألنقض ورغبة أكثر حماسا للتكاثر.
(أدهشني هذا الذي أرى, شاطئا في مكان مهجور لا أعرفه , وامرأة عارية تنطق بالحكمة أو الهراء !)
أيه أيها ألرجل ألغريب , لا أدري كيف وصلت ألى مكاني ألذي أحاول أن أجعله مقدسا , فأنا أخشى رتابة الدورة الحياتية التي لم تنتج لحد الآن ألا تراكما من ألطقوس والفضائل ألكاذبة فأرحل بعيدا عن هذا الحلم ودع الأشجار تنمو بعيدا عن النفاق الكوني الذي مهما تحضر فانه مج وقاسي رغم أن الغابة لم تخطط للقسوة أبدا, ولكن هذا البدائي المتحضر هو الذي خدش نقاء الأشجار , واستباح البحار التي لولا ملوحة عفافها لماجت الأرض برائحة العفن.
لقد أعتنقنا الثرثرة ففقدنا ألحكمة, وفي هذا الهدير ألذي لوث نقاء اللغة من ألكلام المجاني أو مدفوع ألثمن تلاشى التأمل فينا ومراقبة الطبيعة وكائناتها المجتهدة الصامتة التي تنبض بالمعاني ألتي لم نبحث عنها , فاشتدت فينا الهواجس وعلت ألرغبات وصارت مفرداتنا غطاءا لخوائنا ووسيلة للنفاق. ورغم هذا الجدب الذي حرثه غباؤنا تحرضنا أحيانا كلمات تومض كقناديل تبدد هول الوحشة والظلام ألذي صنعناه , ولكن قليلا منا من يحاول أن يتوضأ في نورها.
قال أحد ألفلاسفة :( ليس بوسع ألشر أن يكبر لو فعل ألأخيار شيئا ), وأقول أنا الهاربة ألى ألبدائية جاهدة أن أتعلم منها عيشا بلا رذيلة: ( أمنحوني صمتا كي أنفلت من شيطاني لأثبت نقاء وسحر الأشياء التي لم نتوقف عندها ) .
أدارت وجهها المسحور كملاك وغادرتني بعد أن صفعتني بضمة من الورود ألبيضاء فانثال علي طيب لم أعرفه غطى جسدي ألذي مازلت اشعر بخفته.
تلاشت الرائحة الزكية فجأة وشعرت برائحة نتن قاتلة وجسد ثقيل غير قادر على الحركة وتلمست سوائل لزجة تغطي جسدي المنهك , جاهدت لأفتح عيني اللتين يحرسهما ألذباب فرأيت جثثا كثيرة تنهش بعضها ألكلاب , فعرفت عندذاك أني جثة مجهولة ألهوية . !!!!!


عمان 10/2006

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى