ديوان الغائبين ديوان الغائبين : عبدالصبور منير - مصر - 1944 - 1977

ولد عبدالصبور منير في مدينة طهطا - (محافظة سوهاج بصعيد مصر) - وتوفي في الجزائر شابا.
عاش حياته في مصر والجزائر.
اجتاز مراحل التعليم الأولى بمدارس مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ.
التحق بجامعة الإسكندرية عام 1963 (كلية التجارة)، وبعد سنوات تركها ليلتحق بكلية الآداب حيث تخرج في قسم التاريخ عام 1970 .
عُيِّن مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة مطوبس الإعدادية (محافظة كفر الشيخ)، كما عمل بمكتبة المركز الثقافي السوفييتي بالإسكندرية، ومشرفًا على
النشاط الثقافي بالمركز، وذلك حتى عام 1976 .
اعتقل بسبب انتمائه السياسي نحو عام (1975) وبعد خروجه من المعتقل، سافر للعمل بالجزائر عام 1977، وتوفي هناك إثر حادث سيارة.
كان عضوًا بالمركز الثقافي السوفييتي بالإسكندرية.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان: «نبات الطين والدم» - مطبعة الغد - الإسكندرية 1975 ، ونشرت له مجموعة قصائد بمجلة «أدب ونقد» - القاهرية - عدد يونيو 1993 ، هي: « تقترب البيوت» - «علم من البلاستيك» - «بذور من الدم» - «طلقة إرشادية» - «انتهى الاشتباك» - «الهدف رقم (2)» - «السويس عادت ترقص الفالس» - «إلى أطفال بابلونيرودا» - «موال على تبة البطل إبراهيم زيدان»، وله عدد من الدواوين المخطوطة: «ما تيسر من سورة العبور»، «قصائد إلى شوارع دسوق»، «تغريبة بني مصر»، «لتسلم الأشرعة للرياح»،« على عتبات العناق الدائم»، «مقررات الزمن المهتوك»، «بانتظار طلوع الروح»، «كتابة بالكاربولين على حوائط الزنزانة رقم 24».
ينتمي إلى حركة الحداثة الشعرية في مصر، تميل لغته إلى التكثيف والاختزال، يحتفي بالرمز الذي يشف أحيانًا، ويغمض أحيانًا أخرى، يبدو متخففًا من
سطوة المجاز بمعناه التقليدي، ليحل بدلاً منه مجاز آخر يعتمد شعرية الموقف باعتبار النص الشعري بناءً متآزرًا يصعب تفتيته إلى وحدات. يعبر عن معاناة ذات إنسانية تتوق إلى خلاصها حالمة بعالم أكثر أمنًا، وأقل توحشًا.

مصادر الدراسة:
1 - عبدالله شرف: شعراء مصر (1900 - 1990) - المطبعة العربية الحديثة - القاهرة 1993.
2 - الدوريات: مجلة أدب ونقد - يونيو - القاهرة 1993 .
3 - مقابلات شخصية أجراها الباحث: عماد غزالي مع أصدقاء المترجم له وخاصة الشاعر: محمد صبري أبو علم - القاهرة 2003 .

أغنية الميلاد

من لحظة التكوين جئتُ إليك محتملاً
قلمي وسكِّيني
وعبرت أطنانًا من السنوات منتعلاً
همِّي وهمَّ الناس منذ وعيتُ تكويني
وعبرت أسوار الضنى والطَّلْقِ والميلادْ
فرِحًا بتكفيني
في طينك المغسول بالأشواق واللبنِ
وصرختُ يوم وُلدت: ذا كفني
وصرخت: لفِّيني
وولدتُ يا أماه لحظةَ كان تَكْفيني

ورضعتُ من لبن القُرى والطينْ
وكبرت في جبل القرى والطينْ
وعرفت من صمت القرى والطينْ
أنّ الرياح تهب بالعفنِ
أنّ الرؤوسَ - وتعرف السكّينْ
للآن يا أمي تخشى من السكّينْ

وعرفتُ من صمْتِ القرى والطينْ
أنّ الذي يخشى يردُّ الردْ
لا يستحقُّ الغدْ
وعرفتُ أن بداية المشوارِ
خطوهْ
وعرفت أن حكايةَ البركانِ
جمرهْ
وعرفت أن تدفُّق التيار
يأتي من الموجهْ
وعرفت أن تكاتف الضجّه
يستقدمُ الهوجهْ
وعرفت أنّ تتابعَ الزفره
محمولةٌ في دقة الفكرهْ
هو دَربُنا المنشودُ يا أمي
لبراءة الثورهْ

وعرفتُ من صمت القرى والطينْ
قصصًا عن الأبطالِ والفرسانْ
لكنهم لم يستفزّوني

وطربتُ حين سمعتُ عزفَ الفأسِ في الغيطانْ
أغنيةً مصريَّة الإيقاع والقمحِ
وطربتُ حين رأيتُ «للمكَنِ»
أغنيَّةَ الضَّجَّه
وطربت لم «أزهقْ» من الإزعاجْ
فبغير موسيقى التروس ونَقْرةِ الطّرْقِ
لن يولدَ الإنتاجْ

وعرفتُ من صمت القرى والطينْ
كلَّ الحكايا غيرَ واحدةٍ
للآن لم تلدي
منْ قبل أن تلدي أغنِّيها
وأعيش أرقبُ يومَ نحكيها
وأدور في فلك القرى والطينِ والأقمارْ
والفرْحِ والتسهيدِ والتعذيبِ
والأعيادْ
مترقِّبًا أغنيَّةَ الفجر الذي نصنعْ
فوق الرياح أكونُ
أو بين السنابل في القرى ألمعْ
كَفَّاي واحدةٌ على أرضِ
وأخرى تحرس المصنعْ
مُتَحسِّسًا دوري الذي تهوينَ في الميعادْ
في لحظةِ الميلادْ

***

البيان

أكرهُ الظلَّ الذي مدَّدَ في أعراشِنا
أوصلَنا لليل في عزِّ النهارْ
أكره القولَ الذي يزحف من خلف جدارْ
تاركًا للصمت أعناقَ الشوارعْ
أكرهُ الأشياء في شرنقة الخوفِ
أغنِّي النار في عين الصغارْ
تزرع الصبحَ على أبوابنا
تمنح النبضَ لأمواتِ الأصابعْ
تسلب الذِّلَّةَ من جوف الخليقه
تصدم الراحةَ والنسيان والذلَّ الممدَّدْ
في المجامعْ
تطعنُ الأرضَ التي يرقص فيها الكِذْبُ في كلِّ دقيقهْ
بالحقيقه

***

الشمس

وانظرنا مشرقَ الشمس ثمانين ربيعا
نرضع الثدي الذي تطرح فيه الأمنياتْ
ونعدّ السنواتْ
وصرخنا: يا نهارَ الشوق، أطلق للبناتْ
مشرق الفرسان، أطلق لكبار الأمهاتْ
راحةَ التوديع، أطلق للعيال الفقراء الطيبين
لقمةً طيّبةً تخرج من بين اليدينْ
قسمًا يعبر بين الشفتينْ:
لن يعودَ الليلُ لن يوقف صدر العاصفه
والليالي عاصفاتْ
يا نهارَ الشوق، أطلق نهرَ النيل إلى نهر الفراتْ


عبدالصبور منير.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى