طه جعفر - حَدَثَ لبِنْتِ النِيل!.. قصة قصيرة

إتَفَقَ النهرُ المقدس، نهر النيل،إتفق مع أسماكه،تماسيحه، القرنتيات و الاعشاب،إتفق النهر معهم علي تاريخ ميلاد فتاته، بنت النيل! مضي النهر في مشاوراته إلي آلهة المكان التي نشرت سلطانها علي الضفاف و السهول المجاورة و الجبال، آمسيمي قالت: يجب أنْ تكون قوية و مبهرة الجمال تجري في عروقها دماء المجد و الجسارة وعندها سأدفق في جسدها من قوة ابيدماك ترياقا من قوة الأفيال و حكمة الحيات و توثب روح الاسد. آمون كان مهتما بزرقة السماء فوقها، صفاء الماء في عينيها وقوة الرياح في أنفاسها الطيبة و تمرد السيل الجارف في لحظات دفق أُنوثتها بالحب . التماسيح فتشت اجسامها خليةَ خلية لتنتخب من أرواح الأسلاف المدفونين في أجسادها أرُومَةً من العز ستنحدر منها أمها وينحدر منها الأب. الإتفاق مع الآلهة كان حول من ستكون بنت النيل؟ من ستكون امها؟ و من سيكون أبوها ؟ و متي ستكون ساعة الميلاد؟ قيل ان الأم أمرأة فيها من صبر نساء دارفور و جمالهن ما يجعلها مرفوعة الرأس ، من تدرب أجساد الكردفانيات علي الرقص اتساق العضلات و عزماً زائداً و فتوةً مشتاقة، ومن نساء الشمال إختباء الجمال خلف الأثواب و أريج عطور المساء الكريم و تَمَهُدَ الروح للعطاء، من نساء الشرق خصلات ممشطة تكسر رتابة إستدارة الوجه و تبرز جمال العيون و من نساء الجنوب رواء اللون و ملمس البشرة و شدة بياض العيون، إمرأة فيها من أسرار جمال نساء الضفاف ، السهل و الجبل ما يجعل عشقها رحلة لا تُمَل. سيكون أبوها في طول قامة محاربي قوقريال و بقوة صائدي الأفيال من فتيان بلندا وفرسانها و بحكمة مشايخ الصوفيين و وجوه القبائل، قوي الساعدين كمحاربي النوبا الأوائل،متسامحاً و كريم الخصال.
وجد النهر ما أراد، في ذلك المساء و علي أنوار مسرجة منغمسة في زيت الصندل، الأثواب في سرير و الجسدين علي سرير ملتصق به،في غرفة الجالوص بسقفها الذي بللته قطرات المطر التي جاءت لتجعل الهواء هيناً ولطيفاً كصفحة النهر في الليالي المقمرة.، حوالي فراش الحب رائحة الدلكة ، فوح الخمرة و ذاكرة دخان الطلح، الاجساد فتية، عزم الرجولة قويٌ و تمهد الأنوثة رقيق و حاذق. أمتزجت و تشابكت أمشاج قديمة العز.
ولدت في ذلك الفراش، يحفها مجد الأباء و الجدات، حرستها عيون الأم و رعتها برموشها. كبرت ، أخذت من جمال أمها جمالاَ جديداً،مشت علي خطو أبيها ،تعلمت و خرجت و في الطريق إلتقتها مجموعة من الشرطة سألوها عن انكشاف غطاء الرأس،طافوا بنظراتهم علي تكور عجيزتها تحت البنطلون نظروا إلي عينينها لتنحدر نظراتهم نحو بروز الصدر.لم تخف!
غضب النهر، ضج الرصاص علي تخوم الجبل، إختلط الدم ببياض الرمل في دارفور، غابات المابان الكثيفة فتحت دروبها للعابرين ليجدو ملاذاً في إقليم التقري. غضب النهر، أمسك آمون أمطاره و الرياح فجفت سوافي البطانة فانتهب الهواء ذرات ترابها فصارت غباراً اسوداً. غضب النهر فانسحبت القرنتيات و التماسيح جنوبا و في طريقها أخذت معها ما تبقي من سلطان مملكة علوة و طهر قساوستها. غضب النهر للأنه قد إرتفع في الميكروفونات صوت عالي الضجيج
أجسادكن عورة..!
أصواتكن عورة..!
عيونكن عورة..!
أنتن ملعونات عليكن ان تتغطين بالسواد..!
أنتن أشياء، علي من إستطاع من الرجال أنْ يتخذ منكن ازواجاً بالعدد الذي يريد..!
محكومٌ عليكن بالخيانة فلا تخرجن إلا برفقة محرم..!
أنتن سجينات سلطتي..!
أنتن مهبط سياطي بالعذاب..!
الكافرات منكن و الكفار معهن ،مبعدات، مبعدون..!
و كان علو الضجيج يقول "من ليس منا فلا يلزمنا"
غضب النهر، الرمال تهزمه من جانب فينهش الضفاف بالجانب الآخر بالهدام، حدث النهر نفسه قائلاً" أنا لن أخون أسماكي، تماسيحي، قرنتياتي و الأعشاب" غضب النهر! ثم فتح صدره الجبار لبناته و بنيه، جاءوا ،كان النهر غاضباً و قال: مهدت ضفافي للعبّاد من كل ملةٍ، من جاءني مسالماً سالمته، سمعته و أجبت، من جاءني محارباً نازلته بالحربة و النشاب و السيف.
و قال النهر:الآلهة القديمة باقية، لن يطمر النسيان سيرتها ، لن ينتقص إنصراف العبّاد عنها من عظمتها شيء فهي حية و لن تموت لأنها الخصب، الهواء، الماء، التراب، أرواح الأسلاف، قوة السواعد و عزم النفوس، إتساق الروح و الجسد، سلامة الوجدان بالخير و التسابق للمكرمات.
قال النهر: ليسوا أبنائي من يبتدرون بناتي بالسوءآت، لستن بناتي حينما تنهزمن للطغيان، لستم أبنائي عندما تختارون الصمت وقت الكلام، لستم أبنائي و أنتم تمسكون أياديكم عن منازلة العدو.
بنت النيل لم تخف من الشرطة ، مدوا عداوة اياديهم نحوها فأخذوها، رموها،شدوا شعرها،ضربوها علي وجهها،قالوا في وجهها أبذأ ما عندهم من كلام، إغتصوبها، أهانوا جسدها. أعيدت إلي بيتها. تكلمت و إحْتَّجْت، صوت الإحتجاج كان منخفضاً، سمعه أبواها،سمعه الأهل و قليل من أصدقائها، الآخرون لم يسمعوا صوت الإحتجاج او ربما قد طغي عليه عند آذانهم ضجيج الميكروفونات الذي يقول:
أجسادكن عورة..!
أصواتكن عورة..!
عيونكن عورة..!
أنت ملعونات عليكن ان تتغطين بالسواد..!
أنتن اشياء، علي من إستطاع من الرجال أنْ يتخذ منكن ازواجاً بالعدد الذي يريد..!
محكوم عليكن بالخيانة فلا تخرجن الا برفقة محرم..!
انتن سجينات سلطتي..!
أنتن مهبط سياطي بالعذاب..!
الكافرات منكن و الكفار معهن ،مبعدات، مبعدون..!
من ليس منا فلا يلزمنا..!
إحتضن النهر صوت الاحتجاج الخفيض،ضَمّه مع اسماكه، تماسيحه، قرنتياته و الأعشاب، ضَمّه لينمو و يكبر في موسم دَمِيرَة قادم، دَمِيرة غاضبة.




طه جعفر
تورنتو
26 ابريل 2012

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى