فاطمة نزال - شيزوفرينيا

في ذَات الوقت من منتصف ليل، تبدأ حركة غير اعتيادية في شقة غير مأهولة في الطابق الذي يعلو شقة ما.
تبدأ الحركة بإزاحة الأثاث وفتح وغلق للأبواب والنوافذ وعواء للريح.
حركة دائبة وفوضى وأصوات غير مفهومة، تسكن للحظات لتعاود الكرة مرة أخرى
تتمتم مواسية نفسها تلك القابعة هناك
-ربما أحدهم يأتي لتهوية الشقة، أو ربما…
ترتعد فرائصها لمجرد تخيل المشهد.
تقترب الأصوات أكثر، تسارع باتجاه الباب تحبس أنفاسها تغمض عينيها تحاول استراق السمع…
الأصوات تنشط، دبيب أقدام، أبواق سيارات، وفوضى سوق وأصوات باعة، صراخ أطفال تحت أنقاض، انفجارات مدوية، أشلاء جثث، سكاكين وحواجز وإطلاق رصاص ودماء وأغاني للثورة وأعلام سوداء وصفراء وخضراء وحمراء.
تنحسر الموجة ليعود صوت إزاحة الكنب الأسرة المقاعد.
ضوضاء تخنق أنفاسها تتسارع دقات قلبها
تشعر به يتضخم يتضخم كبالون ثم يهوي كحجر.
لا تدري كيف تحتملها ساقاها، تجري قدماها مهرولة تقفز إلى السرير يسبقها لهاثها، تنكمش على نفسها وتدفن رأسها بالمخدة وتحاول النوم.
تطمئن لوهلة، ترفع الغطاء قليلا قليلا، تسترق السمع، ما زال الهدوء يعم المكان، تسلم جفنيها للرقاد وتناااا…
تعاود الأصوات بشراسة تخطف الميم من شفتيها وتقضمها بين فكيها، تنظر حولها الظلام دامس لا ترى إلا بؤرا سوداء تتحرك فيها أضراس بيضاء ناااااصعة تمضغ.
تبحث عن ميم نومها بهلع، تمد يدها تحاول سحبها من تلك الأفواه، الضحكات المجلجلة تخرق جمجمتها، الكنب يتحرك بجنون الأسرة تصدر صريرا مزززززعجا الشقة تموج، العمارة تترنح، تهوي تشعر بالدوااااار والغثيان، تمسك رأسها تعتصره بكلتا يديها، تغيييييب تبتعد كثييييرا، تخرج من جسدها، من شقتها، من العمارة، ترتفع، تعلو وتحلق.
العمارة تصغر تختفي ورأسها تتضخم وتكبُر وتكبر وتكبر ثم بلحظة تنفجر بصرخة مدوية شاقة صدر الليل بأحرف الميم وأشلاء البشر والأسرّة والمقاعد والضوضاء .

تعليقات

ز
دائما يُطرح مشكل المضمون، عبثا احاول البحث عن المضمون فلا أجده. بينما اجد عناوين متشابهة - ينظر قصة بالعنوان نفسه لزهير كريم- حتى واذا كانت الكاتبة تقصد عنف الراهن بثوراته وعنفه المجنون الممتد من شوراعنا إلى صالات نومنا فان ذلك من شأنه أن يؤرق حياة مفكرينا وساساتنا و أدبائنا ويصبهم في نفسياتهم لا شباتنا- فقد توفي أديبنا الراحل خليل حاوي بسبب هذا المرض تقريبا- --- عواء الريح ثقيلة جدا حتى في شاعريتها الانسب صفير الريح.....................
 
دائما يُطرح مشكل المضمون، عبثا احاول البحث عن المضمون فلا أجده. بينما اجد عناوين متشابهة - ينظر قصة بالعنوان نفسه لزهير كريم- حتى واذا كانت الكاتبة تقصد عنف الراهن بثوراته وعنفه المجنون الممتد من شوراعنا إلى صالات نومنا فان ذلك من شأنه أن يؤرق حياة مفكرينا وساساتنا و أدبائنا ويصبهم في نفسياتهم لا شباتنا- فقد توفي أديبنا الراحل خليل حاوي بسبب هذا المرض تقريبا- --- عواء الريح ثقيلة جدا حتى في شاعريتها الانسب صفير الريح.....................
تحية استاذ زياد بوزيان
المضمون هنا هو اللاحدث.. اللاشيء.. البطلة هنا تعاني من حالة انفصام .. هواجس وتهيؤات تهيمن على حواسها الى درجة الضجر .. تشارك فيها الكنب والسرير والكراسي والحيطان والاصوات بالخارج والفراغ المطبق ، والضحكات المجلجلة التي تتحول الى انفجار ، والرياح التي يتحول صفيرها الى عواء .. كيف ننجح في خلق حدث من لاشيء .. تلك هي المشكلة .. وهذا ما وفقت فيه القاصة على الأقل في نقلنا الى صلب الحالة النفسية بكثير من التركيز.. واللغة المكثفة التي تشارك في رسم الحالة

محبتي الصادقة
 
ز
رد على الاستاذ نقوس المهدي:
هذا اللاحدث الذي تسميه مضمون صديقي العزيز أصبحت تعج به الكتابات الجديدة ، حتى أصبح يشكل لامضمون : وحضرتك لم تشر إلى التشابه في العناوين الذي أشرت إليه، فالذي دعاني إلى هذه الملاحظة ليس هو المضمون -اللاحدث- بقدر هضم وتكرار هذا المضمون
إن سلمنا أنه مضمون--انظر زهير كريم في موقع الكتابة الثقافي وغيره كثير--حتى غدا تكرارا فجا بلامضمون وهو ما قصدته. ثم ألا توافقني أن
هذه الحالة النفسية ذات اللغة المكثفة فيها تكلف ممل أليق بكُتاب الستين الذين لهم من تجا ربهم الابداعية والحياتية ما لهم . فما بال شباتنا وشبابنا بتخبطات ذلك القلق المنجر عن خبرات الحياة إلا إذا كانت رغبة التقليد والمحاكات رغبة لاتقاوم عندهم. مازلت أؤمن أن الحدث السردي غير الصورة الشعرية : فعندما تبالغ في القول "عواء الريح" هذا لاأسميه تكثيفا لغويا ولا حالة نفسية إنما صورة شعرية ، لعل الكاتب لو اتجه إلى الخاطرة أو الشعر ذلك يكون أفضل ويُغنيني عن هذه الفسحة النقدية أصلا، وكما تعرف صديقي الحدث السردي قرين الحركة والوصف ماضر الكاتب لو قال: صفيرٌ للريح كأنه العواء.
تحياتي صديقي العزيز
 
أعلى