ريتا الحكيم - تأشيرة دخول.. قصة قصيرة

اعترافك الأخير أمام كاهن نزق، يتململ خلف كوته، يدعوك لأن تسهب في السرد، لتأتي خطاياك هطولا على نفاذ صبره، وتشب عن طوق وصايته المزعومة، وأنت كلما أمعنت في تهويل انتهاكاتك، ستجعله يفقد السيطرة على حواسه، خاصة إذا كنت تفضفض له عن معاشرتك لإحدى النساء الجميلات، سيبدي امتعاضه بعض الشيء، لكنه في الصميم سيكون في ذروة النشوة. لا تستهجن ما أقوله لك يا صديقي؛ فهو في النهاية بشر ولن تضيره متعة خيال عابرة في صومعته.
فما بالك لو جاءته نساء الحي على دفعات واستفاضت كل منهن في تعرية خيانتها لزوجها مع عشاقها بين يديه. ماذا سيحدث له بعدها؟! ستخور قواه البدنية ويفقد ما تبقى من عقله أيضا، ومستشفى المجانين الرابض فوق التلة، أكبر دليل على ما أقوله؛ فأغلب نزلائه من الكهنة والشيوخ.
“يولا” أخبرتني أنها عندما ذهبت إليه آخر مرة، وقع مغشيا عليه من هول ما أتحفته به من فضائحها العاطفية حين سافر زوجها إلى الهند.
أيكفي اعتراف في حضرة شيخ أو كاهن، لتحصل على صك غفران؟!
– بالله عليك يا صديقي هل تثق بأي منهما؟! عن نفسي أقول لا، وأنت ما رأيك يا “شاهر”؟!
– أؤيد وجهة نظرك تماما، إضافة إلى أن أغلبهم يعمل لصالح أحد الساسة. ما حدث معي وأنا صغير لم أنسه حتى هذه اللحظة، كنت مارا أمام منزل “سارة” وهي أشهر من نار على علم في البلدة، عندما لمحت شيخ الجامع يتسلل خارجا من عندها في عتمة الليل.
– وانا أيضا ما زالت حادثة اغتصاب الأطفال من قبل معلم الدين ماثلة أمامي، وتؤرقني بشاعتها وفظاعتها.
– لسنا بحاجة إلى وسيط يقربنا من الله، ولا حتى إلى دور عبادة نصلي فيها؛ فالصلاة هي لحظة تجل تنتابنا على حين غرة، وغالبا ما تلم بنا هذه الحالة في أية لحظة، بغض النظر عن الزمان والمكان.
– بالنسبة لي، لم أكن أريد صلاة من أي من هؤلاء، يتشدقون بها على قبري وهم زناة غارقون في شوائبهم.
ما جدوى الصلاة على ميت؟! ليتهم نفذوا وصيتي، وأطلقوا العنان لصوت فيروز أو لبوح يتلوه عاشق بلغة القلب النقي الصافي؛ فينتعش الثرى ويزهر أقاح ورياحين.
– نحن أموات منذ الولادة، وما يفصل بين البداية والنهاية ليس إلا موت على دفعات يكتمل بالشهقة الأخيرة.
– أنصت يا “شاهر” قليلا، ألا تسمع جلبة غير عادية لحراك في الأعلى؟! ربما يكون ضيفا جديدا في طريقه إلينا، سأسأله عن رأيه فيما تحدثنا به، حين يستقر به المقام بيننا، وبهذا تتوسع دائرة الحوار على قبر مستدير يجمعنا.
– انظر يا صديقي، ها هو آت وعلينا أن نحتفل به ونظهر له ضيافة العالم السفلي على أصولها. سنغني له نشيد الحياة الكريمة هنا، حيث لا وجود لأنظمة استبدادية ولا لأحزاب سياسية، موالية أو مناوئة، لا وجود لدجالين ملتحين أو معتمري قلنسوات. من هنا بداية الخلق ونهايته وما بينهما سجن كبير ضاق بأمثالنا. هيا بنا يا صديقي نرحب بالقادم الجديد، نتبادل معه الأنخاب، وننشد له رائعة أم كلثوم:
“الليلة عيد”.
يا أيها العابرون فوق رؤوسنا، إن كنتم تسمعوننا ولم يعجبكم ما اخترناه في حفل استقبالنا هذا، نعدكم أن ننتقي ما يرضي أذواقكم حين تشرفوننا بالزيارة.
دمتم ودام التراب مأوى لنا ولكم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى