عماد الورداني - السيجارة التي بداخلك لا تنطفئ

أن تجد نفسك في محطة القطار وأنت بدون سجائر، أن تجلس في مقهى يفرض عليك شرب قهوة سوداء، أن يكون الوقت السادسة صباحا، أن تتأمل الرجل الذي بجانبك وهو ينفث دخان سيجارته غير عابئ بنظراتك المستجيرة به. أن تكون هناك بلا سيجارة ألا تكون، أن تدخن بقايا دخانه، أن يصبح قاطرة حجرية وأنت السماء
في طفولتك علمتك أمك أن السجائر حرام وصمتَتْ..قاومت إغراء الآخرين، وقلت حرام. السيجارة في ذهنك تتمثل في صورة شيطان..ظلت كذلك زمنا تقترب منك بحب، وتبتعد عنها مسافات بكره.. لذتك في التشابه مع رفاقك جعلتك تهدم صورة الشيطان. تنظم إلى رفاقك غير عابئ بنصائح أحد. كنت تجمع أعقاب السجائر، تتعقب المدخنين في الشوارع والمقاهي، تتمنى أن يرمي أحدهم سيجارة كاملة، ولم يفعل..تجمع ما تيسر من أعقاب، تتجه ورفاقك إلى أماكن منسية مختلية بنفسها حتى لا يكشفك أحد وتصبح أنت الشيطان، تعيدون فتل البقايا في ورق خاص، تصنعون سجائر محشوة بخليط مشوه من التبغ، تدخنون، أغلبكم يقمع سعاله حتى يتظاهر أن سيجارته لم تفعل شيئا، مثل الكبار حلمتم، وبقيتم صغارا تفتقدون لسيجارة حقيقية
ظلت طفولتك ترسم طريقها بسيجارة رديئة أغلب تبغها محروق
السيجارة تبحث عن مدخنين جدد، تجذبهم إلى دخانها، آخرون ابتعدوا عن رائحة الدخان، وكثيرون عادوا إلى سجائرهم وقرروا الإقامة داخلها. أصدقاؤك القدامى وزعتهم السبل، فرقت الأمكنة عبورهم. وحدها السيجارة رافقتك وأنت تدمن رداءتها، سجائر القاع المليئة بالحلم، تلك التي تدخنها لتمنحك وجودا طبقيا، انغمست في رداءتها غير عابئ بتأفف من هم حولك، بحثت عن شبيهك في الرداءة. كل الذين عرفتهم يدخنون السجائر المهربة أو المستوردة. سجائر أنيقة بفلتير أحمر، ولفافة ممشوقة، وتبغ مصفف بعناية. تشبه هذه السجائر عارضات الأزياء. سيجارتك يفر منها الجميع..رائحتها الرخيصة، وشكلها الكئيب،يجعلان دخانك أسود، تلتهم وحدتك، تضرب بك بعيدا في أقاصي العزلة حيث لا أحد يدخن هذا النوع الرديء
وأنت تبحث عن سجائرك الجديدة، بربطة عنق أنيقة، اكتشفت أن القاع قاع، والصعود إلى مقامات السجائر الفاخرة هو عبور جديد سرعان ما جعلك تتخلى عن سجائرك الرديئة غير نادم عليها..جربت حقولا من التبغ الرفيعة..استهوتك أنواع..ارتميت في حضن سيجارتك الجديدة..داخلك تتجمهر السجائر الرديئة والعادية والفاخرة، تتشابك، تشعل سيجارتك التي لا تنطفئ
وأنت تستنشق بقايا دخان الرجل الذي إلى جانبك، انتبهت إلى الخارج، وجدت بعض الجلبة، قهوتك لم تعد ساخنة، خرجت مسرعا إلى مركز المبيعات اقتنيت علبا كثيرة، دخنتها بشراهة، بينما الرجل الذي بجانبك يلتهم آخر سجائره، ويتطلع إليك بجنون

أصيلة/زيليس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى