زياد خداش - ليلة الفزع والرماد..

-نائم انا في غرفتي, نائم تماما دون تقلبات او زفرات, فجأة رأيتني اتسلل من نافذة غرفتي المشرعة للرياح والطيور والاشباح , هكذا فجأة اهبط من الجبل متعبا وعاريا لا ادري ما اسمي , اين اهلي ؟ من هي مدينتي الاصلية ؟ من هم اصدقائي ؟ من هي حبيبتي؟ كل ما اعرفه اشياء بسيطة لا ادري كيف صمدت في خندق ذاكرتي حتى هذه الايام . انا اعيش وحيدا منذ فترة طويلة جدا في كهف صخري موحش , محفور في صدر جبل ضخم يطل على مدينة غريبة لا تنام , في كل ليلة اقف فيها على باب كهفي , اسرح نظري في ارجاء المدينة الزاهية يتدفق من فمي طوفان دخان اسود يقودني مزهوا مهووسا الى حافة جنون غامض , وغياب مطبق , كلما رمقت المدينة بنظرة تساؤل , تهاجم كهفي طيور الظلام الكاسرة , تتوعدني , تبصق في وجهي , كلما اصغيت بدقة لاصوات المدينة وضجيجها المتشابك استطعت ان اميز اصداء صراخ بشرى مرعب, عويل قبور , نواح عصافير جردت من اجنحتها , هكذا فجاة اتخذت قرار الهبوط المريع يائسا من وحدتي وظلمي واماني , بهدوء قط كسيح وخوف لص شريف وجدتني ادخل غرفتي , طعم حريق يمور في حلقي , في كل خطوة اخطوها اصطدم بشلو من اشلاء احلامي القديمة التي ما زال فيها نبض تحد اخير , على وجهي اثار مخالب الطيور , فوق المنضدة مشروع هزيل لقصيدة ولدت ميتة , اقترب من سريري , انحني فوق وجهي , اتامل جبيني المغضن , اشم من مسماته رائحة غبار مر لمعارك قديمة خاسرة, اسمع اهات فرسان يسقطون اصوات سيوف تتكسر ازداد اقترابا من وجهي شفتاي متخشبتان , جفناي متهدلان كدمعتين كبيرتين ناشفتين ايلتين للسقوط , ما هذه الابتسامة الصغيرة التي تنداح , رويدا رويدا على شفتي ؟
ارهف السمع لصوت انفاسي وهي ترتفع وتهبط , تعلو وتخفت , اي حلم جميل هذا الذي اتوغل في حدائقه !! ام هو كابوس ماكر ياتي على شكل شقائق نعمان يانعة , بساتين خضراء , ونسوة ناعمات , ثم ينقلب الى جثث تنوح , افاع سامة وضحكات شياطين , الابتسامة تتوسع , ترتعش, الانفاس , ينكسر انتظامها , تتحول الى نداءات مختلطة لبشر يستنجدون او يلهون , اصابعي تقترب من وجهي , تتحسس بحنان بشرتي الكابية , تهش عنها البعوض , تهدئ من صفرة ملامحها ، اصحو على اصابع يدي ، اراني امامي شبحاً نحيلاً، مشعث التقاطيع، مهوش النظرات، اقبض علي متلبساً في وجود مشبوه، اصفعني على وجهي وصدري، اركلني بين رجلي اشتبك معي في معركة ارجل وايد وسباب بذي، احاصر عنقي بكفتي يدي، اخنقني ، تجحظ عيناي ،تتوتر مفاصلي على الارض اسقط ، يتدفق من فمي الدخان الأسود ، من مسامات جلدي تندفع اسراب الطيور الكاسرة، اركلني بين رجلي في اندفاعة يائسة اخيرة، تسقط يداي عن عنقي ، اسقط على الارض متوجعا ذاهلا محتضنا خصيتي بين يدي ، اندفع عبر النافذة ، تلاحقني طيور الظلام ولعنات رجل يتألم ، اصعد الجبل لا هثا دامي الاكتاف والخطوات والدموع، القي على المدينة الزاهية نظرة ارهاق اخيرة ، اسمع اصداء صرخات لرجل يتمدد على الارض يتحلق حوله جمع من الناس كان هنا كان هنا امامي ، كان هنا عارياً ومتعباً ومجنوناً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى