ميس داغر - تأنيب ضمير

وقف رجل في طابور المنتظرين أمام الصرّاف البنكيّ الآليّ في منتصف رام الله، فسمع أحدهم يتحدّث عن الطريقة التي يحوّلوننا فيها، من خلال الرواتب، إلى شعب استهلاكيّ، لا يفكّر إلّا بالقرش. شعر الرجل بوخزة عميقة في ضميره عند سماعه الكلام، وساوره شعور بالغثيان.

غير بعيد من الصرّاف الآليّ، كانت امرأة تقف أمام البائع في مخبز، وكان البائع يملأ لها كيس النايلون بالخبز الطازج ويشرح لها الطريقة التي يحوّلوننا فيها، من خلال الغذاء، إلى شعب مفجوع، لا يفكّر إلّا باللقمة. فاستاءت المرأة، وشعرت بأنّ خنجرًا يضرب في أعماق كرامتها، ودمعت عيناها.

وفي متجر مجاور للكتب، كان صبيّ يتصفّح بشوق مجلّة عن أخبار مشاهير هوليوود، معروضة على واجهة المتجر، لتمرّ امرأة ستينيّة حادّة البصر وتلمح بعض صور المشاهير في المجلّة، وتقول: هكذا سقطت حيفا من البال. يرتبك الصبيّ وينفعل، ويشعر بغصّة في حلقه، ورغبة عميقة في التغيير.

في اليوم التالي، كان رجل وامرأة وصبيّ آخرون يقفون في الأمكنة ذاتها، ويقومون بالأفعال ذاتها، ويسمعون الكلام ذاته، وتساورهم الأعراض ذاتها التي اعترت هؤلاء الثلاثة.

ويُقال إنّ حشدًا عظيمًا من المواطنين أصحاب الضمائر المتيقّظة استمرّوا في التعاقب على ذات الأمكنة، والتعرّض للمواقف الثلاثة نفسها، وإنّ الأعراض ذاتها، من الاستياء وتأنيب الضمير، ظلّت تراود الحشود البشريّة المتعاقبة طوال الألفيّات الثالثة والرابعة والخامسة للميلاد.

وستروي - بإذن الله - حضارة فضائيّة مستقبليّة، في مجرّة قريبة من مجرّة درب التبّانة، أنّ أعراض تأنيب الضمير والرغبة في التغيير ظلّت تساور هؤلاء المواطنين الشرفاء على كوكب الأرض، إلى أن ورث الله المجرّة ومن عليها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى