جمال جاف - المجنون والقرد

- إنه هناك في الزاوية المقابلة .. خلف حقيبة السوداء .. إنه يسخر مني بوجهه القبيح ..أمسكوه ..أمسكوه ليذهب إلى الجحيم .. لا أريد أن أراه .. المفتاح ..المفتاح معلق في رقبة ! يقذفه في الهواء ثم يلتقطه بحركاته البهلوانية ، مفتاح الكون .. المصير ، والصراع الدائم ، المهزلة ، التحدي الصارم الموت والحياة .. الظلام والنور .
- إننا جسدان في روح واحدة ، لا .. أبداًً انه قرد لعين ، يسمونني مجنون ..أنا لست مجنوناً انه شيطان أرعن .ذات قوة جبارة ، يمتلكني بعنف صارم ،يعبث بي دون رحمة .ظله يختلف عن جسمه الشيطاني اللعين ذات شعر كث ،يخترق الجدران ، يتكور أحياناُُ ككرة سوداء يتربع عليه ،يمسك قلماً يتدفق منها الدماء يمد يديه، ظله يخرج منه قلماً يرفعه في الهواء يخربش في الفراغات والأجواء يتقطر منها دماءً يخربش مالا تفهمه العقول ، يجعل من ظله اللعين القاتم في السواد حبلاً للمشنقة ، يدحرجه حيناًً ويحترق حيناً آخر. يقذفه علي بسخرية فظة
- يدخل الثقوب إنه هناك في ذاك الثقب الأظلم مع حاشية يلتفون حوله يأمرهم بفظاظة وقحة ، يبدأ مراسيمهم الليلي العجيب حول نار موقدة أبداًً .. ألسنة نيران ٍٍ تلتهم كل شيء .. يتراقصون حوله ، يؤدون فرائضهم اللعينة ومراسيمهم التطوافية لا تنتهي أبداًً .
- أنهم هكذا .. صدقوني ، أني أراهم بآم عيني ...
أنا لست مجنونا ًً ..!
- إنهم مني .. وأنا منهم.. لا .. إنهم قرده ملاعين يتحكمون بكل شيء سيوف تشهر صحف تتطاير في ألآفاق .. يخلعون جلود ألآخرين ، ويكتبون الدساتير عليها .. يتربعون على الجماجم، صحف هناك في كل مكان ، وجوه عابسة
وقحة .. أفواه بلاستيكية سوداء . عيون من النار
- تعاليم تكتب دساتير تسطر في اجواء الليل ، تخطها أيادي جبارة ثم تساق إلى الآخرين، لتطبق بالنار والحديد أنهم هناك في الثقب الأظلم ! ..بهذه التصورات وبكلمات غير مفهومة ، يفقد وعيه ، مكوراًً جسده النحيف في جوف الليل ،
وسط غرفة يكتثفها الغموض الدائم يتفوه كلمات غامضة ، وفاهه تعلوه طبقات من الوغف ، تسيل عليه فقاعات بيضاء ماسكاُُ رأسه بكلتا راحتيه رابضا في الأرض، يأتي القرد قافزاًً بحركاته الهجينة مداعباًً مفتاحه المعلق برقبته يدخل إحدى أذنيه كعادته فرحاًً مرحاً ... لاسعاًً طبلة أذنه بشراهة واللعاب تسيل من فمه حتى تتكون طبقة لعابية وغيفة كأنها بحيرة آسنة ينبش الطبلة بأظافره الطويلة الحادة فاتحاً فاهه بارزا أسنانه الرصاصية المنخوره ... عالم لا تكاد تدركه العقول مهما كان اتساعها وفذاذتها الأبعد التجوال فيها والنبش في مكامنها ، ولانضمام أليها كلياًً آنذاك يصيب المرء بالحيرة حيث ( العماء ) . هذا العالم الجسدي الانقلابي المتدفق كيف جاء إلى حيز الوجود !.
أقذفت من لاشيء ..! كيف بدأة الأنفاس الأولى ..! وكيف تراكمت كل هذه التي تتواجد في هذا المخلوق الضعيف الواهن . هل كان موجوداًً قبل الوجود.. وما هذا التمرد والثورة القائمة ، العارمة ، تحدث في هذا الجسد الضامر المتكور البائس، حيث لاحول لها ولاقوه !.. كيف لمخلوق قردي صغير ، يعبث ويتحكم بمصير هذا المخلوق الكوني المكتمل الهائل والمثمل في شخص ( المجنون )..! أهما مخلوقان متضادان .
- اهو مجنون حقاًً،أم ذات بصيرة وعقلية قاهرة..! لا هذا ولا ذاك ، إنه بين ..بين الماثل أبداًً أمام القوانين السماوية والبشرية ، لربما ألقرديه أو بين كل هذا التي ذكرته. إنه يعاني بكامل قواه العقلية .. يشعر بكل ما لديه من الأحاسيس بأنه ضحية..كتب مزيفه، وغير مزيفه،دساتير، قوانين أرضيه، سماوية.. من يدري لربما لا سماوية،فمنذ ألأزل تأبط الكثيرون كتباًً ضخمة فخمة .. قامت عليها قوام الحياة،بكل أشكالها وادعوا بأنها هابطة من السماء .. قامت الحروب ولم تحط أوزارها.. مادامت الحياة حياتاًً ، وسلت السيوف أبدا .. حيث شيدوا كوناًً بجماجم الضعفاء والمساكين..وأحرقوا ألسماء.
إنه ضحية نزوة عارمة في أجواف ألليل . حيث ألشهوة تلهب كالبركان . تختلط الشعور واللاشعور.. كل باطني وظاهري .. كل الحب والكراهية .. العنف والسلام .. الظلام والنور.. .ذات مرة أحس بقوة شنيعة تدفعه ليمارس الجنس مع هذا القرد اللعين.والذي بحجم (جهازه التناسلي). حيث كان ضحية شهوة كان خالقة السبب في خلقه.. لماذا أحس يتناسل هذا الكائن الوحشي الصغير دون غيره .
لربما العدوانية التي انفلقت في روحه لحظة ما. بعدما يخترق طبلة أذنه يتمر غل ويتخبط في آفاقٍٍ رحبه لجسده الواهن .حيث التشعبات هائلة وبحار من الدماء ، والمياه تتلاطم بقوة هنا وهناك . أشكال مرعبة خراطيم حلزونية مرقعة منتاه مبرقعة محدودة عالم من الضجيج والعجيج والفوران .كل شيء تتداخل ببعضها حيث لانهاية لها . طنين وصدى أشلاء طافية.. مسيرة مرعبة أصوات مطبلة . أفواه مفتوحة كالحيتان مصغرة،لا تعرف الرأس من العقب .كل شيء في حركة دائرية ملتوية دائمة .القرد المقتحم الجبار يخترق الحواجز والعقبات إلى حيث ألأصل (القمة).ماسكا مفتاحه العتيد بكلتا يديه..وحينما يصل إلى هدفه العظيم (الدماغ) .يتربع عليها لفترة ، ثم يفتح أبواب العالم الكرستالي العجيب،باباًً تلو باب بمفتاحه الذي يعلقه على رقبته ويضمه إلى صدره.
عالم هلامي تختلط فيها كل شيء. دهاليز ملتوية ، وألوان عجيبة رموز هائلة ، خطوط متشابكة ،حركات لا أباليه..نتؤات بارزة وأقباس من النور تتقاذف.
ذات مرة بينما كان المجنون منهمك القوى ، بعينين نصف مغمضتين ممتداًً في ألأرض لا يقوى على أبسط حركة . فقد أنتهز القرد هذه الفرصة بعدما خرج من إحدى أذنيه عائداًً من جولته الجسدية .
اخذ يعبث بجسد المجنون ينهش أحشائه متربعاًً على صدره .. وحينما دخل (طبيبة النفساني).للمجنون بهدوء تام كعادته صعق من مكانه مندهشاًً.رفع المجنون رأسه بصعوبة بالغة والدماء تسيل من كل أطرافه .
نظر إلى الدكتور قائلا بصوت مخنوق ...ألم أقل لك ..بأني لست مجنوناًً.




أستراليا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى