حازم الصافي - مشنقة الاغاني

عندما ماتت الاغنية تفتقت عيون الرمل
( مقولة ليست لغرامشي)


ياأخ، الان اشنق اغنيتك فوق صليب النسيان. فالشومان ،شوماني المصابة بالصداع ورجفة القلب لاتحبذ الاغاني، حتى انها ، يارفيق ، لاتحبذ ترنيمة معقولة لتوديع موتاها، الذين اختاروا لفرط العمر والرمل والنكبات ، العبور طواعية الى الجانب الاخر من نصب الاحتمالات وحيطان الاسئلة . في الطريق اليها، على راس كل فقرة من صراط الرمل المتماوج بين المخادعة وشيء من اللامبالاة التي تحفظها السنون من الضياع, تنام حالمة تلمع عقربة صفراء دهنية رسمها الحفاة، ويوؤلها مبتدعوا مشجرات الاصول المصابون ببهاق الرمل، ودعاة المعنى الباطني: ان العقربة امر جلل.
في الطريق الى الشومان، الثعالب والمصاعب والكلاب(( التي على الرغم من انهم قد عينوا لها وحدها الاسماء، لكنها اختارت الضلالة فسابت))، في الطريق اليها هذه الايام، يابن عمي، تشنق المسرة خلف اكمة ً من ضباب الفحولة((ووأد المسرة كما يقول صاحب فقه الياسمين هو نفسه حفظ لماء الوجه واستدراك لمهمة الرياح )).
اما المشانق الكثيرة فقد ظفرها بعناد وعناية سدنة المراقد المجهولة، التي ظلت بلا اسماء، وقد كتب فوقها على كاشاني اخضر ندي(( اذا ماشئت معرفة الحقيقة فاعلم ان حبلك السري هو مشنقتك ليس الا )).
اذا ماتخطيت الظلمة واصخت السمع، فاعلم ان هذا ليس عرس السعالي او فرح الجان، انما صبية الشومان الذين لايخشون في هذه الايام الغريبة شيئا على الاطلاق يعلو صراخهم فوق ضجيج المدافع، يشتمون بالفاظ مفخخة، اللمعان المفزع للقباب والعقارب. كما كما انهم قد اقاموا مسابقة لأاطول عضو ذكري، لالشيء، الالتاكيد جزعهم وحنقهم على دساتير الشومان العتيقة، وهذا هو الامر الذي جعل الصحفيون الذين كانوا يسجلون اخبار الصبية المتظاهرين يشكون من انهم في حومة صراخهم وصخبهم قد نسوا مطالبتهم باسقاط اوراق ميلادهم الحالية عنهم، ومنحهم اخرى تؤكد انتمائهم الى ضفة اخرى عجزت عن الوصول اليها شهوات ابائهم محدودة المنى. اغرقوا المكان بالسباب من بنادقهم المحشوة بالشتائم. صراخ دموي يفتض الشمع المحتشد بين افخاذ العذارى(واذا كنت مثلي فانهن الان خلف شبابيكهن يتصنعن الطلاوة بينما تنبض اثدائهن كخناجر مشرعة)).
في ظلمة الشومان. الظلمة البدائية الأولى، كان صراخهم الذي يعلو يبدو كأسراب طيور أسمنتية
كالحة. داروا في شورا ع الناحية يتخبطون في وحلها الليلي (( كانت مياه ما بعد منتصف الليل تفرض على أنوفهم عنوة طعما فضائحياًً يجهلون دوافعه ومعانيه، كانوا يشعرون بخزي مؤنب من مجزرة الإباء فقاموا تحت ضوء المشاعل بتهديم التمثال الجبسي لبشر العاري، والذين سيعاد نصبه عما قريب. كانوا مضطهدين تحت وطأة ما يفعله الآخرون الآن.وراحوا يمعنون في التخبط والبصاق فوق الطين الحي الذي تؤسسه المياه الليلية.حذرهم أكبرهم من المناطق اللامعة من الطين، كما أن عليه أن يحذرهم من انطفاء مشاعلهم ، فالبعض كان يتهمهم بأنهم يرفعون أصواتهم ليخنقوا دجاجات فزعهم ، حتى أن احد شيوخ الشومان وهو عضو بارز في المجلس القبلي ، أكد حينما سئل عن سر تلك المظاهرة الصبيانية ، وعن المعنى الذي يقصدونه ساعة هشموا التمثال الجبسي (( البشر العاري )) أكد أن الصبية خائفون من الشبه الكبير بين بشر الشهيد وبين مغتصب صبيان اعور نشرت صورته مؤخرا الموسوعة الصحراوية لا ابرز أحداث المناطق التي لاتصلها الصحف اليومية)). أما إذا كنت لا تعرفهم. فانك لا تعرف الشومان أيضا، وربما لا يعرفها الكثيرون في نهاراتها ولياليها الخاصة وهي برغم غربتها القاسية تلك، وحصاراتها التي لاتنتهي لايمكن لأحدً من المهتمين بها ان يدعي ان الشومان ناحية اسرار. كما ان كونها عصية على الفهم لم يكن سببه قدرتها على ان تجعل من نفسها حيزا بالغ الاهمية.ولكنها في الحقيقة، في مثل هذا الوقت من كل عام تدثر نفسها بعناية بمعطفها المظفر من الطرطيع واشواك الملح واللصوص الفقراء وعرافي الاكواخ المحنية . كل ستاء يصير الوصول الى الشومان القصية امرا شاقا حتى على الذين تسيرهم المقالات المخادعة ام في الشومان الرحيمة الرجل الذي يذهب غشاوة العينين بمرهم سحري ، وعلى كل حال يارفيق ،فليس في الشومان مايغري بالرحيل اليها كغيرها من النواحي المنسية المنثورة كحبات كمأ الكلاب السام فوق خارطة البلاد، والتي يمكن لجميع اهل الجمهورية ان ينجوا من البهاق والحمى الرملية والسعال القنفذي فيما لو كانوا بعيدين عنها بما فيه الكفاية .
اما الاكاديميون المغرمون بنبش التاريخ المضني للنواحي المنسية ، فانهم يرجعون سقوط الشومان المتعبة، في بئر غفلتها ونسيانها ، الى ذلك اليوم الذي وصلنا فيه راجلا ً وليُ تائه متتبعا المجرى العتيق لنهر عتاب ، وسرعان ماتحلق اهل الشومان حول الرجل, حيث خمن البعض ان الوجه السماوي نور يجعاهم يشكون في انه مبعوث اليهم من نهارات صحوهم البعيد . بينما اكد بعض العلرفين بالاحوال والطبائع والامزجة ان لون وجهه المتعب انما هو اصفرار الجوع والمشقة فالرجل كما يدل عليه شحوبه_ لم يذق زادا من مايقارب الاربعة ايام ، غير ان اهل الشومان امعنوا في تخيلهم ان هذا المقدس الجميل البهي لاتدنوا نفسه الزكية الى الشهوات الارضية ، وحينما نطق بما يظن الان انها كلمة ماء ، عطش،مستنجدة، ظن اهل الشومان ان مقدسهم المسجى قد نطق اول كلمات مملكة السر البهية ، لكنه الرجل مات بعد لحظات حتى دون ان يترك اسما او غاية. ويضيف الاخباريون ورواة الاحاديث سببا اخر لايغال الشومان في قرفها واهمالها وحرصها على ان لا يدوس ابناءها على ارض المملحة بقسوة .وهو الامر الذي يتعلق بما حدث بعد فترة وجيزة من وصول بشر العاري الى الشومان ، ليعلن بحضوره ان الارض ستشاد على هذه الارض المزحومة بالشقاء باحة لفقراء الغلة المسمومة . قال لهم (( ان الدنيا خراب واخرب منها قلب من عمرها لغير المسحوقيين والغارقين في تجليات مصائبهم الصغيرة)).امرهم بنبذ الشهوات (( فالرجل اذا ماقام ذكره ، انما يذهب ثلثا عقله وفي تزاحكم على النساء هوان)),لكنهم شنقوه بحبل كان في عدته بعد يوم واحد من خروجه عارياًً تماماً الى دروب الشومان برغم ادعائه انه لم يكن بحاجة الى عرض مفاتنه لكنه تعرى تضامنا مع الفقراء. شنقوه واغلقوا دونهم (( شومان المصيبة ))، اصابهم ذهول ارجعوه الى تعثر الدورات الفلكية واخطاء غير مبررة في صلب تقاويم الرمل ، ومنذ ذلك اليوم لم يجد احدا سببًا يدعوه لزيارة الشومان الا ومجانيين وقطاع الطرق .
اما انا فاعرف الشومان واعرف الصبية المرتدين .فلقد القي الي بالسر في لحظة تصنعها دائما في مثل هذه الظروف قوى مجهولة ليس لذاكرتها الخاصة علاقة حميمة بالذاكرة الجماعية ولكنها قريبة منها تعمل في محيطها ولكن ليس الى درحة الالتصاق . لقد قيل لي (( انا في هذه اللحظات لاامتلك المقدرة على التشكيك فيما يقال )) ان بانتهاك السر ستصاب جميع النساء الشومان بعمى الانهار الميتة . اما لعنة السر الخفية فستجعلهن يفقدن فروجهن (( في الشومان كذلك تهوي الجرذان الخشبية من قلوب النخل ، اللينة ، الرطبة،الدافئة، الناعمة نعومة الابدان ، وتلك كما يقول (( شيخادي))_ فقيه الناحية_ مؤامرة وضع رموزها العرافون ونفذتها طبيعة الاشياء غير المتجانسة)) . لذلك فاني اطلب من السيد رجل الامن السري ومن جميع السادة الذين تعلو مقدرتهم (( لأسباب يمكن فهرستها بعناية ولكنها تبفى مجهولة عصية))على مجمل سلطات الذكورة الدموية لرجال النواحي المبتلاة بنواسير الرمل . اطلب منهم حفظ سرنا المشترك ، حماية لتمكننا ولروعة بهائنا العام ، انه ليس بالوجل من الدركي الذهبي زميل دراسات التاج في أكاديمية أيوب لبحوث الترقب , لكنه تحسب مقبول لنبؤة ظفرهاعشاب اعمى ((بولوج الغرباء الى مملكة السر فلسوف تنتقل ، مخيفة جارفة عدوى الحرقوص البلاستكي اللماع " لتطال نساء الجزيرة كلهنَ" . وتلك كانت هي كل الحكمة في ترك "غافل بلاعقله"يرحل عن ارض الشومان (( يمكن ان تتم هذه الامور الخاصة بعد استفحال ظاهرة الكتب التي يدبجها الاموات)). داهمه امرُ طرده ، لكنه ارتضى بولعه الخاص الا تُحدِث الامور التي تخصه حماسة وغضب الاخرين ،اطرق مليا ًً(اينَ اولادي الرائعون، اسراب الدغناش ليبدوا بطيرانهم الكريستالي ، الفسحة غير المباركة من الصداع العجيب ))، داعب بمجساته الاسطورية رؤوس قطيع الماعز المار بجانبه ليؤكد لنفسه امتلاكه القدرة على جعل كل شيء ينطق وفقاً لمشتاه هو ، حروف اسمه الاوللى وروح ابجديته .
في اليوم الذي ادرك غافل زمن الشومان العتيقة وحط على ظهرها الشوكي كانت هي تكشف ثوانيها التي تعلمها متع الغثيان السري واللامبالاة والسكون الذي يشبه الموت . لم تحفل بهِ، تلك هي عادتها ((يمكن تثبيت هذا الامر- فيما بعد- في جميع المطبوعات السياحية الجديدة )) مع القادمين اليعا عبر مسالكها المستقيمة ، وعلى الرغم من ان الاهالي كانوا يحدقون الا ان غافلا لفرط دهشته ظن انهم ماخذون بامراخر، لكن وجوهم المصفرة تقنع أي شخص – حتى لو كان مجنونا –انهم ربما وقعوا اسرى عطب جماعي ، لكنه بعد لحظات اصبح يشك بحزم في انهم انما كانوا يجهدون انفسهم في محاولة نطق الكلمات المناسبة(( بعد ان شنقوا بشر العاري بذلك الشكل المفزع ، تولدت اقاويل شتى تدعي اختفاء جميع المعاجم والقواميس والموسوعات من اماكنها ، كذلك رجال الاسانيد الكلامية اصيبت بامراض مستعصية ربما لم يجدوا الكلمة المناسبة التي تعينهم على وصف رجل مجنون بما يستحق لكن سرعان ماتغير الامر ؛ اذ افتخذ ربابته وراح يغني اغنيته الاثيرة الى نفسه ((البحر كان يمر من هنا ، في هدوئه شمس الايائل ‘وفي غضبته نمرة نزقة ، ويوم عاد البناءون المنهكون شربوا ماء البحر ، وكل ماتبقى من ماء العيون)).
في البدء حاولوا منعه من الاستمرار في الغناء : لكن ذلك الدفق المروع من الانغام الحزينة المقربة الى قلوبهم جعلهم يستمرأون الكذبة ، روح الاغنية . حاولوا افهامه ان البحر لم يمر من هنا ابدا ، كما ان اجدادهم ان ينبئوا يوما عن بحر قدر على تخطي عتبة الرمل . كان كاغنية تستقر خارج القرص الرملي لذاكرتهم (( الجوع يسافر بالذاكرة بعيدا ، لذلك عُرِفَ الفقراء بالمخيلة القوية ))، لكن اهل الشومان لم يقدروا ابدا على تخيل شكل البحر لاانهم لم يروه ولاشبيهاً له حينما اصر غافل على مقولة البحر الذي كان يسكن جزائر الرمل (( ظل يردد اناشيده مدة خمسة ايام )) اصدر المجلس القبلي المقدس المرسوم الخاص باعتبار غافل المجنون الرسمي لهذه الناحية صارَ بامكانها الان ان تتأخى مع بلوتها ايضا لعلها – ولأسباب خاصة – امتلكت المقدرة على تأجيل فهم الاشياء حتى اخر الموسم " ولكنها كانت تصر على التهام ذبائحها كل يوم ، تخنق صبيان يقظتها في الساعة التي تخلو فيها لقيلولة قدرية يمكن ان تمتد لقرون من العطش والرمل ‘ واوان كل سواد ايضا يداعب الرجال النساء باطراف الخناجر ليحفظوا النسل ليرضى عنهم الاولياء (( فما زلنا ياأباءنا قادرين على تلفيق- بحذلقة بارعة- الاعمار لأجسادنا المنهكة))"اما في هذا الاوان فليس ثمة خوف منم رجل مجنون لايجيد سوى الغناء ، وتلك ايضا حكمة رملية مهيبة ولاشك، ذلك المجنون الذي منحه المجلس القبلي كل حقوقه الاسطوريةفي شتم الناس و دخول المساجد والمتاجر واقنان الدجاج ووكر الدرك ودكاكيين الوراقين والصباغين ومحنة الحبوب . لم يحرم المجلس القبلي على"غافل الذي يجيد الغناء" الادخول دار سك العملة الصحراوية وحمام النسوة .
في العراء ربما (( او في بؤبؤ نجم او تحت قبغة الدركي )) قضى غافل لياليه الاولى ، فلم يكن بوسع الشومان ان تغتال تمثال لياليها من اجل رجل لايجيد سوى ترديد اناشيد بائسة ، لكنهم صاروا يلفونه في كوخ خرب يجاور المطحنة الحجرية كان غافل يعيش لياليه الباردة وحيدا يخفي كرات وحدته الثلجية تحت دثار ولعه المخيف (ربما لاحظ الشومانيون الذين قضوا فترة من حياتهم في المدن ، النظرات الغريبة التي كان غافل يغزوبها اجساد النساء)) لكن حكمة قديمة كانت تجعلهم يشكون في المعنى الخفي الرجل الذي يحبذالمويسقى لايروم له النكاح

كان يرسل مجساته لتخربش ليل تالشومان كحبيبات دقيقة فوق تعريثة الهاث اليلي بحثا عن دفء مشقوق الراس (بامكانه الان ان يتخيل امراة يرسمها بدخان حرائقه البني، يمتد عبر الظلام ليرسم على جدار جحرهالابهق ملامح انثى الوز المشتهاة يبكي عري النجم وتقاسيم اجساد النسوة الذاهبات لطحن الحنطة .لو يمتلك امراة الان لعراها على شرف البحر لااغنية(كان الوحيد القابع بين اضلاع الشومان القادر، لجنونه، على تخيل شكل ما لبحر))
كانت( عمشه الجميلة ) اول مخلوق يدخل راسه في ظلام كوخ المجنون كان يوما موشومابرج البغل. سقط كيس الحنطة عن ظهر بغل قرب كوخه المتداعي وجدته عمشة غائما يحاول تثبيت نفسه في اطار عالمه الخاص .حدثته عن الحيوان وكيس الحنطة فبكى . امال لها راسه . اناخ بين قديميها اغنية الولد التائه ، فبكت . عزف لها لحن عري الملكات . خافت ان يمضي الحيوان بعيدا، قال لها ان البغل اكثر صبر منه قشرها(هذا الامر يمكن ان يثير الشكوك اذ لم يعثر في الكوخ على اية بقايا لنقوع يصنعه العطارون، كما لم يعثر على أي مركب يمكن نسبته لكيميائي صاحب صنعة سرية . كان المكان مزحزما بالاناشيد العليلة ومزامير معقوفة بسخرية وخريطة جسد بلا ملامح)) سقطت الانثى في بحر جنونه الاحمر ( انتشلها غافل بموسم حب كامل نزع عنها رعب العشيرة وظلال الخصيان المعدنية لرجال الرمل . ليس من الطيبة ابد معاملة عمشة كبغي ، او كامراة مسكونة بحرمان ازلي،ذلك زلل اكيد . ولكنها يمكن ان تكون-وهذا امر يبدوا منطقيا- الكائن الوحيد الذي سمع حكاية غافل عن البحر بعناية وشيء من الثقة .بعد ذلك اليوم عرفت عمشة كيف تسقط العالم من على ظهر البغل مغافلة عباءة شيخها التي توء وراءها . صار جسدها منشورا سريا قراته جميع نساء الشومان. خبأته العذارى تحت سراويلهين الداخلية ((هو يشبه نتفة بحر سقطت من سلة ملاك هارب، فحل الموسيفى ذاك)) زرع غافل ارض الجزيرة كلها ببذور الورشان والدبسي والسلاحف البرية ومعلمي الصبيان ونافخي الالات الهوائية .
لم يكن ثمة عَنتً في حركة الافلاك ، كما أن صفحة السماء لم تزل زرقاء بشكل لايمكن ان يحيط النفس باي نوع من انواع الارتياب . اما رجال الشومان وانهم حينما فطنوا الى سلالتهم الجديدة (( ربما يكشف الفقراء ، صدفة، ان اولادهم قد كبروا ايضا)) فانهم لم يشكوا في ان رحيلهم المضني عبر القفار قد حل في صبيانهم الذين راحوا يتقافزون كالحشرات فوق الحقول الحنطة، يأكلون السيقان الغضة ويثقبون الاوراق كما تفعل عصافير الدغناش الملونة . كانوا يمتطون ظهور بغالهم الطائرة ، يرحلون بعيدا عن ارض الجزيرة ليعودوا بعد ذلك وقد كبروا اعواما ونبتت لبعضهم شوراب لاتشبه شوراب رجال الرمل في شيء ابدا . في يوم كانوني عرف السر على نطاق ضيق . احترق الرجال غضبا . امطرت سماء الشومان هموما صغيرة . تحسس الرجال ذكورتهم. ناموا على نسائهم بالمقلوب ليتحققوا من معنى العبارات ، حتى تصدع الامر على نطاق ضيق ذلك الصباح عندما رفض الاولاد البطاقات الشخصية التي انتمائهم لأبائهم . قالوا انهم يرفضون تلك الاوراق التي تدعي نسبتهم لأباء ضجرين ضجرين يلوثون شورابهم بتراب الدقائق الارضية المتعفنة)) لم يدرك اهل الشومان الامر . تلافيف ذاكرتهم كانت لاتنبئهم الا عن مناورات غير مبهجة يفتعلها الصبيان في مثل هذا العمر، وجد بعض الاباء في البحث عن زوجات لأبنائهم ، اذ نبت في عرف المخيلة الصحراوية ان الصبي الان بحاجة الى زوجة ليهتم بعد ذلك بامور اكثر جدوى.
ضحى ذلك اليوم ابرق المرتدون الى المجلس القبلي يطالبونه فيها بمنحهم شهادات غير مزورة تثبت انهم اولاد طيعون لغافل الاب الرحيم. كانوا ثلاثمائة وخمسة ستون صبيا . لم تقد المخيلة الرملية المنهكة على تخيل الامر او تصديقه ، وعندما رفضت مذكرة الصبيان السرية طالبوا اخيرا بعرضهم على عراف المجلس القبلي لسماع ماتقوله النبؤات والاوراق القديمة . بعد يوم واحد من الساعة التي عرف فيها السر . وبعد يومين من الساعة التي عرف فيها الدركي سر الناحية .وبعد ان كشفت كل الحقائق السريرية وتاكد المجلس القبلي من كل شيء صدر المرسوم الخاص باعفاء غافل من مهمته كمجنون لهذه الديار وقد علل المرسوم هذا القرار(( قيام المدعو غافل ومجموعة كبيرة من الصبيان الذين يشبهونه حد الغثيان باقتحام دار الشومان لسك العملة . وقد قام المقتحمون بحاولة تزوير العملة ووضع رسم جديد عليها ولقد قرر الخبراء بعد فحص الرسم ودراسته ، انه لم يكن سوى دعوة صريحة لأ حياء دين وثني منقرض )).
وفي اليوم نفسه صدر امر اخر قررالمجلس القبلي بموجبه اعتبار بشر العاري شهيدا على ان يقام له نصب جبسي خلال بضعة ايام . ووفق التعليمات المرسوم الجديد فقداسقطن عن بشر الشهيد جميع المخالفات المنسوبة اليه بما فيها جريمة اقتحام حمام النسوة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى