سلمى أنور - بالحرف الأول من اسمه.. أُقسم

يثور إذا ما أرسل مكتوبا لى فلم أرد.. يحتد.. يهدر، ويرمينى بألفاظ بدوية توجعنى وتمرضنى طويلا.. ثم مايلبث أن يسترد ذاكرته أمام سكونى فيبتر الكلام بصمت ملؤه كبرياء قاس ومسحةٌ مراوغةٌ من خجل بعد أن يتذكر كم توسلت إليه طويلا كى يمحو أميتى فرفض!
"أحبك فى الأمية أكثر.. آه لو تعلمين يا جاهلة أنت!"
أربى أميتى لأجل خاطره.. أهذبها, أحميها وأهدهدها.. لأجل خاطره أهرب من كل الحروف العربية واللاتينية والعبرية كى لا أجرب نفسى أمام فتنة رسمها فتغرينى بفك الخط.
خنته مرة وطلبت من بائع الحلوى الجنوبى أن يعلمنى الحرف الأول من اسمه بالهيروغليفية! حرف يُرسم لا يُكتب.. هكذا كانت حروف الأوائل: رسوم
بعدها طلبت من الخالة الغجرية أن تدق الرسم وشما بين نهديّ.. ليلة أن طالع الوشم لعننى ولعن الهيروغليفية والمسمارية والآرامية وكل نقش على كل مسلة قديمة وعلى جسدي.. ليلتها سبَنى وسب الخالة الغجرية وقال إنى فضضت القداسة عن الحرف الأول من اسمه فحططت من قدره بين العالمين!
لكني، برغم اللعنات، لا أقسم منذ تلك الليلة قسما إلا بالحرف الأول من اسمه بين نهديّ: "والحرفِ يا خالة ما فعلت كذا.. والحرفِ يا خالة ما قلت كذا.. والحرفِ يا خالة أوحشنى ذاك الفظ غليظ القلب!"
فى الليلة التالية فقد ذاكرة أميتى من جديد: "اقرئي لى شيئا من الكتاب المقدس.. اقرئى لى نشيد الأنشاد بصوت هامس حتى أنام".
استحيتُ أن أذكره بأنى أمية وبتمنعه أمام توسلاتى أن يمحو أميتي, فتدللت وقلت بصوت مثير إن أحدهم همس لى الأحد الماضى ببعض من الغزل المغزول فى نشيد الأنشاد. وزدت فى التدلل: "لماذا لا تهمس أنت لى بنشيد الأنشاد؟ .. أولست حبيبى وأولى الناس بمغازلتي؟"
ليلتها لم ينته الأمر عند صفعى مرارا بقسوة أدمت شفتى السفلى مع نعتى بالجاهلة ألف مرة.. ليلتها علَمنى أيضا لفظة جديدة: "ساقطة".
"ساقطة".. "ساقطة"
فى نحيبى الطويل ونهنهتى رجوته أن يستعيد الكلمة من وعيي.. لماذا علمنيها والجهل بها أحلى؟
ليتك ما علمتنيها.. جهَلني.. يا سيد أمر الكلم وأمرى جهَـلنى .. جهَلنى ما اشتهيت جهلي, فلك وحدك كل أميتي.. لا تحك لى عن تاريخ الأمم الغابرة ولا تقرأ لى قطوفا من الكتاب المقدس.. لا تعلمنى عن الرب يسوع وإن كان بين إصبعيه قلبى المعلق بك, يقلب إصبعيه فيعلق قلبى بك.. ثم يقلبهما فأحقد عليك .. لا تلتفت إلى حين أتعلق بطرف جلبابك وأسألك بفضول طفولى إن كان للملائكة أجنحة بحق, وإن كان الجن يسكنون شقوق بيت خالتى القديم بحق, وإن كانت فلسطين بعيدة بحق, وإن كان القمر معتما بحق، وإن كان فى البحر عروسٌ نصفها ذيل سمكة ونصفها امرأة بشعة الخلقة بحق, وإن كان موتانا يطلون علينا فى أيام الألم ليواسونا بحق
لا.. لا تجبنى ولا تقصُص على قصص الملوك الذين يعذبون الأنبياء فى الأقبية ويسحقون ما لا يطالون مما يشتهون ولا قصص البحارة السكارى الذين التقيتهم فى سفرك..
جهَلنى أكثر.. جهلني
فقط بارك مسامَ ما بين نهديَ.. وليكن الحرف الأول من اسمك و"ساقطة" هو آخر ما أتعاطى من الحروف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى