رحاب الخترشي - المرأة والخطيئة في الأمثال الشعبية

هل تساءلت يوما: لم نتأثر بالمثل الشعبي يا ترى؟ هل لإيجاز اللفظ أو رنة التعبير أو ايقاع الكلامات؟ وهل تساءلنا يوما حول المؤثرات في الأمثال الشعبية وقدرتها على ترسيخ أفكار مغلوطة نتعامل معها على أنها من المسلمات؟

يزخر الوطن العربي بعدد كبير من الأمثال الشعبية التي يرى البعض أنها ثمرة تجربة الأجداد والأولين، انطبعت في ذاكرتنا وباتت بديهيات ومسلمات.

في لفظ المثل

المثل :لغةً، مأخوذ من كلمة مثّلَ أي شبّهَ؛ لأنّ الأصل فيه التشبيه. وجاء في لسان العرب: “المثل: الشيء الذي يُضرب لشيء مثلًا فيجعل مثله… وقد يكون المثل بمعنى العبرة”.

غير أنَّ بعض الباحثين يقول إنّ أصل الكلمة مأخوذ من العبرية، ففي العبرية نجد كلمة “מש” التي تعني الحكمة السائرة، وتعني أيضًا الحكاية القصيرة ذات المغزى، وتعني الأسطورة.

تعد الأمثال الشعبية من أبرز عناصر الثقافة الشعبية ومن أهم الموروثات السردية الشفهية فى الثقافة الشعبية, وتنبع أهميتها من سهولة تداولها وتناقلها عبر الأجيال، لبساطة تكوينها.

ولهذا السبب تحديدا تتغلغل فى معظم جوانب الحياة اليومية، وتعكس الأمثال المختلفة وتساهم فى تشكيل أنمـاط اتجاهات وقيم المجتمع.

فما هي الأمثال الدارجة في ثقافتنا التي تربط العار والخطيئة بالمرأة؟

حياة النساء محفوفة بخطر الوقوع في الخطأ

رغم أن الكتب السماوية تتجه في الحديث عن قيمة العفة للرجل والمرأة، إلا أن الأمثال الشعبية التي نستبطنها تعج بدلالات التمييز الجنسي تجاة المرأة ، فنجد مثلا صادما من قبيل “إن ماتت أختك اتستر عرضك”.

والقول هنا يخاطب الرجل الذي يعتبر في التقاليد الصانعة لهذه المقولات وليا على أخته، فطالما هي على قيد الحياة يبقى شرفه مهددا بأن يتلطخ وينتهك، فهي دائما على حافة الخطايا والكبائر.

والعرض والشرف في ثقافات الشرق لا يخص الفتاة وحدها، بل يمس أخاها وكل ذكر مسؤول عنها. لذا تعامل الأنثى على أنها بؤرة الخطيئة، وكأن الرجل معصوم منها، فتندر الأمثال التي قد يستدل به على اجتراحه لذات الموبقات.

المرأة في هذه التصورات مجبولة على الخطأ منذ الولادة، أما الرجل فرقيب وولي عليها يصحح كل خطأ تقترفه، وإن حدث و ماتت ارتاح من عبئها الثقيل.

ونجد هذا المثل الذي يؤكد ما تطرقنا إليه “دلل ابنك يغنيك، ودلل بنتك تخزيك” فالولد يجلب للخير، أما البنت فجلابة للخزي والعار وسواد الوجه وسوء العاقبة.

“هم البنات للممات”

صحيح أن الإسلام أنقذ الموؤودات، إلا أن الأمثال الشعبية تفننت في وئدهن أو تمني ذلك، فيقول المثل “اللي تموت بنيته من صفا نيته” و“البنت يا تسترها يا تقبرها”.

وعندما نتوقف عند ألفاظ الموت والستر والقبر يتيبن لنا أن هذا القتل للأنثى ليس قتلا روحيا، بل هو قتل لجسدها الموصوم بالعار في المخيال الشعبي، فهو مصدر شهوة الرجل ومصدر الغواية والرذيلة.

ولعل هذه الشهوة التي من أجلها يحدث الإغتصاب أو يعشش الكبت الجنسي جعلت هذا التدنيس للجسد يبدو واضحا تماما الوضوح في اللغة المستخدمة، ولك أن تتأمل في هذا المثل: “لبّس بتنك عباءة و دخلها بيت الضباع”، واضح هنا أن جسد المراة يمثل هاجسا في حد ذاته وليس خوفا على المرأة فقط، بل على إسم العائلة كلها.

فالعائلة التي تتعرض فتاة فيها للاغتصاب يتملك أفرادها شعور عارم بضعفهم وهوانهم وقلة حيلتهم. ولعل أكثر الأفراد قابلية للتعرض للأذى الجنسي هن النساء ،لذا قد يأخذ الخوف الدفين وهاجس العجز عن توفير الحماية حدا شديد التطرف حتى يصل إلى تمني الموت للبنت والأخت وابنتة العم.
يجب أن تكون عذراء مغمضة العينين

يقال في المرأة المطلقة: “الرجل لا يأكل فضلة غيره”، وهو من أبشع الأمثال الدارجة عن المرأة وبالذات المطلقة، يشبهها بالفضلات المنبوذة.

رغم أن الرجل يشرع لنفسه ممارسة العلاقة خارج إطار الزواج، يستنكر جدا أن يتزوج شخصا قد دخل هذا الإطار وخرج منه بطريقة شرعية أيضا. وليس هذا بغريب على رجل شرقي يطمح في زوجة تصغره بسنوات عديدة تفتقر إلى النضج، محدودة المعرفة، لا تكاد ترفع عينيها من الأرض. فيقول الرجل عن المرأة التي تبادله نفس النظرات “عينها مثل البقرة الهواشة”، أي أن في عنيها بريقا تُستشف منه الرغبة الجنسية.

بمعنى آخر، طلب الجنس أو شبهة ذلك وممارسته حتى في إطار شرعي ممنوع على المرأة، فإذا طلقت تركت منبوذة وغدت ممن قد يلحقن العار بهن وبأسرهن.

طبعا، لا يمكن تجاوز هذه الأمثال الشعبية وإلقاؤها ببساطة وراء ظهورنا، فهي مرآة لثقافتنا تختزن ما استبطنته من قيم ومفاهيم. لكن من المهم أن نبحث فيها ونتبين خلفيتها وتأثيرها في الذهنية الجماعية لمجتمعاتنا.

و لكن يبقى السؤال: من صنع هذه الأمثال المعادية للمرأة؟ هل الرجل وحده، أم أن للمرأة نفسها يدا في ذلك أيضا؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى