هناء احمد فارس - لحظة مغادرة..

مقدمة: يرحب بيت الموصل بالكاتبة والقاصة العراقية هناء أحمد فارس، ويود الإشارة إلى ان قصتها (لحظة مغادرة) قد نشرت في مواقع عدة وحازت على المرتبة الأولى في مسابقة (قصص على الهواء)، ويسرنا اعادة نشرها في موقعنا مرحبين باسهاماتها.

لا ادري ما بِيَ اليوم، وشعورُ الرغبة بمغادرة مكاني المعتاد يلازمني ويُلِحُّ علي، فرغم اني باقامتي الجبرية في هذا المكان اتمتع بكافة حقوقي وامتيازاتي الشخصية، ورغم الخدمة الممتازة التي تُقَدَّمُ اليَّ بانتظام، الا ان الاقامة الجبرية هي الاقامة الجبرية فلابد ان تنتهي مدتها لان الانسان بطبعه ملول، وانا لظرفي الخاص اشد مللا

ورغم ان ما اريد يصل اليَّ بكل سهولة والمكان واسع ومريح ويمكنني ان أُمَرِّنَ عضلاتِ رجلي ويدي ساعة اشاء الا اني ضجرت، واريد ان اغادر هذا المكان بسرعة، فان بضعة اشهر اعتبرها فترة كافية، لِتَمَلَّ مكانا اعتدت عليه وان تغادر مواقع أَلِفَتْهَا وتكررت رؤيتها لديك، لكل هذه الاسباب ولاسباب اخرى اضطررت في هذا الصباح الباكر ان اعلن عن رغبتي في مغادرة مقر اقامتي الجبرية ولغير عودة الى قيام الساعة، وهكذا صرت اتململ في وضعي وامدد اطرافي وألْوِي برقبتي وأُقَلِّصُ يدي وابسطهما لأعلن بَرَمِي المستفحل بهذا المكان ورغم كرم الضيافة التي لا يمكن ان انكرها والتراتيل القرآنية التي كنت اسمعها احيانا، بل بعض الاحيان كنت اسمع نغمات موسيقية هادئة تدل على ضائقة مستمعها ومستواه الثقافي والفني، لا تتصوروني جاحدا والعياذ بالله.

ولكن هناك امورا اخرى دفعتني للمطالبة والعمل على مغادرة مقري، فمنذ البارحة كانت هناك تقلصات عضلية تدفعني وتضايقني وتَقُضُّ مضجعي كل ثمان ساعات، ولو انها تتصاعد طرديا بتقدم ساعات الصباح بل انها اصبحت متقاربة كل اربع ساعات ثم تزايدت واصبح الفرق بين الساعات اقل والتقلصات اطول واكثر عددا واطول مدة فلكل هذا اني اتملل في موضعي وبدون جدوى اقاوم التقلصات، فقد وجدت نفسي اندفع تحت تاثيرها المتلاحق احاول ان اعدل من وضعيتي وأُلَمْلِمَ اطرافي، ربما بعد ان اخرج من هذا المكان سيصبح بامكاني ان اعتذرعن المضايقات التي تسببتُ بها الى اعز الناس وأرقهم وان اعوضها عن الأَرق الذي باتت فيه منذ ايام ،

فقط عندما ساراها، لا ادري كيف ساقبل يديها او ربما اطبع قبلتي على جبينها او خدها ، او ربما ستاخذني زحمة الناس المتجمعين حول سريري بعيدا عن يديها، او ربما ساستيقظ لاجدها ما زالت تحت تاثير التخدير العام، هكذا ساجد شخصا اخر يقوم برعايتي والاهتمام بشؤوني حتى تستيقظ اميرتي وحبيبتي النائمة، هانا احس بيدها تتلمسني وتربت على راسي، وانا بدوري ما زلت ارفس واتحرك بموضعي تحت تلك التقلصات العضلية المؤلمة، ولكن الان احس بيد اخرى يد معروقة تبدو لشخص كبير في السن واسمع تمتمات ادعية مقدسة تصلني الى موضعي من بعيد ، اعرف اني قد ازعجتهم برغبتي بالمغادرة وافزعتهم من اسرتهم ولكن هذا الامر ليس بيدي ولكن لاباس بعد قليل سوف تغمر وجهوههم الابتسامة، حين اصبح بينهم جسدا وصوتا وصراخا، لاباس اني قادم احاول ان انزلق من موضعي بكل الرقة التي اقدر عليها ولكن تلك التقلصات المزعجة تدفعني وتدفعني، اني اصل بل اقترب، يا الله ما اشقى هذه الساعات ،

عذرا حبيبتي لقد ارهقتك جدا، وازعجتك جدا ولكني ادرك منذ الان كم تحبييني وكم انا مشتاق لكي اكون بين يديك، حتما سنكون بمنتهى السعادة والهناءة، مهلا ما هذه الفوضى والاضطراب احس بحركة سريعة ترى هل سقطت ياحبيبتي وما دفعك لهذه الحركة السريعة ثم اه ما هذا الصوت الذي اصم اذني كم هو مزعج وما هذا الذي اسبح فيه الان لم يعد ذلك السائل الدافيء انه يتغير اصبح داميا وما هذا لماذا اظلمت الدنيا لم اعد ارى شيئا، لقد توقف القلب الذي كان يؤنس بدقاته الصمت من حولي ويتبادل الدقات مع قلبي، يا الهي لقد توقف قلب امي، اني اندفع بفعل الانفجار الى ارض المستشفى، متدليا من حبلي السري على بلاط المستشفى عاريا، لماذا لم يبتسم احد لمقدمي، انتبهت كانوا نائمين، لا بل هم ميتين ارى اشلاءَهم حولي، لم اميز وَجْهَيْ امي او جدتي بيدها المعروقة او اراها وهي تصلي لقد فجر مفخخ نفسه في المستشفى حيث كانت والدتي تنقل الى عملية قيصرية، ترى ما شكل الشارع في خارج المستشفى وكيف هو شكل ابي وما هو صوت امي وكم تحفظ جدتي من القصص، كل ذلك لم اشهده، والان لا استطيع ان اتحدث اكثر لان تنفسي بدأ يضيق شيئا فشيئا واطرافي تتنمل، واهدابي تثقل وتثقل هذا هو الموت يمد لي ذراعيه واخيرا ساذهب الى حضن امي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى