سلوى ياسين - الأنف

كَان يُقلبُ صفحات تلك الكُراسة التي أحتفظ بها منذ أيام الجَامعة و يرفعُ حاجبيه،. يَتصَفحُها و يَلتفت إليَّ في كلِّ مرةٍ وكأنهُ لا يصدق ما يراه. لاَ أحدَ بالطبعِ سَيُصدقُ أن فَتاة يُمكنها أنْ تقومَ بهذَا الجنون. أعْني أنْ تجمع تشكيلةً من الصُور لأجمل الأنوفِ في التَّاريخ، الذي ليس سوى تاريخها الشخصي. لأَنه لا أحَد بالتَّأكيد يَعرفُ شيئاً عن الطّـفلة التي مازالت قَابعةً هنا...وأنَا حتَّى هذا العُمر طِفلةٌ تتسلى بجَمع الغَرائب في كراسةٍ، وبشراءِ أشياءٍ ملونة.
أَخْبرته أنني أعرفُ الرجالَ الوسيمينَ و الأقوياء من أنُوفهم فَقط ، توقعتُ أن يتحسَسَ أنفَه بعد مَا قلتهُ لكنهُ لمْ يفْعل. هل تعرف؟ الأنفُ هو المقدمة التي تشرحُ كل شيء في نظري. إن الرجال الذين لديهم أنوف منحوتة خالية من أي شيء ، يمكن أن تكون متأكدا على أنهم مدللون، لم يفعلوا شيئا في طفولتهم سوى الإمساك بأيدي أمهاتهم و السير ببطء جنب السور. هم لم يدخلوا معارك خاسرة في طفولتهم و لم يسقطوا من أعلى شجرة و لم تخبش أرنبتهم قطة. هؤلاء من الأفضل ألا تتزوجهم امرأة، الأم ستكون هناك في الوسط و على الدوام لكي تحمي أنف ابنها. في الحقيقة، لِدَرجة هَوسي بهذه النظَرية قُمتُ بتجربةٍ خاصة جِدا. لقد ذهبت إلى أكثرِ مكانٍ ازدحاماً في مدينةٍ ساحلية تعودتُ أن أقضي بها العطلة. وبدأت أعدُّ الأنوفَ الرجاليةَ التي سوف تُعجبني من التاسعة صباحا حتى الواحدة ظهراً ، وقد لا أبالغ إذا قلتُ لك إنه من بين كل مئاتِ المارينَ الذينَ حذقتُ فيهم من خلفِ نظاراتي الشمسية هناكَ خمسة أو ستَّة ممن يستحقون أن تُطلقَ على العَجينة البارزة وسطَ وجوههِم مثلَ خطيئةِ "أَنفًا". أما باقي الرجال ، فلا تسمي أنوفهم سوى نهاية محبطة للقصبة الهوائية.
بداخلِ هذه الكراسة التي تتصفحها الآن وتضحكُ. جمعت ست أنوفٍ هي فِي نَظري الأفضلُ على الإِطْلاق في تاريخ الرجال الذين التقيتُ بِهم أو شاهدتهُم عَلى التلفاز أو على شاشاتِ السينما. و داخل سباق "Top6" هذا يأتِي أنفُ أبي في المُقدمةِ. لا أحدَ في تقديري يملكُ أنْفا مثل أنفِ أبي. فهو ليسَ دقيقا مثل أنوف الأشرارِ ولكنهُ يحْملُ انتفاخا لطِيفاً على الطَّرفين .إِنهُ ببساطة أنفٌ عريق، صَافٍ لا شوائب فيه ، ويقف في الوسط من وجهه بالميليمتر. كيف اشرحُ ذلك، إن أنفَ أبي امتدادٌ لشَعرِه ، شعرُه الذي كان يمشِّطه ُعلى الدَّوام إلى الوراء ويُلمِّعه ، أنت تعرفُ "ألآن دولون" الممثلِ الفرنسي المشهور تخَيله فقط بدون شعر، هل ستكون لأنفهِ نفسُ تلك الروعة، لا بالطبع. لذلك يؤخذُ الاثنان. ذلك هو أبي، يُؤخَذُ أنفهُ و شعْرُه معا ، إذا فرقتَ بينهما في الرؤيةِ يفسد كلاهما. ثم يمكنك أن ترى على لائحتي كذلك "أنف "خافيير بارديم" ، ذلك الممثل الاسباني الذي يبدو كمُلاكم متقاعد، أنفه أفطح صحيح، لكنهُ جميل و يَتوسط الوجه بِهيبةٍ و دُون تعقيد "
صديقاتي الثلاث يجدن هوسي بالأنوف الرجاليةِ مضحكا لدرجةِ أنهنَ يهمسن لي دائماً : "الأنف الذي يوجد على الوجه عند الرجل، ليس أهمَّ من الأنفِ الآخَر، ذلك الذي يتوسَّطُ السَاقيْن "
ثم يضْحكن مثل ساحرات "مَاكبث". الخبيثات ...
أمي تقول إن الأنفَ الجميل يُعرف من تلك العظمة التي تتوسط العينين، أما أنا فلا تهمني بتاتا تلك العظمة. الأنوف تعرف بنهاياتها، إذا هي نزلت من بينِ العينينِ حتىَّ الأرْنبة و مَرَّت الأمورُ بسلامٍ ، أقصِدُ دونَ أن تَجد فيهَا بثوراً أو آثارَ سقوطٍ أو ذِكرى لَكمةٍ مفاجِئةٍ ، و دون أن يكون المِنخَران قد انحَرفا بشكل مأساوي فالأنفُ يمكن أن يدخلَ موسوعتي الضيقة هذه التي لا يصل إليها أيُّ أنف، وأنا في هذا التصنيفِ لستُ عنصريةً بتاتا، "خُذْ عِندك رقم خمسَة مثلاً ، إنه أنفُ "بُوشْتَّى" عامل مطحنةِ القمح في المَدينة. لديهِ أنفٌ رائعٌ، المُشكلة أن غُبار الطَّحين الرقيق الذي كان يتناثرُ عليهِ طيلة اليوم يجعلهُ بعينين وحسب. أما الأنفُ المسكينْ فيختفي تحتَ البياضِ. حين كنت طفلةً، كنت أسميهِ الرجلَ الذِّي لا أنفَ لَه. و قد كَتبتُ تحتَ صورته كمَا ترى "The noseless man" .

في الحقيقةَ، كان" بوشتى" بدون فمٍ كَذلك وحتىَّ بدون شعر. الرجلُ كانَ غارقا حتى أذنيهِ في الملايين من ذَراتِ الطَّحين ويمكنكَ بالمناسبة أن تتَخيلَ حالةَ رئتَيْه من العمل لعَشراتِ السنواتِ في مطحنة القمح البئيسةِ تلك. لمْ أحظَ بشرفِ التَعرفِ على أَنفهِ سوى في يوم العيد ، أنفهُ لا يُرى إلاَّ في الأعْيادِ على كلِّ حال. وهوَ بِدونِ طحينٍ كانَ يشبهُ أنْفَ "جورج كلوني" تمامًا ، أَعنِي لو أنَّكَ أخذتَ الرجلَ و نظفتَهُ وضعت لهُ كريمات واقية، و دهنتهُ مثل رغيف ، ولم تحشره في هذه الماكينة القبيحَة ، لعَرفت أنهُ يمتلك أنفَ نجمٍ مشهورٍ يليق أن تتبعهُ كاميراتِ الباباراتزي أينما ذهب"...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى