نجيب محفوظ - النحس.. قصة قصيرة

حسن الدهشان تزوج ثلاث مرات من بنات الأسر. وفي كل مرة تموت الزوجة قبل أن تضع ما في بطنها. عُرف بعد ذلك بحسن النحس، ورسخ ذلك وانتشر عندما خطب فتاة رابعة ماتت في مدة خطوبتها. وغزاه شعور موحش يدعوه للهروب والانزواء والزهد في الدنيا. ونصحه أهله ألا يستسلم للهزيمة، وحرضوه على تحدي حظه، وقالوا له:

- العبرة بالخواتيم.

واستجاب الرجل فسعى مرة ومرتين ولكن الأبواب أغلقت دونه بإحكام. وخشوه وكأنه عزرائيل نفسه، رغم منزلة أسرته وميسور رزقه. وانزوى وحيدًا مهجورًا كارهًا للحياة، يمارس عمله بلا حماس ولا صديق له.

في ذلك الوقت انضمت سنبلة إلى خدم الدار كخادمة خاصة لأمه العجوز التي حدت الشيخوخة من نشاطها وحركتها. وكانت سنبلة تناهز البلوغ وغاية في القذارة والتعاسة، ولكن أم حسن أشفقت عليها من الضياع بعد وفاة أمها بياعة المخلل التي كانت موضع عطف الست أم حسن. وكعادتها مع الخادمات تعهدتها بالنظافة وقومتها بالعصا راغبة أن تجعل منها بنتًا مقبولة. ولم يكن من الممكن أن تحول البوصة إلى عروسة، ولكن الحياة دبت فيها وظهر لونها الحقيقي وتعلمت كيف تمشط شعرها ومضت تتعلم أشياء أهم.

ورغم خلوها من الجمال والجاذبية فقد تابعها حسن النحس باهتمام، وتلقى منها دفقة حرارة غريبة، ولما أشار إليها لبت دون تردد فأقبل نهما وانصرف وهو في غاية من القرف.

وتأمل كل ما مر به فهاله الشقاء إذ تمادى واستحكم، وقال:

- لا جمال ولا مال ولا خلق.

واستمرت العلاقة بينهما على فترات متباعدة. وشعر مع الوقت بأنها تتغير. لم تعد بلهاء النظرة، ولاح في عينيها ما يُشبه الحزن. وكأنها باتت تفهم لماذا يقبل ثم لماذا ينفر ويشمئز، شعر أنه ينكشف أمامها وحزن. ولما أشار إليها بعد ذلك لم تستجب ولاذت بحجرة الست الكبيرة. وقال بحنق:

- حتى الحشرة لا تخلو من كبرياء.

وأشعل الرفض ناره.

وتبين له أن أمه قد علمتها على مر الأيام أشياء كثيرة، بل ذهل لما عرف أنها أصبحت تصلي وتصوم..

ومرة أمسك بيديها وجذبها بالقوة فتملصت من يده وقالت:

- عندي من البؤس ما فيه الكفاية

وشعر بأنها بقولها عبرت عن ذاتها وذاته معا وقال:

- وعندي مثله، فلا غنى لأحدنا عن الآخر.
  • Like
التفاعلات: ميروسلاف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى