باسم المرعبي - بورخس في بغداد و المعجزة الأخيرة

المُعجزة الأخيرة

كانت الأشياء التي لم تصلها خيوط الشمس، بعدُ، في أماكنها، كالمعتاد، في هذه الساعة المبكرة من صباح المعسكر. كلّ شيء باقٍ كما وقعت عليه العينان قبل ساعات، إلا في مهجع الجنود. فما حدث لم يحدث من قبل ولن يحدث، إذ استفاق هؤلاء على أنفسهم أطفالاً في سنّ الرَّضاعة، وكل الأسلحة وأدوات القتال الأخرى قد استحالت الى لعب أطفال. مَن كانوا جنوداً، هم الآن أطفالٌ لا تحتفظ ذاكراتهم الصغيرة بسوى دفء صدور امهاتهم. معجزة السلام التي لم يكن ينتظرها أحد، هاهي تلوح. لم ينجُ من مصير الطفولة هذا سوى القائد، فقد كان في مهجعه الخاص، وما ان عرف بالمفاجأة، المعجزة المقلوبة بالنسبة له، حتى حرص على أن لا يصل الخبر الى معسكر العدو، الذي كان يعاني من ذات ظاهرة عودة الجنود أطفالاً. اتصل قائدا المعسكرين، هلِعين، بقياداتهم العليا. التي اتخذت القرار ذاته. وكأنهم كانوا على اتفاق: استدعاء امهات الجنود ـ الأطفال للعناية بهم، وتأجيل الحرب عشرين عاماً قادمة.
معجزة السلام قد حلّت، حتى لو مؤقتاً.

20ـ6ـ2016



بورخس في بغداد

صادفتُ، أوائل الثمانينات، خورخي لويس بورخس، في شارع الرشيد، محتمياً بأحد أعمدته، وقد خرج للتو من المقهى البرازيلية. كان متردداً في عبور الشارع، فأخذتُ بيده، سألته ونحن نخطو باتجاه بناية البريد المركزي، ما الذي أتى بك الى هنا والبلاد في حرب، أجابني، لا يهمّ، فأنا من سلالة محاربين، جئتُ باحثاً عن هارون الرشيد. كانت معي نسخة من ملحمة كلكامش، كنت قد اشتريتها من مكتبة على بعد خطوات من المقهى، وضعتها في يده، وتركته في متاهة بغداد.

3ـ4ـ2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى