عزة بدر - " صباح الجمال "

ألتمس بطرف الملعقة رغوة عامرة بالكاكاو فتلتذ القشدة، ويصفو اللبن

ألتقط ذرات من العطر فوَّحت فجأة، ولم يدركها أحد سواى
أعانق شالى، ونظارتى، وكتابى فى ساعة صفو حيث كل شىء لى وحدى.. خيالى.. مخاوفى.. أحلامى. وآمالى التى قال عنها أحدهم: «منذ أن تخليت عن كل أمل بدأت أشعر بتحسن عظيم " ! .
أطالع وجهك فى مرآتى مثل وردة ليست لى، وأهمس مثل «صمويل بيكيت»: «يا للصحراء الموحشة، والاتهامات المتبادلة التى يدعوها الإنسان حبا " !

أمر على «جروبى» أمر على «ريش» وعلى كل مقاهى وسط البلد لأترك لك فى كل مقهى رسالة: «لا تَبع قلبك أبدًا بثمن بخس، لا تعرضه على النسوة العابرات فى علبة من قطيفة، لا تدفع ثمن قهوتهن المحلاة بالسُكَّر والدمع.. لا تطعمهن من لحمى قطع الجاتوه التى شكلت عدة أهرامات من الكرز والشيكولاه .
لا تفتح أمامهن حافظتك التى صنعتها لك من جلدى، لا تفتح أزرارها التى خطتها لك بحبات عينى، لا تلق على النُضد بآخر ما تبقى معك منى ! , احتفظ بما تبقى من عناقيد عنبى فما تنثره عليهن وتغدقه بلا حساب يسير بحدائقك نحو الصحارى، وبقلبى إلى لجة السراب، ويختطف آخر مالك من عصافير وكروانات عندى، كانت كلها حتى الأمس تغنى، واليوم تكتمت أصواتها لتترنم بصمتها فى فضاء رحب تحاكى بلاغة صمتى
لماذا ربطتَ فى شجرتى خيطًا لتعود، لماذا ربطت فى شجرتى خيطا لأفي؟.. لم أربط فى شجرتك أى خيوط لتعود أو لتفى .
تفرد قلبك ملاءة لكل النساء، أكياس قمح تنثرها لكل يمامة غيرى، مناديل حرير تبذلها لكل دمعة تُغرى! ثم تهمسُ لى: صباح الجمال
تبتسم وأنت تُلقى بوعودك كما لو كنتَ تنهى آخر لمسة لرباط عنق، وتضع آخر وردة فى عروة، ثم تضع على رأسى نصف إكليل من شوك، وترسم اللمسات الأخيرة على ورقة بيضاء، وعَقَدٍ أبيض، وسطور بيضاء! يضع البحر خاتم إصبعه بصمة، ولم يُشهِّد الأمواج عليها، لم يموهها الماء ولا الملح، ولم تمر على شفة الصدف، ولا على أسنان السمكات ! .
تهمس بالصفقة وكل أطرافها أنا وأنا وأنا ! .
....أمهرها بكل إمضاء لى، أمهرها ببصمات قلبى، وأحمر شفاهى توقيعا على بياض ساطع . - أحبك
أنتظرك فى الحضور، وفى الغياب، وفى الحضور أكثر من الغياب، فى غابات الوقت، وساحات الشوق، وفى لحظات الغرق التى لن تمد لى فيها يدا و لاطوق نجاة .
أنتظرك لتغدر بى غدرًا لم تشهده امرأة ولم تعرفه سمكة فى صنارة، ولا سيل من السمكات بين أضلاع شبكة، أنتظرك لتضع لحكايتى نهاية مناسبة!، مربعا كاملا من الوحدة والزهر وأكاليل الليل التى لا تنبتُ إلا شوكًا
أنتظرك لتمرر على عنقى الطوق نفسه الذى مَرَّ على عنق القديسين، طوقًا من حديد، أعانقه بلهفة، وأهمس: يا له من جميل.. طوق الياسمين .

تشخلل النساء بخلاخيلهن، بوحدتهن المُطعمة بالأسى، بما فعله العاشقون الذين تخلوا عنهن ببساطة كمتاع زائد عن الحد، واكتفوا بتجديد العهد لتفاحة بأسنان نهمة، وأعصاب لهفى لعناق الفراق تفاحة أقبضها من إثر يديك، وأُقبِّلها من إثر فمك، وأسألها دائمًا : لماذا هو الحب عنك آكل ومأكول ؟
.. لماذا هو الحب عندك صياد وسمكة؟ وهل بإمكاننا يومًا أن نغيَّره أو نتغيَّر؟
فمك كورقة النعناع على وجه الكأس مفعمة بالشاى والثلج , فمك يهمس :
- سأتغير
فأبذل لك عدة كئوس من رجفة ودمع , أقبِّل ورقة النعناع وأضعها فى مكانها على وجه الكأس فما مشوقا وأهمس بدورى :
أحبك كما أنت لأنى أعرف تماما أننى أنا التى سأتغير .

الدكتورة عزة بدر
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى