نور الجندلي - لم أعد وحيدة!.. قصة قصيرة

اكتشفتُ مشكلتي اليوم عندما أتت إليّ طالبتي المتفوقة ريما، بين يديها طاقة ورود كبيرة، وقدّمتها لي هديّة، وقالت.. أنتِ جميلة يا معلمتي!

وقفتُ دقيقة صامتة، ذاهلةً عن نفسي، هل تراني حقاً جميلة؟ وازداد عبوسي.. لم أشكرها حتى.. بقيتُ غارقة في أفكاري..

أولُ مرّة أتنبّهُ لقبحها، وهي تتربّعُ بحرّية كبيرة على جبيني، تحتلُّ منه مكاناً بارزاً ينفّرُ الناسَ مني، وقد كنتُ في الأيامِ السالفة أظنُّها من سماتِ الهيبة والقوة في شخصي، لكن.. وللأسف، هي في الحقيقة من أكبر معالمِ ضعفي..

الآن عرفتُ لم بقيتُ طيلة هذه السنواتِ في مدرستي وحيدة، (المعلمة وحيدة)! بهذا اللقب كنتُ أترنم بحزن بيني وبين نفسي..

الآن عرفتُ لِمَ لَمْ أكوّن صداقاتٍ، ولَمْ أحظَ بشعبيّة رغمَ نشاطي وقوة شخصيتي..

ليسَ السبب غيرة المعلماتِ من نجاحاتي، ولا انعدامَ الذوقِ عند الطالباتِ!

إنه عبوسي الدائم، واختفاء ابتسامتي..

اكتشفتُ مشكلتي اليوم عندما أتت إليّ طالبتي المتفوقة ريما، بين يديها طاقة ورود كبيرة، وقدّمتها لي هديّة، وقالت.. أنتِ جميلة يا معلمتي!

وقفتُ دقيقة صامتة، ذاهلةً عن نفسي، هل تراني حقاً جميلة؟ وازداد عبوسي.. لم أشكرها حتى.. بقيتُ غارقة في أفكاري..

أيقظني منها جسم صغير يشدني من ثوبي..

آه.. إنها ليلى في الصفّ الأول، ماذا تريد!

ماذا تريدين يا بنيتي؟

قالت غاضبة:

- لم عبستِ في وجه ريما؟ لقد كانت ورودها جميلة! هل أنتِ غاضبة منها؟ لقد قطفت لك الورود بنفسها.... لأنها تحبك!

ما أقساها من صفعة! تلك التي تلقيتها على يد تلكَ الصغيرة..

لملمتُ آلامي، وقد تضخمت في داخلي إلى حدٍّ غير معقول..

عدتُ إلى بيتي.. إلى غرفتي.. إلى مرآتي..

نظرتُ إلى العقدة، تحسستها، إنها بارزة، متمردة على كلّ شيء..

إنها تنطق، نعم تنطق، بآلام تجرعتها في طفولتي، بأحزاني، بوحدتي..

ولكن إلى متى ستنتصرُ عليّ وتفرضُ نفسها، إلى متى تنفر الناس مني؟!

سأمسحها من قلبي أولاً، ومن وجهي آخراً، ومن ذاكرة الناس أيضاً..

سأخفيها، سأسجنها كما سجنتني..

لِمَ لا أستبدلها ببسمة؟ ولدي قلب نابضٌ بالحبِّ، دافئ كشمسِ نيسان، لِمَ لا أفتحهُ فأحِبُّ وأُحَبُّ؟

ليتَ كلّ الطالبات كنَّ ريما...كي يرينني بعيون القلب..

بكيتُ ليلتها بأسى كما لم أبكِ من قبل..

طلعت شمس الصباح، لتجفف بقايا دموعٍ خلفتها الليلة الماضية..

أوّلُ مرَّة ألحظ جمال الشروق.. وأتوسم في المستقبل جمال الحياة..

هرولتُ باسمة - أخيراً - إلى مدرستي، إلى طالباتي، إلى ريما ناديتها، عانقتها بحبٍّ وشكرتها..

نظرتُ في عينيها، لقد كانت تبتسم بفرح..

والأهم.. لم تلحظ العقدة.. لم تحدّق بها..

لا بد وأنها زالت..

وأنا.............

لم أعُد وحيدة!



---------------------------
* من مجموعة: بريق في داخلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى