محمد المخزنجي - ابتسامة أم كيسنجر الأخيرة.. قصة قصيرة

ماتت أم كيسنجر فى صباح شتوى هادئ، فتذاكر الناس اسمها القديم «أم الثمانية» إذ تصاعد من البيت المتراكب بعشوائية، إضافة لصراخ النسوة وبكاء الأطفال، جؤار وإجهاش ثمانية رجال عمالقة، بينهما توءمان، وجميعهم ذوو أجسام وفيرة وعظام عريضة مثلها.

الأمر المؤكد أن وجهها الكهل المحاط بكشة الشعر الأبيض كان يحمل ضحكة واسعة، بلا صوت، عندما ظهر إذ انحلت ربطة الكفن فوق الرأس وتزحزح الجسد خارجا، حتى العنق، من فوهة القماش. ويبدو أن ذلك الخروج الضاحك قد سبق مباشرة، أو قبل حين، انفصال غطاء النعش وانزياحه، ثم سقوطه عن ظهر العربة التى كانت تطاردها وتتابعها المدينة.. كل المدينة.

ماتت أم كيسنجر فى صباح شتوى هادئ، فتذاكر الناس اسمها القديم «أم الثمانية» إذ تصاعد من البيت المتراكب بعشوائية، إضافة لصراخ النسوة وبكاء الأطفال، جؤار وإجهاش ثمانية رجال عمالقة، بينهما توءمان، وجميعهم ذوو أجسام وفيرة وعظام عريضة مثلها. ثمانية رجال كانوا ظاهرة الحى، وربما المدينة كلها، بنوا بيتهم بأياديهم، طوبة على طوبة، وغرفة فوق غرفة، دون تخطيط ولا توقف، كأنهم أولاد صغار منهمكون فى لعبة تشغفهم. كان بيتا كبيرا، ركيك الهيئة نعم، لكنه شديد المتانة، مبنى من الطوب الأحمر والخرسانة، وله فناء فسيح به عربتا كارو ودراجات هوائية ونارية وسيارة خليط من الجيب ونصف النقل يدوية الصنع تامة التكوين يلمع طلاؤها الأحمر الميتاليك الزاهى، وفى ظهر الفناء كانت هناك حظيرة بها حمار أبيض فتى وحصان عجوز بنى اللون. كل وسائل الركوب المعروفة فى شوارع هذه المدينة كانت منها عينات فى هذا البيت، لهذا كان أهل الحى يطلقون على البيت وسكانه اسم «سلاح المركبات»!.

جذور سلاح المركبات هذا كانت تعود إلى عربة كارو وحصان امتلكهما الأب الذى كان عربجيا أصيلا بالوراثة، ثم جاء أولاده من بعده لتجتاحهم حمى التحديث، فتبنى اثنان منهم الدراجات الهوائية وصارا عجلاتيه، بينما اتجه ثلاثة إلى الدراجات النارية يؤجرونها ويصلحونها، وولع الأخوان التوءمان بين الثمانية بميكانيكا السيارات التى برعا فيها إلى حد تركيب سيارات كاملة من قطع الحديد الخردة والمحركات القديمة. سيارات، صحيح أنها مسوخ «تشبه فرنكشتاين»، كما وصفها همسا أحد أبناء الحى المتأنقين المواظبين على مشاهدة الأفلام الأفرنجية، لكنها سيـارات، ومن لا شىء. أما الابن الأصغر، وهو لا يقل عن إخوته الأكبر فى الضخامة، فقد أصابه داء الحنين إلى مهنة أبيه وأجداده فصار عربجيا، لكن على أول الدرجات، إذ اكتفى أن يبدأ بحمار وعربة كارو صغيرة، خاصة أن الحصان البنى العجوز الذى تركه له والده عند تقاعده كان أضعف من مواجهة أعباء العصر ومجاراة حماسة الشباب. هذا الابن هو الذى حمل اسم: «كيسنجر» ومنح أمه آخر ألقابها: «أم كيسنجر».

قبل أن يحل عليه الاسم الجديد كان اسمه «جمعة»، وكان شرانيا وطريفا وهو يجلس بجرمة العفى الضخم على مقدم العربة الصغيرة التى يشدها الحمار الأبيض الرمادى، وكثيرا ما كان رأس الحربة فى المجابهات التى يخوضها الأشقاء الثمانية، مجتمعين، مع فتوات الأحياء المجاورة، مجتمعين أيضا.. تحدث المناوشة مع جمعة، فيرسل فى طلب أشقائه، ويخرج سلاح المركبات بكامل عتاده.. على الدراجات والموتوسيكلات وفى سيارة أو سيارتين، إن وجدتا، وتعلو قضبان الحديد والعصى الغليظة وتلمع السيوف والسنج وتصلصل الجنازير والسلاسل الفولاذية، يكون ضرب ودم لكنه لا يصل أبدا إلى حد القتل، فالقتل خط أحمر لا يعبره المتعاركون أبدا، فبطريقة ما، لا شعورية، غامضة، تتوقف ضرباتهم الجنونية عند حد أقصى، لا مرئى، ومحسوب بدقة عبقرية من اللاوعى الجمعى الشعبى، فلا تقع جريمة قتل، ولم تقع جريمة قتل واحدة برغم كثرة المعارك واشتداد أوارها. معارك مشهودة، صارت التاريخ المروى لحارات المدينة وشوارعها وأحيائها الشعبية، لكن وهج هذا التاريخ خبا بتسارع عندما وقع فى الهوى جمعة..

ـ ـ ـ ـ ـ

اشتعلت فى الحارة قصة حب نارية تخللتها تسللات عشق تحت جنح الظلام، وأشواط ردح نهارية بين أم البنت وأم الثمانية، ثم وقعت معركة واسعة بين سلاح المركبات كله، حتى الأم والأب، مع أهل البنت الذين تم استدعاؤهم على وجه السرعة، وحتى أبعد الأقارب، من الأحياء المجاورة، وبكامل بكامل أسلحتهم غير النارية. وبعد الموقعة كانت هناك وساطة أولاد الحلال، ولقاء، فاتفاق.. وتزوج جمعة.

انقلب حال جمعة، صار عاشقا فى النور، يخرج على ظهر عربته الكارو نظيفا مستحما ممشطا شعره، وفى ثياب الفسحة دائما، بل إن حماره والعربة نالهما الكثير من العناية والتزويق.. أشاير ملونة وخلاخيل وأجراس للحمار، وللعربة دهان جديد أخضر زرعى ورسوم ملونة لزهور وفواكه وأغصان تغطى حتى العجلات، بينما على الحواف والجوانب تواصلت المأثورات: «يا ناس يا شر كفاية قر»، «ما تبصليش بعين ردية كفاية اللى اتصرف عليه»، «القلب يعشق كل جميل»، «سكة السلامة يا حلو». أما أبرز تبدلات جمعة، فكانت شوقه الدائم للعودة إلى البيت.. يخرج ليؤدى عملا، أو لا يؤدى، أبدا لا يغيب ساعة حتى يعود، ويلاحظ ذهابه وإيابه أهل الشارع إذ تزفه خلاخيل وأجراس حماره وعربته المزوقة. وفى مرة من مرات الذهاب والإياب المتلاحقة نظر إليه شيخ ضحوك من أهل الحارة، كان مزواجا بلحية وكرش عظيمين وتهكمات لا تنقطع، غمز بعينه مومئا إلى جمعة، وأطلقها: «هأ..هاء … كيسنجر»!.

كان كيسنجر اسما ذائعا آنذاك وهو يذهب ويعود إلى المنطقة فى رحلاته المكوكية المعروفة تلك، والتقط أولاد الشارع الاسم فتحول جمعة إلى: «جمعة كيسنجر»، ثم اختزل إلى «كيسنجر» فقط، وقد احنقه الاسم فى بداية الأمر، وكاد يؤدى إلى معركة كبيرة من معارك سلاح المركبات الغابرة، لكن جمعة عندما عرف أن «كيسنجر» اسم لوزير كبير، وأمريكانى أيضا، قبل الاسم، وبه زها، بل مرر فى تسامح وإغضاء لين أن ينتقل الاسم إلى أمه لتصير: «أم كيسنجر».

ـ ـ ـ ـ ـ ـ

ماتت أم كيسنجر فجأة بعد وقت قصير من مرض خاطف، وقيل إنها تسممت من جرح أصابها عندما كانت تصلح دراجة من دراجات ابنيها «العجلاتية»، إذ كانا مزحومين بالعمل فأرادت أن تساعدهما وحدث ما حدث.. دخلت يدها اليسرى سهوا بين أسنان طارة البدال والجنزير وهى تدير بيمناها القوية بدال العجلة المقلوبة فى وضع الاختبار، فانطبعت راحتها الكبيرة بسلسلة من الحفر العميقة التى خلفتها عشرة أسنان معدنية مسنونة غاصت عميقا فى اللحم الحى، لم تنزف إلا قليلا، وقيل إن الضمادة التى صنعتها من خرقة بالية التقطتها من الأرض قرب حظيرة الحمار والحصان كانت سبب مرضها. اندمل الجرح بسرعة خارقة أنجزها الجسد المتين، لكن الميكروب الآتى من أثر البهيمتين ظل مختبئا تحت الندوب، وسرى فى دمها حتى قمة الرأس. سخنت قليلا، وهلوست لحظات، ثم انتفضت متشنجة، وماتت. وصعق الموت أبناءها الذين لم يعرف الموت ولا المرض بيتهم من قبل، فانهاروا على جثمانها المديد فى بكاء رجالى حارق، بكاء ثمانية عماليق هز البيت العشوائى الكبير المتين، وهز الشارع، والحى كله، ثم هدأ بكاؤهم عندما راحوا يفكرون فيما يعقب الموت؟.

اكتشف الثمانية من سلاح المركبات أن أمهم، التى ورثوا العملقة عنها، ثقيلة يصعب حملها على الطريق الطويلة إلى المقابر خارج المدينة، وكانت فكرة جلب سيارة إسعاف تقتضى منهم الدخول فى إجراءات معقدة لم يألفوها، أما سيارات نقل الموتى السوداء فكانت فكرة مرعبة لثمانية رجال ضخام ذوى فطرة بسيطة. وفى هذا اللغط لمعت فكرة بديعة فى رأس التوءمين الميكانيكيين: أن يحملا نعش الأم فى صندوق العربة الخليط من الجيب ونصف النقل التى انتهيا من تكوينها وطلائها للتو، سيارة جديدة تلمع نواكلها جديرة بنعش أمهما العزيزة، وتصنع ما يضاهى جنازات العظماء إذا تحركت ببطء والمشيعون يمشون وراءها منكسى الرءوس فى حزن وسكون، بينما الموتوسيكلات الأربعة الموجودة فى البيت تحف بجانبى الجنازة!.

نالت الفكرة تأييد سلاح المركبات كله، وتم استبعاد الموتوسيكلات نظرا للضجة غير الجليلة التى تصدر عن محركاتها، ورائحة دخان الديزل الكريهة التى كانت تنفثها فى الهواء.

ركبت أم كيسنجر أولا عندما استقر نصف نعشها الطويل فى صندوق السيارة الجيب نصف النقل، وظل نصف النعش الباقى بارزا من مؤخر السيارة، ثم تهيأ الابنان التوءمان للركوب بعد أن تأكدا من ثبات النعش إذ كان النصف البارز والمعلق فى الهواء هو النصف الأخف المحتوى على الساقين. كانا يتفاهمان كأنما بالتخاطر ودون تبادل كلمة واحدة. صعدا إلى السيارة المكشوفة فى صمت، كل من جهة. استقر أحدهما وراء عجلة القيادة والآخر إلى جواره، وسار موكب الجنازة منسابا ينتظم فيه أهل الشارع بهدوء يليق بحزن المناسبة، الرجال أولا والنساء وراءه ثم العيال يرفون هنا وهناك وعلى الجانبين. كان موكبا طريفا بطلعته الميكانيكية وجسمه وذيله المكون من أبناء الحارة ونسائها وعيالها فى أسمالهم المتواضعة، ومع ذلك كانت حركة المرور تتوقف، وتنفسح الشوارع، ويصمت الناس وقوفا على الأرصفة ليواصل موكب الجنازة سيره.

بدت الشوارع فى ضوء الضحى الساطع واسعة كما لم يعتدها الأخوان أبدا، بدت طازجة وجميلة كأنهما لم يرياها من قبل. وفى شارع الكورنيش بدأ العالم أجمل ما يكون إذ تتجاور البيوت البيضاء على امتداد قوس النهر. لاح النيل الرقراق بضفافه الخضر نعيما للبصر، وتذكر الابن خلف عجلة القيادة أمه النائمة فى صمت وراءه، فأجهش.. أخذ يرتج فى بكائه حتى أن السيارة المبطئة كانت ترتج معه، ومع ارتجاجه انفجر توءمه يبكى كأنهما تخاطرا بسر هذا البكاء. لقد اكتشفا معا أن أمهما ربما لم تتمشى فى شارع الكورنيش منذ عشرين أو ثلاثين سنة، لم تر النيل ولا الفلايك السابحة على صفحته ولا طيور النهر المحلقة فوقه ولا الأشجار الوارفة والنخيل العالى على ضفتيه، بل منذ عشرين أو ثلاثين سنة توشك أن تكون ما غادرت الحارة أبدا، بل لم تغادر عتبة بيتها ذاته. كيف حدث هذا؟! كيف تصور الثمانية أنهم إذ يحضرون إليها كل احتياجات البيت يخدمونها، لم يدركوا أبدا أنهم يحرمونها من رؤية الدنيا الواسعة خارج الحارة على مقربة خطوات، كانوا يسجنونها، وهى تؤدى فى سجنها عملا بحجم الأشغال الشاقة لأبنائها المولعين بالدرجات، والموتوسيكلات، والسيارات، والعربات، والخيول، والحمير. «احنا حمير» قالها التوءم خلف عجلة القيادة وهو ينشج منتفضا. وجاوبه توءمه إلى جواره كأنه رجع الصدى الناشج المنتفض: «أيوه حمير».

ـ ـ ـ ـ ـ

كانت الجنازة تقطع شارع الكورنيش لتعبر الجسر إلى الضفة الأخرى حيث توجد المقابر، وبدا اقتراب المقابر قابضا يعصر قلبى الأخوين بقبضة خرساء بليدة. كيف يدفنانها وهى مدفونة منذ عشرين أو ثلاثين سنة؟ أين كانوا وهم رجال طوال وعراض؟ طوال وعراض وبلا مخ ولا روح. أمخاخهم ظلت محشوة بالدراجات والعربات والسيارات والخيول والحمير. وأرواحهم ظلت تركبها المركبات. «حمير». «حمير»، عاد التوأمان يشتمان نفسيهما. كز الجالس وراء عجلة القيادة على أسنانه وهو يقبض عنيفا على المقود كأنه يريد انتزاعه، وضرب شقيقه على حافة الباب إلى جواره كأنه يريد تحطيمه، وفى لحظة واحدة خاطفة نظر كل منهما فى عين الآخر، واتخذا القرار فى صمت.

انطلقت السيارة حاملة النعش بسرعة خاطفة، كأنها ستطير، فعفرت المشيعين وراءها، وخلفتهم فى اضطراب وحيرة. بلغت نهاية الجسر ودارت لتعود فى الاتجاه المضاد، على الجسر مرة أخرى. كان المشيعون قد انتشروا فى اضطرابهم، سادين الطريق، وأخذوا يشيرون إلى السيارة لعلها تبطئ ليفهموا ماذا يحدث، لكن السيارة كانت منطلقة كالسهم، فأخذوا يفرون بعيدا عن طريقها مذعورين، وهى لا تلوى، مندفعة فى مسار حدده التوءمان دون أن يتبادلا كلمة.. سيعودان بها إلى شارع الكورنيش لتمر به من أوله إلى آخره، وشارع المحافظة، وشارع الاستاد، وطريق المزارع، والشارع التجارى، والضاحية الجديدة. سيجعلانها قبل دفنها ترى الدنيا التى حرمت من رؤيتها وهى حية.

راحت السيارة تمرق فى الشوارع مثل سهم طائر.. لا تعبأ بإشارات ولا اتجاهات، ولا تفرق بين طريق للمشاة وآخر للسيارات، ليس فقط لأن التوءمين لم يكونا يعرفان ذلك، فهما يعرفان السيارات ولا يعرفان الطريق، لكن لأنهما كانا يبكيان وهما ينطلقان، يريان روعة الشوارع فيبكيان حظ أمهما القليل، ويريان الأحياء فى الطرقات فيبكيان موت أمهما مزيدا.

بدا الأمر من خارج سيارة الشقيقين محض جنون.. سيارة مجنونة تختطف نعشا وتسرع به فتثير الاضطراب فى الشوارع! اشتد عواء سيارات الشرطة، وجؤار الدراجات النارية لشرطة المرور، واشتعلت المطاردة.

ـ ـ ـ ـ ـ

لم يدرك الأخوان ما هو مطلوب منهما عندما أسرعت خلفهما سيارة الشرطة العاوية، ولم يدركا إشارات راكبى موتوسيكلات شرطة المرور عندما اندفعوا بمحاذاة سيارتهما. لم يسمعا فى ضوضاء كل هذه المركبات صيحات عساكر المرور، ولا نداء شرطة النجدة فى مكبرات الصوت التى تلاحقهما. فقط أحسا بالفزع، وفزعا يفلتان بأمهما، فطار صواب الشوارع أكثر. جُنّت السيارة وجُنّت سيارات النجدة التى تكاثرت وجُنّت دراجات المرور النارية والتصق الناس ذعرا بالحيطان وأطلوا من الشرفات والنوافذ ومداخل المحال والحوانيت والعمارات.

وفى الدوران الضيق لميدان محطة القطارات كادت سيارة التوءمين تنقلب وهى تقطع قوس الطريق عائمة على عجلتين، فطار غطاء النعش. وعندما انهبدت السيارة عائدة إلى وضعها الطبيعى، انهبدت الأم فى كفنها وكانت الارتجاجات قد حلحلت الرباط فوق رأسها، ثم قفزت رأسها مطلة من فوهة الكفن مع ارتطامة مفاجئة للسيارة بعمود إنارة لم يستطع الأخوان تفاديه. توقفت السيارة التى أسرعت تطوقها عشرات سيارات وموتوسيكلات الشرطة، وهبط التوءمان ملتفتين بكل جوارحهما لنعش الأم فى صندوق الجيب نصف نقل، ورأياها تضحك.. ضحكتها هذه التى بلا صوت، والتى أذهلتهما حتى أنهما استسلما للشرطة دون ذرة خوف، رافعين أيديهما وهما يهمسان معا بارتياح: «الحمد لله يا رب.. ودّعت فرحانة».

ـ ـ ـ ـ ـ

لم يتنازلا عن ذلك الإحساس بالرضا وأداء الواجب أبدا، حتى أنه عندما حاول طالب طب صغير من أبناء الحى أن يشرح لهما أن هذه الضحكة لم تكن أبدا ضحكة، بل مجرد تقلص ميكانيكى لعضلات الفكين بسبب الإصابة بميكروب التيتانوس تسمى «تريزمس»! اشتعل الأخوان جنونا وأوشكا على الفتك بطالب الطب، لولا تدخل الناس، وتراجعه العلنى عن سابق أقواله، إذ راح يقر وهو مخنوق بطوق قميصه ومعلق فى الهواء بين يدى العملاقين: «أنا غلطان.. غلطان»، فأفلتاه وهما يرددان معا فى ازدراء «روح روح.. قال ضحكة مكانيكية قال»، ثم تنهدا معا تنهيدة هائلة، ومعا أغمضا أعينهما وهما يطلقان، كقاطرتين، زفرة راحة وخلاص.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى