ياسر عبد الباقي - الرجل الذي خدع كرسيه.. قصة قصيرة

يتململ هو , يتأرجح الكرسي من تحته , كأنهما لا يتفقان , وقف فجأة يحدق بالكرسي , ثم راح يقلبه , عاد وجلس عليه , اهتز الكرسي من تحته , قام منه , وحمله إلى أعلى وراح يهزه .
كنت أراقبه , واكتشفت أن العشرات من الناس تراقبه , قال احدهم لزميله :
إنه مجنون .
أجابه زميله بمرارة :
لا .. نحن المجانين !!
وقال زميله بدهشة أكبر :
لماذا يحمل الكرسي هكذا ويهزه ؟!
أجابه زميله بمرارة أكبر :
إنه يحملنا ويؤدبنا !!
تركتهما وهما يتحدثان أحدهم بدهشته والأخر بمرارته .
شاهدت جاري يركض وفوق رأسه تحوم غربان غاضبه , فكان يهشها بكشيدته تارة يقذفها بالحجارة تارة أخرى.
قال سائق التاكسي متذمراً من العسكر وهم على الجولات والشوارع :
انظروا لقد عادوا من جديد.. ما حاجتنا بهم.
قال أحد الركاب ساخراً معلقاً على حديث السائق : أنها قمة الاحتياجات الخاصة !!
قبل أن ألج البيت شاهدت الغربان مازالت تحوم حول بيت جاري, وغربان أربعة ميتة تتدلى من على شجرة.
قال لي أبي وهو يتصفح جريدته اليومية : انظر 87 % يريدون هذا الرجل .. إنه الرجل الواحد .
قبل أن أغادر البيت كان صوت أبي يلحقني: لقد صوت أنت لهذا الرجل.. الخمسة مليون توقيع.
الكل اليوم يثرثر , سيبقى فمي محكوماً بالصمت .
مئات من الناس حول الرجل وكرسيه , بدا كأنه يتصارع معه . جاري شاهدته متنكراً متخفياً من الغربان.
وضع الرجل قدمه على كرسيه وبدأ كمن يفكر .
سمعت رجلاً بسيطاً يدندن :
(( .... ليس كرسي القصر
لا تحوم حوله الشباك ، ولا يدور حوله الشك
لا تحرسه الدبابات ولا تذهب معه الرؤوس
لأنه كائن رائع الطلعة يقبع بين التماثيل ... ))
فجأة شاهدنا الرجل يرمي الكرسي ويحطمه وثمَ يسحقه بقدمه , ويضع بدلاً منه كرسياً أخر أكثر متانة ليس أكثر منه متانة .
علق الرجل الضخم ساخراً : نحن أمة نغير الكرسي . ولا نتغير ..
وتفرق الناس وهم يدندنون:
(( ليس الكرسي = العرش
وليس الكرسي الحربة
الكرسي الصرف)).


* ما بين القوسين للشاعر مبارك سالمين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى