إبراهيم عطية - ثوار الأسمنت

الميدان ساعة تغسل الوقت من عفار السرفيس والضوضاء.
وثوار الأسمنت خرجوا مع الناس. تماثيل الجرانيت المصلوبة تضاءلت أقزاما. انصهرت شمس الظهيرة علي الأسفلت الأسود.

ماذا أقول عن الحب إن غابت ياسمين عن سمائي..؟
أقابلها في بلورة الحظ. والأبراج في صفحة الجرائد الصباحية
تهمس عرافة البرنامج التليفزيوني "حظك اليوم"..
سوف يرق القلب. وتضحك الأشجار. ويكسو ظلك شراب الرغبة".
ينكشف حجاب البصر في شارع الكورنيش. هيأت الرؤيا..

وافترشت سجاجيد الأحلام طيورا للأمنيات البعيدة
توسدت شط "بحر مويس"
وتفتحت ورود الضوء من أعمدة النور
عناقيدا تدلت.
سكبت نهر العطر فوق طلل الأماكن
وضمتنا القبلات في نشوة اللقاء
تحدثنا بصمت للفضاءات. الطرق. العشب النابت في صدري. عزفت قيثارة الحزن في جفون عينيها.
دموع الخجل الرومنتيكي ...

الرؤوس استراحت فوق مقاعد الرخام البني
وافترش قوس قزح ملاءة الألوان علي مئذنة "جامع الفتح "
واستراح النور علي لوحة الإعلان في قاع البحر.
وجدارية النصر
تكسوها شظايا الرمل. واتربة النكسة
الأسمنت تصدع من ضوضاء الغضب. فخرج الثوار من النصب التذكاري للجندي المجهود يهتفون لمرضي الفشل الكلوي والكبد في مستشفي "المبرة"
وطني حبيبي وطني الأكبر
يوم ورا يوم أمجاده بتكبر

ولما أبصرت أجسادا تنحشر في هوجة سيارات السرفيس. نقشت جدارية للغاضبين. وعرابي زعيم الفلاحين فوق جواده الحجري. رافعا سيف الصحوة في وجه الرشوة والفساد .

وانسابت من ذاكرتي مباديء ثورة يوليو للقضاء علي سيطرة أصحاب رؤوس الأبراج العالية الاقطاعيين ورجال الأعمال .
لم يبق من ذاكرة التاريخ لتلاميذ المدارس وموظفي الحكومة سوي عطلات رسمية وبعض أغنيات وطنية تذاع في المناسبات تلاشت في ضجيج القنوات الفضائية.
النبوءة غيرت شكل الزقازيق تلك الصبية الريفية التي فتنت بحسنها الفرسان. وصبت رحيقها في جسد امرأة متبرجة تشع أنوثة. والرجال المدربون علي اقتفاء الأثر تاهوا في دروب شهواتهم عند كوبري سوارس. النهار تتطاير ذرات من رماد الدخان وطوق عنق السحابة السوداء.
فانهمرت أغصان الرزاز فوق شعاع الرغبة مطرا.
وأشجار الفيكس تبلل العابرين بظلها.
ويغلق الفضاء شرفات اليوم الممدد علي عتبات النهار
وغبار شمس الغروب يتواري خلف سحاب الليل.
تسربت الكائنات أفواجا من عيون قنطرة التسعة.
تصاعدت أصوات نداءات الباعة من حنجرة الماء.
الشحاذون يتسولون العطف استجداء أعمي بعلب مناديل ورقية.
تنشف دمع الرصيف الملامس كتف الطريق .

امتدت شوارع المدينة للعمر المنطلق فوق جواد الفوضي.
لعلها تستعد لغزوة الفارس المكبل بالتقاليد.
ربما تحتويه بظلها وتروي صبار الذاكرة.
رجفة الهجر أرقت الحنين وضمتني إليها رسالة المحمول
وأم كلثوم تبعثر الشجن علي الكورنيش للعشاق
ووقع أقدام موسيقا الثوار الذين خرجوا من علب الأسمنت.
امتلأت الشوارع والميادين بجثث الموتي من صهد حرارة الصيف وارتفاع نسبة الرطوبة.
فانفرطت عناقيد الزحام في الميدان .



إبراهيم عطية- الزقازيق الشرقية
31 /7 / 2010

ابراهيم عطية.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى