شهادات خاصة حسن بيريش - محمد شكـري.. كما عرفته حسونة المصباحي والشعر العامي والشيخوخة المكابرة (12)

ـ 2001/8/10:
مساء قائظ· رحبة (إلدورادو) خالية إلا منهما· قدم محمد شكري كلينا إلى الآخر:
ــ حسن بيريش كاتب مغربي· حسونة المصباحي روائي تونسي يعيش في بون (ينطقها مفخمة)·
مددت يدي مصافحا:
ــ قرأت لك كثيرا· استوقفتني روايتك "هلوسات ترشيش"· أرى أنها أجمل رواياتك·
ابتسم· ضغط على كفي:
ــ مرحبا· يسعدني أن أسمع منك ذلك·
جلسنا· شرع حسونة المصباحي في الحديث عن تفاصيل رحلته من ألمانيا إلى أصيلة· فكرت : "يتقن هذا التونسي الأليف فن الحكي· حديثه التلقائي يحاكي نصوصه السردية في اتكائها على الجزئي، واحتفائها بالعابر، والعرضي"·
انشغل شكري بالحديث مع النادل الشريف· سألت حسونة:
ــ أي رواياتك أفضل عندك؟
فاجأته السؤال· فكر قليلا· قال:
ــ لا أستطيع أن أفضل رواية على أخرى· كل نص مرتبط بمرحلة معينة، وتجربة خاصة· أنت ترى "هلوسات ترشيش" أجمل رواياتي· بينما أرى أنا "وداعا روزالي" أجمل·
ــ لم أقرأها بعد·
ــ صدرت منذ أسابيع في ألمانيا· إنها آخر ما كتبت ·
تدخل شكري في الحوار:
ـ السي حسونة، أنا متفق مع حسن، "هلوسات ترشيش" نص روائي استثنائي في مسارك الإبداعي·
رنَّ هاتفي المحمول· "عليك أن تأتي في الحال"· قال محدثي· كتبت إهداء سريعا على الصفحة الأولى من كتابي: "هكذا تكلم محمد شكري"· قدمته لحسونة المصباحي:
ــ هذا كتابي عن محمد شكري· آمل أن يعجبك·
نهض· صافحني بحرارة:
ــ حدثني شكري عنه· أشكرك· عذرا· لا أملك نسخة من روايتي الأخيرة لأهديها لك·
ــ لا بأس·
صافحت كليهما· وغادرت ·

ــ ظهر 2001/8/13 :
قابلته مصادفة في شارع محمد الخامس· يرتدي سروالا أسود، وقميصا أبيض مفتوح الصدر· ابتسامة نحيلة ترتسم على فمه· عرق ينز من جبهته·
مسح وجهه براحته· قال في انزعاج:
ــ درجة الحرارة مفرطة اليوم· عفن هذا الصيف!
دعاني إلى مرافقته إلى (إلدورادو)· طوال الطريق لم يقل شكري شيئا· احترمت صمته·
كنت أحمل معي "حروف الكف" لمراد القادري· تصفحه بسرعة:
ــ هل يعجبك هذا الديوان؟
ــ نعم، أستمتع بقراءة ما يكتبه مراد القادري· وكذلك أحمد لمسيح·
أتحب قراءة الزجل؟
ــ ليس كثيرا· أقرأ الجيد منه بين وقت وآخر· وأنت ؟
ــ قرأت قليلا لأحمد لمسيح، أحمد فؤاد نجم، وعبد الرحمن الأبنودي· في الغالب لا يستهويني الشعر العامي·

ـ عصر 2001/11/22
رأيته على بعد أمتار مني· يرافقه شخص أجنبي· كانا يتجهان صوب شارع الحرية· يتوقفان· يتبادلان الحديث لثوان· ثم يستأنفان سيرهما· شيئا ما مهما يشغلهما·
تراءينا· حياني بإشارة من يده·

ـ ظهر 2001/12/17 :
كنا جالسين في مقهى (كران بوسط)· سألني شكري:
ــ ماذا تكتب هذه الأيام؟
أخرجت ورقة مطوية من جيبي· قدمتها له:
ــ هذا آخر ما كتبت ·
أفردت الورقة· ألقى عليها نظرة خاطفة· أعادها إليَّ:
ــ الشعر يُسمع أكثر مما يُقرأ·
"شكري يستحثني على القراءة"· قلت في سريرتي· وبدأت أقرأ:
شروخ
أوصد الليل أبوابه
واستوى على عرش حلكته
توسدت ظلي الهارب
وغفوت ثملا بكأس صمتي·
* * *
ضوء خجول يخدش شحوب المساءات
من بعيد يلوح وجه متألق بشروخه
يتجلى· يتخفى
يصغر، يكبر، ثم ينأى·
* * *
عند تخوم السديم
يورق الظل
ينضج الليل
ينشطر المدى نصفين
نصف لمعانقة الرياح الحرون
ونصف لرصد النجوم الآبقة·
* * *
بهاء الضوء يغمر الأشياء المنسية
يخترق شفافيتها المدجَّجة
بنشوة الارتياب
تتأجج الرغبة المجنونة في نطفة الريح
تتناسل في رحم الحضور
المسيَّج بلوعة الغياب·
شكري ينصت باهتمام· يغير وضع ساقيه باستمرار· وضعت الورقة على الطاولة· التقطها· عيناه تتراكضان على السطور:
ــ قصيدتك رائعة، أجمل من كل القصائد التي قرأتها عليَّ من قبل·

ــ مساء 2002/2/7 :
وجدته جالسا صحبة امحمد البوكيلي في (إلدورادو)· حدثنا حوالي نصف ساعة· أردت الانصراف· استبقاني البوكيلي:
ــ إبق مع شكري قليلا· سأذهب لآداء صلاة العشاء· ثم أعود·
قال لي شكري:
ــ قرأت مؤخرا في "أخبار الأدب" المصرية، أن صاحب "عشيق الليدي تشارلي" كُتب عنه أزيد من 800 كتاب·
ــ وأنت ، السي محمد، كم كُتب عنك؟
ــ كتيب صغير في أوربا، وآخر في المغرب كتبه الأمين العمراني "الرغبة والموت عند شكري"، وكتابك أنت ·
ــ والبحوث الجامعية؟
ــ الكثير، الكثير· قرأت بعضها، وحدثني بعض الجامعيين عن أخرى·
ــ ما رأيك في البحوث التي قرأتها؟
ــ قيمتها العلمية متفاوتة· منها الجيد· ومنها الأقل جودة·

ــ ظهر 2002/3/23 :
قابلت شكري وعبد اللطيف بنيحيى في شارع الإمام الغزالي· تبادلنا التحايا· بادرني بنيحيى ضاحكا:
ــ ماذا تفعل لشكري حتي ينضبط معك على هذا النحو، ويجيب عن أسئلتك التي لا تنتهي! إنك أول كاتب في طنجة يمنحه شكري هذا الامتياز·
قال شكري باسما:
ــ السي حسن يستحق أكثر من ذلك·
ودَّعتهما· في الذاكرة ينبثق السؤال الذي وجهه لي الشاعر إدريس علوش، ذات غشت في أصيلة، وأنا أناوله نسخة من كتابي "هكذا تكلم محمد شكري":
ــ كيف استطعت أن تنتزع من شكري كل هذه الأسئلة؟!

ــ عصر 2002/3/29 :
لمحته واقفا يطالع عناوين الكتب المعروضة في واجهة مكتبة (لاكولون)· سُرَّ لرؤيتي· صافحني بحرارة· شحوب يظلل وجهه·
ــ ما بك؟ تبدو متعبا، السي محمد· (قلت له)·
ــ ساقاي تؤلمانني· سأذهب لزيارة طبيب· (قال)·
وقفت أتأمله وهو يبتعد: يداه مشبوكتان وراء ظهره· خطواته متثاقلة، مرتبكة· تنبئ عن توتر داخلي· فكرت:
"شاخ شكري· لكنه يكابر!"·



8/20/2005

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى