فيكتور جولانكين - المسافر، ترجمة : د.محمد عبد الحليم غنيم

قررت بعزيمة صادقة أن أذهب إلى القطب الجنوبى ، وذلك لكى أثبت شخصيتى . يقول الجميع أننى بدون شخصية ، ماما ومعلمى ، وحتى فوفا .الجو فى القطب الجنوبى شتاء دائم ، فليس هناك صيف مطلقاً ، فقط الشجعان من الناس هم الذي يذهبون إلى هناك ، هذا ما قاله والد فوفا . وقد ذهب والد فونا إلى هناك مرتين ، وتحدث من هناك إلى فوفا عبر الراديو فسألها عن الأشياء والناس فى البيت والمدرسة . سأتحدث أنا أيضاً عبر الراديو ، حتى لا تقلق أمى .


فى الصباح أفرغت حقيبتى المدرسية من كل الكتب وملأتها بالسندوتشات والليمون والمنبه وكأس وكرة ، كنت واثق بأننى سألتقى هناك بأسود البحر ، وهم يحبون أن يرفعوا الكرة فوق أنفوهم ، ما كان للكرة أن تدخل الحقيبة ، لذلك أفرغتها من الهواء وحشرتها داخل الحقيبة . سارت قطتنا موركا فوق المنضدة بجوارى فدفعتها إلى داخل الحقيبة كالعادة . إنها تموء الآن بشدة . وأخيراً وصلت إلى رصيف محطة القطار . كان القطار يصفر ، ياله من عدد كبير من المسافرين ! يمكن للإنسان أن يركب أى قطار، وبعد ذلك يمكنه دائماً أن يغير الإتجاه إذا احتاج إلى ذلك .

دخلت عربة القطار وجلست فى كبينة صغيرة مزدحمة ، وكانت هناك عجوز نائمة فى مواجهتى ، ثم دخل رجل عسكرى وجلس بجوارى .

قال :

- تحياتى إلى زملائى المسافرين .

استيقظت العجوز وتساءلت :

- هل وصلنا ؟

ثم عادت إلى النوم من جديد .

بدأ القطار فى السي ،اتجهت إلى النافذة ، هناك كانت المنازل وستائر نوافذها البيضاء ، وأيضا غسيلنا المنشور فى الفناء ، ولكن بمجرد اختفاء منظر منازلنا ، شعرت قليلاً بالرعب ،كان ذلك للحظة صغيرة . لكن عندما زاد القطار من سرعته ، شعرت حقيقة بالراحة . ألست مسافرا من أجل إثبات شخصيتى ؟ غير أنى سرعان ما تعبت من النظر عبر النافذة ، لذلك عدت إلى مقعدى مرة أخرى .

سألنى العسكرى :

- ما اسمك ؟

فقلت فى ثقة وهدوء :

- ساشا

- لماذا تنام الجدة ؟

- كيف لى أن أعرف ؟

- إلى أين ذاهب ؟

- طريق طويل

- هل لزيارة أحد ؟

- آه ....

- هل لوقت طويل ؟

كان العسكرى يتحدث إلى كما لو كان يتحدث إلى شخص ناضج ، فشعرت بالسعادة . أجبت فى هدوء :

- ليوم أو أسبوع ؟

فقال الرجل :

- حسناً ذلك لطيف . لطيف جداً

سألته :

- أذاهب أنت إلى القطب لبجنوبى ؟

- لا .هذا بعيداً جداً على ما أظن . هل تود أن تذهب إلى القطب الجنوبى ؟

- لماذا ؟ كيف خمنت ؟

- كل إنسان يريد أن يذهب إلى القطب الجنوبى .

- أنا أيضاً

- هذا يؤكد أننى كنت على حق .

- انظر ... استقر رأيى على أن أثب شخصيتى .

- نعم ... رياضات شتوية . تزحلق .

- لا ... ليس كذلك

- أوه . تريد أن تحصل على أعلى الدرجات فى كل ذلك .

قلت :

- لا . إنه القطب الجنوبى !

- القطب الجنوبى ؟ ماذا عنه ؟

فى تلك اللحظة ،نادى شخص على العسكرى لكى يذهب ويلعب الشطرنج ، فغادر إلى الكبينة الثانية .

استيقظت العجوز فجأة وقالت لى :

- كف عن تحريك ساقيك .

نهضت وخرجت لمشاهدة الرجال الذين يلعبون الشطرنج وفجأة و لدهشتى الكبرى ، رأيت موركا وكنت قد نسيتها تماماً . كيف استطاعت أن تخرج من الحقيبة ؟ جرت القطة ولاحقتها ، اختفت تحت مقعد أحد الركاب . فغضبت وصحت :

- موركا .. موركا .. تعالى هنا .

سأل حارس العربة :

- ما هذه الضجة هناك ؟ كيف جاءت هذه القطة إلى هنا ؟

- إنها قطتى !

- من الذى معك ؟

- أنا مع القطة ؟

- ما الذى تقصد ؟

أجاب العسكرى :

- هو مسافر مع جدته ! إنها فى الكبينة المجاورة .

أخذنى الحارس إلى الكبينة المجاورة ، وقال :

- هل هذا الصبى مسافر معك ؟

فقالت العجوز :

- لا إنه مع العسكرى .

فقال العسكرى :

- القطب الجنوبى ! كل شئ اتضح الآن . أنت . الموضوع كله أن هذا الصبى قرر أن يذهب إلى القطب الجنوبى . وقد أخذ هذه القطة معه . ماذا أخذت غير هذا ؟

قلت :

- ليمون وسندوتشات .

- وتريد أن تثبت شخصيتك

قال العجوز :

- ياله من صبى مزعج !

تدخل الحارس وقال :

- ياله من سلوك مخجل !

لكن عند ذلك بدأ كل من فى الكبينة يضحك لسبب ما . حتى العجوز ضحكت حتى نزلت الدموع فوق خديها .

لا أعتقد أنهم كانوا يضحكون منى ، فقدانخرطوا فى مرح عام .

وقال الحارس :

- خد قطتك . لقد وصلت . هنا القطب الجنوبى .

توقف القطار .

أيمكن أن يكون ذلك القطب الجنوبى حقاً ؟ فكرت ، أبهذه السرعة وصلنا ؟ غادرنا القطار، وسرنا عبر الرصيف ، ثم وضعونى فى قطار آخر يسير فى الإتجاه المعاكس ، إنه القطار الذى أخذنى إلى المنزل .









نبذة عن المؤلف : فيكتور جولافكين :

ولد سنة 1929 فى بخارى، كاتب روسى تخرج من مدرسة الفنون فى لينجراد . له العديد من المؤلفات، تتضمن مجموعات من القصص للأطفال ، مثل ( هيا ندعى أننا فى القطب الجنوبى ، ومن الذى يسأل عن ماذا ؟ وغيرها ... ) . والقصة منشورة فى مجلة الأدب السوفيتى ، العدد الخاص بالأطفال ، سبتمبر 1984 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى