محمد أحمد شمروخ - العَوًّام

جاء ليفوز. جالساً علي ركبتيه ، مصوباً نظره ناحية البحر ، راسماً لنفسه سيناريو الفوز ،أن تنطلق استغاثة لفتاة تغرق، وبشهامة ابن الريف، يندفع من بين جموع المصطافين ، المتفرجين علي الشاطئ، وهي في أنفاسها الأخيرة .
وكأمهر سباح. مارس السباحة منذ الصغر ، لا كهواية ولكن ليصطاد السمك، ليطعم أخوته الصغار ،يصارع الأمواج بعنف ،يصل للفتاة. قبل الموت بثواني معدودة تتشبث. به الفتاة ،يضربها علي مؤخرة الرأس ضربة خفيفة يفقدها الوعي
يسحبها ناحية الشاطئ، وسط إعجاب كل الحضور والتصفيق الحاد، يخطف الأضواء من كل الشباب . صعيدي شهم ، يضغط علي صدر الفتاة ،تخرج المياه من رئتيها ، لتتفتح العينين، لتري المنقذ ،تقبل والدة الفتاة على يده. ترجوه أن يذهب معهم إلي ( الشاليه ) الفخم القريب. من الشاطئ، زملاء الرحلة الحكومية، يتحسرون ينظرون أليه بحسد.
هم عادوا لقريتهم الكئيبة، وجدرانها المبنية بالطوب الني الذي تأكل بفعل الرطوبة، والأيام الصعبة . أما هو تزوج الفتاة يدير المصنع، يلبس افخر الثياب يجلس تحت الشمسية ( الفوشيه ) وأحيانا يتمدد على سرير الشاطئ الأبيض، ينظر الى السماء بنظارته الشمسية السوداء يشكر الله، على ما أعطاه . والفتاه تجلس بجوار قدميه تجهز له الغداء ،افخر أنواع السمك ، مرت أيام الرحلة السبع. وهو جالس ،على ركبتيه مصوبا نظره ناحية البحر
الفاصل

يفصل بينهما حائط خرساني، الاسكافي، القاص، هما الاثنان يستعدان لبدء عملهم الليلي المضني، قلق هو القاص. مكتئب ترتفع درجة حرارته. يستمع لموسيقاه الحالمة. تروح الفكرة تجيء. يمسك بأهدابها، يقوم من مكانه. يمسك القلم يضعه على الورقة البيضاء، ليخط أول حرف..
يضع الاسكافي بفمه. مجموعة من المسامير، ينداح صوت جابر ابوحسين من التسجيل، الاسكافي شرع بالجاكوش كأنه يستعد لغزوه، ينهال ضرباً على الحذاء، تعرف طريقها المسامير، الحذاء استسلم لضربات الاسكافي، صوت الضربات السيرة الهلالية، صهيل الخيول، صليل السيوف. ارتفاع الرمال في الهواء.
اخرج القاص من حالة الاندماج، وصل إلى منتصف القصة خائفا من هروب الفكرة، أرخى أذنه لسعادة الاسكافي, وهو يرتشف الشاي، بجواره زوجته النحيلة. يداعبها بضربة خفيفة على الكتف بالجاكوش.
القاص يضع القلم، يضرب رأسه بالحائط الفاصل، والفاصل الموسيقي المتواصل. لصوت جابر أبو حسين،صوت الجاكوش المسامير، يصنعوا سيمفونية حية من القلق للقاص، ينظر لأحذيته الملقاة. أسفل الكنبة رآها تسخر منه. ومن قصصه مكدسة كما هي فوق بعضها من سنين. حتى أحداثها أصبحت قديمة لا تجاري النظريات الأدبية الحديثة.
ماذا يفعل وغدا أول أيام العيد، الوقت قارب على الفجر، بالكاد ينام الاسكافي المجهد، قرير العين. بجوار زوجته بجوارهما الأحذية، التي ستلبس صباح العيد.
القاص مازال يبحث عن ليلى . بثنية .أو لبنى، فشل بالاقتران ببنات هذا الجيل، يعاني من الوحدة. يضع قصته الناقصة. بجوار الأخريات، يستحم يخرج لصلاة العيد، القرية تلبس أثوابها الجديدة، أحذيتها الموضوعة. بعناية خارج عتبات المسجد.
بعد الخروج.وتوجيه التهاني الاسكافي على وجهه ابتسامة عريضة، وهو ينظر لأحذيته. تتمشى بأناقة، تجري بأقدام الأطفال. رأت النور، لسان حال الاسكافي، يقول أنا الصانع الماهر لكل الأحذية، عندي حل من الحلول، لوزة. أرتق الفتق لتكتمل مسيرة موظف، أو مزارع فقير...
يعود القاص. لمكتبته المكتظة بالورق القديم، يغلق موسيقاه الحالمة، لن يخسر شيئاً لو استمع الليلة لشعبان عبد الرحيم، لو أسقط النقاد، المدارس الأدبية، وخرج من طور الكاتب المغمور. الذي يحاول. أن يرضى عنه الناشرون
وكَتب الليلة قصة. لجاره الاسكافي، أو المزارع الفقير، يا له من حظ كبير. عندما ذهب لجاره، وجد عنده المزارع أسمعهما قصته، لم يفهما شيئاً، المزارع تأبط حذائه خرج خلسة، الاسكافي ملأ فمه بالمسامير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى