علي حسين - علي حسين - دعونا نتفلسف.. كيف نكون متسامحين حتى مع اولئك الذين يصعب التسامح معهم؟! (9)

قال الثري ماري آروويه يشكو حاله لأحد الأصدقاء : " للأسف لقد أبتليت بولدين مجنونين ، الكبير يهيم بالخرافات ، والصغير بنظم الشعر" ، الولد الصغير كان اسمه "فرانسو" ، والذي عرف فيما بعد باسم "فولتير" ،أعظم عقل أنجبته فرنسا ، بل العبقري الذي لن يتكرر، على حد قول فكتور هيجو وهو يرثيه :"إذا كان لنا ان نحكم على الناس بما أنجزوه من اعمال ، فإننا نعتبر فوليتر أكبر كتاب أوروبا الحديثة دون شك ، لقد منحته الحياة اربعاً وثمانين سنة من العمر ، فكان له فيها متسع من الوقت لسحق مساوئ ذلك العصر الفاسد ، وعندما انتهت سيرة حياته وسقط ميتاً ، كانت كل الشواهد تشير الى انه المنتصر " .


نكتة تقود إلى السجن

ولد فرانسو ماري آروويه "فولتير" في باريس عام 1694 من أبوين من طبقة الاثرياء ، فقد كان والده كاتب عدل مدينة باريس ، وأمه من الطبقة الأرستقراطية الفرنسية المعروفة بثرائها وبذخها .
ومثل عدوّه اللدود جان جاك روسو ، الذي جاء الى الدنيا بعده بثمانية عشر عاما، لم يشاهد امه ، اذ لم تستطع الأم تحمل متاعب آلام الوضع فماتت إثر ولادته ، وكانت الممرضة التي سهرت على ولادته قد اخبرت والده ان ابنه لن يعيش اكثر من أربع وعشرين ساعة بسبب ما كان عليه من ضعف شديد . وحين عرض على الأطباء كان قرارهم انه لن يعيش اكثر من ايام معدودة ، لكن الأقدار تشاء ان يعيش لأكثر من ثمانين عاماً ، ألّف فيها اكثر من مئة كتاب ورسالة فلسفية ، َسلّم في نهايتها برميل الثورة المتفجر الذي ظل يصنعه لأعوام طوال ، الى كل من روبسبير ومارا ودانتون ، ليفجروه صبيحة 14يوم تموز عام 1789 ، بعد احد عشر عاماً على وفاته ، ليكتبوا نهاية النظام الملكي . وقد استمدت الجمهورية الفرنسية افكارها من كتابات فولتير وروسو ، فكانت اول ثورة تقرر فصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير، وتلغي الإقطاع وامتيازات النبلاء ورجال الدين ، وتضع اموال الكنيسة تحت تصرف الدولة ، وتنشر مبدأ مجانية التعليم ، ومشاريع العدالة الاجتماعية .
المعروف ان فولتير بدأ حياته بنظم الشعر، وكانت شكوى ابيه تزداد منه اذا ما عرفنا ان الشقيق الأكبر لفولتير حُكم عليه بالموت بسبب كتاباته المعادية للكنيسة ، اذ كان الأب يخشى على ابنه ان يتخذ من الأدب مهنة له ، وهي مهنة يعيش افرادها مفلسين طول العمر . لكن الشاب الصغير أصر على المضي في سبيله ، فقرر والده ان يمنع عنه المصروف ، إلا أن احدى قريباته الثريات وجدت في الفتى نبوغاً ، فقررت ان تمنحه مبلغ الفي فرنك ليصرف منها ، فاشترى بالمبلغ اكثر من خمسة آلاف كتاب ، وحين بلغ الثامنة عشرة من عمره ، كان يتباهى أمام اصدقائه بأنه قرأ هذه الكتب جميعها ، ولهذا قرر ان يجرب الجانب الآخر من الحياة ، فترك الأدب والشعر ، ليمضي في حياة اللهو والعبث . وحين يسأله والده عن هذا التقلب المفاجئ في حياته يجيبه : " لايمكنك ان تعيش الحياة دون ان تجرب كل دروبها." لكن الأب لم يقتنع بالجواب فيقرر ان يرسله الى احد اقاربه في الريف ليحتجزه هناك مدة من الزمن لإبعاده عن حياته العابثة ، غير ان صديق والده سرعان ما أحب ذكاء فولتير ونباهته ، فاشفق عليه من حياة العزلة ، فأطلق سراحه ليعود الى باريس . عند ذلك قرر والده ان يرسل به الى خارج فرنسا ، لكنه لم يستطع العيش بعيداً عن باريس ليعود عام 1715 وكان حينها في الحادية والعشرين من عمره ، لم يتغير شيء في حياته سوى ان كلامه اخذ طابع السخرية من كل شيء ، الكنيسة النظام الملكي . في هذا العام كان لويس الرابع عشر قد توفي ، وكان ولي العهد في سن صغيره ، فتولى وصاية العرش ماريشال دي فيلروا ، وكان احد اصدقاء فولتير المقربين ، وذات يوم يلتقي الصديقان في حديقة القصر الملكي فيبادر الوصي صديقه فولتير بالقول :
- سأريك شيئا لم تره في حياتك.
- وما هو؟ قال فولتير.
- سجن الباستيل ، اجاب فليروا.
وفي اليوم التالي ، كان فولتير نزيلاً لهذا السجن الرهيب ، وكانت التهمة السخرية من الملك ، ففي تلك الأيام حلّت أزمة اقتصادية في فرنسا بسبب بذخ لويس الرابع عشر ، فقرر الوصي على العرش ان يبيع نصف الخيول الموجودة في الاسطبل الملكي ، وعندما سمع فولتير بالخبر اطلق نكته ساخرة اهتزت لها باريس بالضحك على الوصي والبلاط ، لما تنطوي عليه من جرأة ، فقد علق قائلا :"كان من الأنفع لفرنسا لو ان الوصي باع نصف حمير البلاط ايضا"، وكان يقصد حاشية الملك ، ليصبح فولتير نزيل الباستيل ، وهو في الثالثة والعشرين من عمره ، نحيف الجسم ، ضعيف البنية ، لكنه استطاع ان يمضي احد عشر شهراً في الزنزانة ، وفيها وضع اول كتبه وكانت ملحمة شعرية بعنوان "هنرباد" ، وقّعها لأول مرة باسم فولتير ، ويقول مؤرخو سيرته ان الاسم كان تخليداً لذكرى أمه ، فقد كان بعض أفراد عائلتها يحملون اسم فولتير .
************

قاوم إرادة الاشتغال بالفلسفة

هل فولتير فيلسوف ؟ البعض يقول انه قاوم إرادة الاشتغال بالفلسفة ، في مرات كثيرة كان يسخر من الذين ينادونه بلقب الفيلسوف ، مؤكدا عدم ثقته بالفلاسفة :" يخطئ الفلاسفة حين يعتقدون انهم عندما يتناولون مسائل نظرية صرفة ، يَحلون على الفور مشكلات الواقع." كان يقول ان حلم تغيير العالم يجب ان يقوم به الناس البسطاء ، لا أصحاب كتب المنطق ، وكثيرا ما كان يسخر من صورة الفيلسوف المتجهم الوجه :"ويل للفلاسفة الذين لايستطيعون إزالة تجاعيد وجوههم بالضحك ، انني انظر الى الوجوم الذي يسيطر على الفلاسفة نظرتي الى المرض." وعلى الرغم من نأي فولتير بنفسه عن الفلسفة ، إلا أن مكانه الشرعي بين الفلاسة الذين صنعوا فكر التنوير يحتل مركزاً متقدماً يفوق كثيراً من ابناء عصره ، اولاً ، لأن انتقاداته لعمل الفيلسوف لم تمنعه من ان يصبح بالاضافة الى جان جاك روسو وديدرو ، ابرز الذين شقوا تاريخ الفكر الفلسفي الى نصفين ، ما قبل فولتير وما بعده ، فضلا على انه كان الأكثر حسماً في حدوث الانقلاب الحقيقي الذي انتقلت به اوروبا من عقلية القرون الوسطى الى عقلية العصور الحديثة ، وبفضل كتاباته وكتابات زملائه خرجت البشرية من مرحلة الطائفية الهمجية لتدخل مرحلة العقلانية الحضارية ، الأمر الذي دفع فيلسوفاً بحجم نيتشه ان يهدي إليه كتابه الشهير "في ماوراء الخير والشر"، قائلا : الى فولتير ، أحد كبار محرري الروح البشرية.
كان فولتير في بداية مساره ، كاتباً مسرحياً ، وقد انتقل من سجن الباستيل الى الشهرة في زمن قصير جداً ، حين قُدمت له عام 1718 مسرحيته الخالدة "اوديب" ، وقد حظيت بإقبال كبير حتى انها عدت آنذاك واحدة من درر المسرح الفرنسي ، وقد عادت عليه بأموال كثيرة ، جعلت والده يقتنع ان الأدب يمكن ان يجلب المال ، فكان يقول لأقاربه وهو سعيد :" فرانسو هذا ولد خبيث استطاع ان يجني المال الوفير من ضحكات الناس ودموعهم." بعد "أوديب" قدم عدداً من الأعمال المسرحية اشهرها بروتوس، موت القيصر، الابن البار، زوليم، محمد، ميروب. وفي القصة كتب الكثير غير أن قصة زاديغ التي ترجمها طه حسين كانت الأشهر. أما رواية "كانديد" ، فكانت تمثل خلاصة وجهة نظره بمستقبل أوروبا ، وقدمت عبر بطلها ما يشبه السيرة للكاتب. عرفت كانديد شهرة واسعة خاصة أن فولتير، وبعد أن تطرق للأزمنة الماضية وسرد أحداث التاريخ وتطوره ، قدم نظرته للعالم الجديد الذي انطلق بعد الحروب التي وصفها فولتير بقوله : "هذا القرن شبيه بحوريّة البحر، النصف الأول منها جميل مثل أسطورة والنصف الآخر قبيح ومخيف في شكل ذيل سمكة." وحين كتب كانديد قرر الابتعاد عن العالم الخارجي وعن صخب المجتمع الذي كان يستهويه، وعزل نفسه: "أريد أن أمتلك الأرض بكاملها أمام عيني في عزلتي".
************

اختار ان يكون سنداناً

عاش فولتير ظروفًا صعبة وكلفته جرأته وصراحته الكثير من التضحيات حتى أنه وضعا وصفا طريفا لحياته : "في فرنسا يجب أن تكون السندان أو المطرقة. أنا اخترت أن أكون سندانًا"، وكان يسعى لان تصبح الحياة من حوله اكثر حيوية وقوة : "كل من ليس حيوياً ومستعداً للمواجهة فهو لا يستحق الحياة وأعتبره في عداد الموتى". عُرف فولتير أيضاً بلهجته القاسية واللاذعة وبحسّه الساخر الممزوج دائماً برغبة في التغيير، وشكَّل ظاهرة فريدة في الفكر الفرنسي، انتقلت عدواها الى عواصم ثقافية أخرى فتأسس ما يشبه "المدرسة الفولتيرية الفلسفية" التي بدأت مظاهرها تتوضح اكثر من خلال كتابه الشهير "القاموس الفلسفي" الذي ترجم بعضاً منه المفكر المصري حسن حنفي . ويعتبر قاموس فولتير هذا اهم عمل انتج خلال عصر التنوير ، ففيه نقد للطغيان وفيه كراهية للتعصب ، وفيه ادانة للحروب ، وفيه انكار للميتافيزيقيا بكل غيبياتها ، وفيه دعوة الى المساواة . يُعد هذا الكتاب في نظر مؤرخي الفلسفة ، اول مؤلف فلسفي يستخدم اللغة العادية في التعريف بالافكار الفلسفية ، ونراى فولتير من خلال صفحات الكتاب يلجأ الى أسلوب السخرية .
في مقدمة الكتاب يوضح فولتير هدفه من هذا القاموس فهو يبغي اولا : رفض عقيدة العناية الإلهية التي تدور حولها الديانة المسيحية وبالتالي رفض كل ما يتعارض مع العقل في ميدان العقائد او ما يتعارض مع الأخلاق في مجال العلاقات الانسانية . وثانيا : هدم الفلسفات التي تحاول ان تدخل الإنسان في متاهات الخرافات . وثالثا : الدعوة الى السلام والتسامح ورفض الحروب الدينية والدنيوية وشجب التعصب العقائدي . ولعل هدف فولتير من خلال القاموس كان واضحا حين كتب لفريدرك الاول رسالة يشرح فيها مضمون كتابه : " أسعى لأن أعيد بناء الدين والمعتقدات على أسس عقلية ، والقضاء على الخرافة والأساطير وكل ما يشذ عن العقل."
يطرح فولتير في القاموس رأياً جريئاً وصادماً حين يؤكد ان معظم العقائد في الأديان هي نسيج من الأساطير ومن وضع جماعات دينية ، ونراه يلخص قضية الدين بجملة مؤثرة :"ان كل المناقشات حول هذه العقائد تضر اكثر مما تنفع ، ولايبغي الدين اكثر من الإحسان والعدل ، إن هناك فرقاً بين ما قاله المسيح وبين ما يعرف باسم المسيحية ، فالمسيح لم يدع الى العقائد بل الى الأخلاق الفاضلة ، لم يؤسس عقائد ، ولم يقم ديناً ولم يسن شعائر او طقوساً." وينبهنا فولتير ان الفضائل الحقيقية هي التي تقدم الخير الى المجتمع ، فالاعتدال فيه محافظة على الصحة ، والإخلاص والتسامح فيهما إبقاء على العلاقات الاجتماعية . وبهذا نرى ان فولتير يرفض الفضائل التي جاءت بها الكتب الدينية ، والتي تتلخص بالشجاعة والكرم والحكمة ، فالدين بالنسبة له هو الحياة ، والحياة هي رعاية مصالح الناس ، ويرفض فولتير الفكرة القائلة بأن المتدين لديه اخلاق ، اما غير المتدين فلا أخلاق له ، ويصر فولتير على ان الدين الوحيد الصحيح الناتج عن استعمال العقل ، هو التنزيه المطلق الذي يظهر في الأخلاق العملية ، من خلال ممارسة العدل ، او الايمان بأن تعامل الناس بمثل ما تحب ان يعاملوك به. ويحاول فولتير وضع المبادئ العامة للدين الشامل ويجعلها في سبع نقاط هي:
1- لايقوم التدين على العناية الإلهية او خلود النفس.
2- عبادة الله بطريقة شاملة ، لا بالطقوس.
3- طاعة الله بطاعة قوانين الدولة المستنيرة.
4- الأخلاق هي الدين الصحيح.
5- الاعتدال ضد التعصب.
6- رفض الأضاحي والقرابين والكنيسة.
7- التوحيد نتاج العقل المستير لا نتاج التوراة والإنجيل.
واذا كان الهدف الأول من قاموس فولتير هو إعادة دراسة الدين ونقد الخرافات ، فقد كان يرى ان الطقوس والشعائر والاحتفالات الدينية جرائم يجب ان يعاقب عليها كل من يزاولها لأنها ضارة بالمجتمع :"انا أعلم ان الله ليس بحاجة الى قرابيننا او صلواتنا ، ان عبادة الله لاتتم بالطقوس ولكن بالسلوك الشامل والعمل الاخلاقي ."
والهدف الثاني كان الدعوة الى السلام والنظام الجمهوري وللمساواة بين البشر ، حيث يرى فولتير ان افضل نظام سياسي يقوم على العقل ، ويصر على إشاعة مفهوم الجمهورية التي تقوم على الديمقراطية ومبدأ تبادل السلطات :"ان الجمهورية هي افضل نظام ملائم للبشرية لأن الملكية تنتهي الى الطغيان ، ولايمكن طاعة البشر باسم طاعة الله ، بل لابد من طاعة البشر باسم قوانين الدولة ، يصيح الدكتاتور بأنه يحب وطنه وهو في الحقيقة لايحب الا نفسه ." وينكر فولتير على رجال الدين تدخلهم في شؤون السياسة ، ويدعو الى علمانية الحكم ، ويهاجم ادعاءات الكنيسة التي تريد ان تسيطر على البشر . لذلك اعتبر القاموس الفلسفي لفولتير اهم مصادر الثورة الفرنسية ، وظل وقتاً طويلاً بمثابة دستور لها.
************

لا شيء مخالف للقانون، الا انا
عاش فولتير معظم حياته منفياً ، وظل القصر الملكي يخشى من وجوده في باريس ، ولم تنفع كل المحاولات للسماح له بالعودة الى باريس ، فعاش سنواته الأخيره في جنيف ، كان قد بلغ الرابعة والثمانين من عمره ، واصبح أحد أعلام أوروبا ، الكل يسعى للتقرب منه . في عام 1778 اصدر لويس السادس عشر امراً ملكياً جاء فيه : " اننا لانرحب بالمسيو فولتير ، ولا نتمنى عودته ، لكننا لن نقبض عليه إذا ما عاد." وعلى الفور قرر فولتير العودة ، فقد طال الغياب اكثر من ثلاثين عاماً ، وعلى الحدود وقف رجال الشرطة يفتشون عربته ، وفوجئ احد الجنود بصوت نحيل يقول له : لاشيء في العربة مخالف للقانون إلا أنا ، ضحك الجندي وهو يقول "أهلا مسيو فولتير، تفضل ان باريس كلها بانتظارك." كانت باريس قد خرجت الى الشوارع تستقبل فيلسوفها المشاغب ، ورفعت صوره في كل مكان ، الأمر الذي أزعج لويس السادس عشر ، لكنه لم يستطع ان يفعل شيئاً ، كل ما فعله انه منع زوجته "ماري انطوانيت" من حضور حفل تتويج فولتير ، وقد كانت ترغب برؤية اشهر شخصية انجبتها فرنسا عبر عصورها . ويبدو ان صخب باريس وضجيجها وكثرة الزوار أثرت على صحته ، فرحل بعد ثلاثة اشهر من عودته من المنفى وهو يلفظ آخر كلماته : "أموت في هذه اللحظة وأنا أشعر بحبي لأصدقائي، وبعدم كرهي لأعدائي، وبرفضي المطلق للمعتقدات الباطلة."
وكُتب في اللافتة التي تعلو قبره:
"أعد الناس ليكونوا أحراراً ."
************

الكرملي يدلني على فولتير

ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير، ففي المتوسطة كان لنا استاذ يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه، ، وأتذكر أن أستاذي هذا كان يردد دوماً أن أفكار فولتير وكلماته مهدت للثورة الفرنسية، وبعد سنوات أعثر في مجلة الكاتب المصرية على مقال كتبه طه حسين عن فولتير فيه معلومات قيِّمة عن هذا الفيلسوف، وعرفت ان فيلسوف الثورة الفرنسية إضافة لاهتمامه بالفكر ومشاغله ، فهو روائي وكاتب لعدد من المسرحيات، بعدها حصلت على روايته الشهيرة "كانديد" بترجمة لواحد من شيوخ المترجمين "عادل زعيتر."
بعدها وقعت في يدي أعداد من مجلة الرسالة المصرية فاذا بي اكتشف ان العراقيين سبقوا العرب جميعا في التعريف بهذا الفيلسوف، ففي عام 1936 يكتب الأب أنستاس الكرملي مقالاً عن فيلسوف التنوير والمقال فيه شرح وافٍ لفكر فولتير وفلسفته، ويسلط الكرملي الضوء على موضوعة قيمة العقل التي صبغت فلسفة فولتير. يقول الكرملي: " يجب ان تفكر أنت..فكر لنفسك.. يجب ان تتشكك في كل ما يقال لك.. اذا أخطأت فلأنني حاولت ان اعرف، واذا عرفت فأنني أخطئ، لأن الذي عرفته قليل جدا، والذي لا أعرفه كثير جدا." ثم يمضي الأب الكرملي بالقول "ان فولتير ولجرأة أفكاره اتهم بتضليل الشباب وإفساد الرأي العام والوقوف بوجه الدين"، ويضيف "هو الرجل الذي حول الغضب الى سخرية، والذي حطم الأصنام." وينقل الكرملي عن فولتير عبارته الشهيرة "ان الدول بكل أجهزتها وجبروتها لا تستطيع ان تقاوم سلاحاً يطلق النار في كل الاتجاهات اسمه (الكلمة) ".
************

الخلاف مع روسو

كان فولتير يكره جان جاك روسو ، ويرى ان افكاره في تقديس الغرائز الفطرية في الانسان دعوة تؤدي الى تعصب وحماسة مفرطة ، ولم يكن فولتير يرى ما راه روسو من أن الانسان مفطور على الخير او خير بالفطرة ، وان ما به من شرور هو وليد الحياة الاجتماعية المصطنعة ، ولا بد من العودة الى الطبيعة وإلى الفطرة الانسانية المطلقة ، فقد كان فولتير يرى ان الانسان يحمل الشر والخير معا وهو وليد العوامل المختلفة واهمها الجهل والاستبداد ، وان الشر يمكن ازالته بازالة اسبابه من خلال تدعيم سلطة العقل وارساء مباديء القانون والدولة ، ورغم الخلاف الشديد الذي طغى على علاقة روسو بفولتير ، والردود الساخرة التي كان يكتبها روسو على مؤلفات فولتير ، والتي اتسمت بالحدة ، الا ان فولتير ما ان سمع بقرار السلطات الفرنسية حرق كتاب "العقد الإجتماعي" لروسو ، كتب مقاله الشهير عن حرية الراي والذي تضمن العبارة الشهيرة : قد أختلف معك بالرأي ، لكنى على استعداد لأن أموت دفاعاً عن حقك فى أن تبديه و تعلنه على الناس " .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى