دريني خشبة - القبلة الأولى و.. الأخيرة!

(الحوار في الأصل باللهجة المصرية)

كان ذلك في مصحة. . . .

وكانت فتاة شاحبة ذات عينين كبيرتين شاعريتين، تطل منهما نفس حزينة متألمة، تارة تحلق في السماء تدعو الله اللطيف وتصلي له، وتارة تنظر إلى المصحة التي اجتمعت فيها أمراض وأحزان وأماني؛ وكانت تجلس فوق مقعد منفرد في زاوية منعزلة في الحديقة الصينية التي تكسبها التماثيل البوذية والظُّلات والرابية الكبيرة ومساقط المياه ذات الخرير جلالاً ورونقاً وهدوءاً يشبه موسيقى الأرواح الباكية التي ترفرف أبداً في سماء تلك المصحة الرحيمة.

وكانت الفتاة تسبل فوق رأسها شُفوفاً من الحرير البنفسجي تداعبه نسمات الحديقة كلما هبت رُخاءً في ناحيتها. . . ولكنها تركت السماء كلها، بما تفيض به من رحمة ولطف، واتجهت بكل روحها إلى نافذة بعينها في المصحة، وراحت تحدق فيها تحديقاً شديداً، ثم أخرجت من (شنطته) منديلاً صغيراً وضعت فيه لآلئ غالية كانت أوشكت تنهمر من عينيها.

وكانت الشمس قد آذنت بغروب، وكانت تصب ذهب أشعتها على نوصي التماثيل الرائعة، ولكنها كانت تصب أكثر هذا الذهب على ناصية بوذا الأكبر كأنها تستهزئ به، لأنه إله من حجر! وكانت ألف فكرة تزدحم في رأس (سِهام) كلما تقَشَّعت الشمس قليلاً قليلاً عن رأس لتمثال، فتبتسم ابتسامة ساخرة. . . وتخفي دمعة كبيرة في منديلها الصغير.

وأقبلت جارية (حبشية) فحّيت لفتاة، وأشارت إليها سهام فجلست عند طرف المقعد المنفرد المصنوع من جريد النخل. . .

- (سيدتي!).

- (. . .؟. . .).

- (أرسلني ألبك الكبير أناديك).

- (ولماذا عاد مبكراً هذا المساء؟).

- (لا أدري، وهو يقول إنه يود أن يشرب الشاي مع سهام هانم).

- (وإذا لم تكن لسهام رغبة في الشاي ولا في القيام من هنا فـ. . .).

- (سيدتي! ألا ترحمين شبابك؟).

- (أرحم شبابي كيف يا مسعدة؟).

- (مِن هذا الذي أنت فيه!).

- (وماذا أنا فيه يا مسعدة؟).

- (الكر المتصل والحزن الذي لا حد له. . .).

- (أشكرك يا مسعدة. اذهبي فاعتذري عني للبك - أنا لم أعد أحب الشاي في هذه الساعة).

- ولم في هذه الساعة؟).

- (لأنها كنت أول شكواه من هذا المرض الخبيث، ومن يدري، فربما كانت أول شكواي أنا أيضاً. . .).

- (يا سيدتي ارحمي شبابك قلت لك. إنها أيام ويغادر المصحة سليماً معافى، ألست تثقين في تأكيدات الدكتور؟).

- (الدكتور؟. . . أنت طيبة القلب يا مسعدة! أنت طيبة القلب جداً).

- (الدكتور يؤكد أن سيدي نادر بك يتعافى يومياً، وسيتماثل للشفاء قريباً، وأن أرى أنك تتلفين صحتك بهذا اليأس الذي يدمي قلبك ويجرح نفسك ويقرح عينيك؛ سيدتي سهام هانم: ألا تسمعين نصيحتي؟).

- (وأي نصيحة يا مسعدة؟).

- أنت شبة جميلة، والمستقبل أمامك مشرق بسام، والدنيا مقبلة تكاد تتمرغ تحت قدميك و. . . أوه. . . لا أجرؤ أن أقول. . .).

- بل قولي يا مسعدة، قولي. . . أنا شابة جميلة. . . والمستقبل أمامي مشرق بسام. . .

والدنيا مقبلة تكاد تتمرغ تحت قدمي. . . . . . الله الله يا مسعدة. . . ثم ماذا؟).

- (سيدتي سهام. . . إني أعتذر!!).

- (تعتذرين! تعتذرين من أي شيء! بل لابد أن تقولي ألستِ (داده) يا مسعدة).

- (لا. . . لا أجرؤ. . .).

- (لا تجرئين على أي شيء يا مسعدة. . . إن لم تقولي فإنك تحزنينني).

- (ولكن على شرط. . . إن لم ترقك الفكرة فلا تضمريها لي).

- (لك هذا يا مسعدة).

- (ألا تستطيعين أن تصرفي قلبك عن نادر بك. .).

- (أهذه نصيحتك أيتها العجوز! اذهبي فلن أشرب شاياً قلت لك).

- (أ. . . أ. . .).

- (اذهبي. . . اذهبي).

- (يا مسعدة قلت لك لا شأن لك بسهام ونادر، لقد كان يعبدها قبل مرضه. وكان يوشك أن يخطبها لولا وفاة والدته. . . وهي أيضاً تحبه حباً يمتزج بكل قطرة من دمائها، إنها تكاد تجن من أجله. . . إنها لا تنام أبداً، و. . .).

- (وماذا يا عثمان. . .).

- (وهي تنسرق كل ليلة إلى المصحة وتزوره، وأخشى أن تكون أصيبت بمرضه، لأني أسمعها تسعل كالمسلولين. . . مسكينة. . .).

- (لا قدر الله يا شيخ. . . إنها حزينة فقط، وأنا لا أدري لحزنها سبباً، فألف شاب جميل غني يتمنون أن تصبح لأحدهم زوجة. . ولكنها تأبى إلا أن تسمع لقلبها. . قُتل الحب، إنه لا عقل له! لقد كلمني اليوم عصام بك وألح علي في محاولة التأثير عليها، وهو يضع كل ما يملك رهن تصرفها، فماله هذا الشاب الوجيه؟! صحة وثروة وأسرة. . . وشباب!).

- (يا ابنتي رفقاً بنفسك، أقسم لك بالله وبشرفي أن الدكتور أكد لي اليوم أن لنادر أياماً قليلة جداً ويغادر المتشفى سليماً معافى. . .).

- (سليماً معافى. . . متمتعاً. . . بكامل صحته.، هيه. . . يا رب، سيغادر المتشفى إلى الأبد. . . هذه هي الحقيقة!).

- (أجل، سيغادره لتعيشا معاً في نعيم إلى الأبد! سهام!).

- (بابا. . .).

- (هلمي نجلس قليلاً في الحديقة، هلمي يا ابنتي، القمر جميل، والنسيم رَخِيّ، و. . .).

- (بابا. . .).

- (سهام!).

- (أنا لا أحب الحديقة ولا أحب القمر. . . لنبق هنا. . . الدنيا برد!).

- (يا ابنتي لا تعبسي للدنيا هكذا. . .).

- (الدنيا؟ آه يا بابا. . . سأعبس لها إلى أن يشاء الله!).

- (لا حول ولا قوة إلا بالله. . . سهام، أنت تحرقين نفسك وتتلفين روحك في نار عاطفية كان ينبغي ألا تجعلي لها وزناً في رجاحة عقلك وسلامة تفكيرك. . . لقد كنت أحاول أن أصارحك بحقيقة نادر ولكني كنت أخشى على قلبك الغض وشبابك الرطب أن تعصف بهما كلماتي، مع أنه لخيرك. . . سهام! استيقظي يا ابنتي! حقاً لقد أحبك نادر كما تحبينه، وكنت أنا نفسي ألمس محبته لك وهو يكلمني من أجلك، وعندما سلّمني (السوار الماسي الجميل) الذي جعله تقدمةً لزواجه منك، كنت أشهد في عينيه دموعاً محبوسة تريد أن تنهمر، عرفت منها أثر تحقيق الأحلام في نفوس الشباب - ولقد كنت أوشك أن أرفض هذا الزواج أول الأمر، لما كنت ألحظه في صحة نادر من التدهور والتهدم، لكني قرأت حبه في عينيك، وشهدت حرارة روحه تتورد في خديك، فتألمت، وفرحت، وذكرت (المرحومة) والدتك وما كانت تتمناه لك من السعادة الأبدية ورخاء البال، فوافقت، وضاعف ألمي وفرحي أن رأيتك سعيدة به بقدر ما هو سعيد بك، وهنا فقط. . . غلطتي. . . غلطتي التي لا يغفرها لي إلا أني لم أكن أعرف أن تدهور صحة هذا الشاب النبيل هو أول هذا المرض الخبيث العضال. . . سهام! استجمعي قواك! لا تجزعي هكذا. . . إن ألف شاب جميل رقيق القلب وافر الغنى في انتظارك. . . وقد خاطبني الكثيرون فعلاً قبل أن يعترض طريق حظك ولدي نادر. . . سهام. . تشجعي! أنت صغيرة يافعة يا بنيَّة! نحن كلنا نرثي لشباب نادر، وكنا نضرع إلى الله أن يشفيه!. . . و. . .

- (بابا. . .).

- (سهام!).

- (ماذا تقول؟ كنا نضرع إلى الله!. . . ماذا قال لك الدكتور اليوم؟).

- (هذا هو الذي كنت أخشى أن يكون! ليهدأ قلبك يا بُنيَّتي، وليستيقظ عقلك الساهي. . . أريد ألا أفقد ابنتي الوحيدة كما فقدت زوجتي ارحمي أباك الشيخ المحطم الذي لم يعد له أمل في الحياة غيرك. . . أنت شمسه المشرقة فلا تحرميه من دفئها إلى الأبد. . . إن ثلج لمشيب يطفئ روحي قليلاً قليلاً. . . وكلما رأيتك يا سهام ارتد إليَّ شبابي، وانهزمت آلامي، وتفرجت كروبي. . . فلولاك للحقت بأمك، ولولاك لأغطش ظلام المنون حياتي. . . سهام! انظري إليَّ! أرهفي أذنيك! تحملي الصدمة معي. . . نادر في الطور الأخير من المرض. . .).

- (بابا. . .).

- (سو. . .! سهام! هي صدمة كبيرة لا شك، وأشد منها أنني أرجوك. . . أرجوك يا ابنتي. . . أرجوك. . . يا. . . سهام!).

وساد بين الرجل وابنته صمت عميق، تخللته دموع أَسْوَانة. . . ثم وصل الأب حديثه قائلاً:

- (أرجوك يا ابنتي أن تقطعي علائقك بنادر. . . دعي ما في القلب للقلب، ولكن لا تذهبي إليه. . . لا تزوريه في المصحة. . . لقد أنذرني الدكتور مرتين، وقد فصل الممرضة المسكينة التي كانت ترحم دموعك وترثي لحبك فتوصلك إليه في ظلام الليل خلسة! العدوى يا سهام! أنت غالية عندي جداً، وعزيزة عليَّ جدً، وإذا فقدتك فقدت كل شيء. . . سهام! سهام! تكلمي يا ابنتي! ردي عليَّ! ماذا؟ تبكين!؟ أنت طفلة. . . لا، لا. . . ألم يخلق الله غير نادر. . .).

- (بلى. . . بلى يا أبي! لم يخلق الله غير نادر لي. . . لي أنا على الأقل! ولذلك. . . لا أعدك! لا يمكن أن أعِدَك يا بابا. . . و. . . أنا متعبة جداً. . . أريد أن أنام. . . عن إذنك).

مسكينة سهام! لقد جاءت نصيحة والدها متأخرة جداً! لقد كانت تنتظر حتى تنام أعين الرقباء، وتغفى جفون الليل، ثم تنسل في جنح الظلام إلى المصحة، غير حفلة ببرد الشتاء، ولا قر الصحراء؛ وهناك كانت ترشو البواب الفقير، وتجزل له العطاء، ثم تعرج إلى الطابق العلوي، فإذا لقيها بعض الخدم حفوا بها واحتفوا، فتنفح هذا قرشاً وذاك قرشين، حتى تلقى الممرضة الصغيرة الجميلة التي كانت تعرف سر قلبها وعلالةَ نفسها، فتنسى هذه كل قوانين المصحة في سبيل قوانين الحب، وتمضي بين يديها إلى غرفة نادر. . . المسلول المدنف البائس. . . فتقف لحظة خاطفة، وتستأذن. . . لتخلي الطريق المكهرب بين القلبين الحبيبين.

وكان نادر يقدر لسهام تجشمها الصعاب من أجله، وكان يلقاها دائماً بابتسامة عذبة محزونة، وعينين سادرتين مغرورقتين، وروح تكاد تثب لتلقها بذراعين من سرور!

يا لله. . . ويا للحب!!

لم يكن نادر يجهل خباثة مرضه، ولم يكن يجهل أن عدواه شديدة الفتك، وكانت سهام كنزه الروحي الذي يضمن له السعادة والأحلام، ولذلك كان يحرسها دائماً بإبعاد فمه عن ناحيتها، وكان يزوي وجهه عنها أو يدسه في منديل كلما كلمها. وكانت هي لا تبالي أن تدنوا منه لتدلل له على أنه حياتها، وأنها لا تبالي أن تصاب بمثل ما يشكو منه، وذلك من عمى الحب وجهله؛ بيد أنه كان يرجوها في حرارة أن تبتعد، فإذ لم تُصِخْ، دس رأسه بين الوسادتين، وراح ينتحب. فتشفق عليه وتبتعد.

وفُصلت الممرضة التي كانت تُسهل لها زيارة نادر لفتنةٍ شبت بين الخدم من أجل قروش سهام. . . والحق أن الرحمة بالمحبين في هذه الأماكن الخطيرة حماقة من الرحماء المشفقين!

على أن سهاماً لم تَعيَ بزيارة نادر، بل استطاعت بقروشها أيضا أن تنفذ إليه مرات ومرات!

ولم تكن سهام تجهل أن فتاها في الطور الأخير من مرضه، ولم تكن في حاجة لأن يخبرها أبوها بذلك، ولكن تلّقي الأخبار السيئة يكون جديداً كلما امتلأت به الأذن مرة بعد أخرى، وضاعف وقع الخبر في نفس سهام أن الدكتور أكّده. فلما ذهبت إلى مخدعها لتنام طفقت تتقلب في أشواك من الهموم، وفوق إبر من الأفكار السوداء التي تشبه الخفافيش.

وذهب أبوها إلى مخدعه كذلك، ولكنه ما كاد يستقر فيه حتى سمع ابنته تسعل. . . ثم تسعل. . . وهنا هاجت خلية من اليعاسيب في رأسه، فنهض من فوره وتوجه إلى غرفتها؛ ولكنه وقف عند الباب يَتسمَّع ويتسمّع. . .

(أه يا نادر. . . يا حبيبي يا نادر. . . كيف أعيش بعدك يا نادر؟. . .

وكان الصوت ضعيفاً عميقاً يتشقق عن صدر ممزق ونفس محروبة؟

ودخل الوالد الذاهل عن نفسه فجلس بجانب ابنته على سريرها ومر بأصابعه على رأسها فأحس كأنه يحترق.

وكانت سهام ما تنفك تسعل. . . وتسعل.

ونهض أبوها فتكلم مع أحد أصدقائه الأطباء في (التليفون) فجاء على عجل. . . وزار سهاما. . . وبكل أسف كان هو نفس الدكتور الذي تسبب في فصل الممرضة من المصحة.

وداعبها الطبيب بكلمات حلوة منمقة معسولة، وخرج ولم يكلم أباها. . ولكنها سمعته يقول وهو يطوي الدرج (أنا قلت، أنا قلت. . .) فكانت حماقة أدهى من حماقة الممرضة!

وتبسمت سهام تبسماً حزيناً، وجعلت تتمتم (نادر؟ سويا يا نادر!!).

ولما أحضرت قوارير الدواء وزجاجاته حدجتها الفتاة بنظرات الاشمئزاز ولم تذق منها جرعة!

واشتدت وطأة المرض على سهام، ولم تكن هناك وسيلة خير من انتقالها إلى المصحة، المصحة نفسها. . . ولم تشعر بغضاضة وهي تلم شعثها لتنتقل إليها، بل كانت تحس كأنها ذاهبة إلى الجنة لتلقى ثمة حبيبها الذي خيل لها كأنه دخلها منذ بعيد. . ومن العجيب أن صحتها تقدمت تقدما محسوساً في الأيام لأولى، لأن شعور الفرح والرضى لمجاورة نادر كان يغمر قلبها ويفعمه بالمسرة.

وجاءت ساعة الهول والفزع الأكبر.

أقضت سهام ليلة مقرورة ممتلئة بالوساوس؛ ولم تكن عينها تغفل قليلاً إلا لتصحوا فزعة من أحلام سوداء تتعلق بنادر. . . فلقد رأته مسجى فوق سريره، وقد تناثر الورد من حوله، ولف في ثوب حريري أبيض كبير هفهاف، ووقف عند رأسه عصفوران أبيضان يغردان تغريداً مشيجاً حزيناً. . ثم ما هي إلا لحظة حتى أغمض النائم عينيه. . . وطار العصفوران إلى السماء. . .! وهبت سهام مذعورة. . . وآلت ن تذهب إلى نادر، وعبثاً حاولت الممرضة الطيبة الموكلة بها أن تطمئنها. . . وعبثاً حاول الخدم معاونة الممرضة في تسكين روح سهام. . . التي راحت تصرخ بملء صوتها الضعيف المحشرج. . . وهبت تناضل الجميع لتمضي إلى حيث فتاها المريض.

وجاء الطبيب. . . وفشلت كل مساعيه في إقناعها بالنوم والراحة. . . وأخيراً سمح لها.

كانت تمشي ضعيفةً موهونة متثاقلة، وطوت الدرج في مشقة. . . وكانت تسعل سعالاً مؤلماً. ولما دنت من غرفة حبيبها المسكين وقفت تسترق السمع.

(آه. . . . آه) ثم سعال يعقبه (سهام! يا سهام! أنائمة أنت! شفاك الله ي حبيبتي! ألا أراك! وداعاً إذن!) وكان الصوت خشناً كأنه يخرج من بين شقي رحا!

- (نادر! ملك يا نادر!).

- (سهام!).

- (أجل! أنا سهام، مالك! أمتعب أنت؟).

- (لا، ولكني أعتب عليك، أ. . . أتنزلين. . . آه).

- (مالك يا نادر؟).

- (اذهبي إلى غرفتك فاستريحي. . . الدنيا برد. . . ارحمي نفسك. . . أنا شاكر لك. . . آه. . .).

- (بل أجلس معك يا نادر. . . مالك!).

- (لا شيء لا تنزعجي؟).

وكان الطبيب الرحيم البار ينظر إليهما ويبكي؟

- (خبرني يا حبيبي. . . أتشكو شيئاً!).

- (اطمئني يا سهام. . . يجب أن تعيشي لوالدك ولشبابك).

- (أنت تزعجني!).

- (لا تنزعجي أبداً!. . . فأنا. . .).

وضعف الصوت قليلاً. . . ثم قليلاً

- (مالك. . . مالك. . . يا دكتور، تعال. . . اكشف عليه!).

- (لا فائدة يا سهام! يجب أن تعيشي! سهام!).

- (نعم يا حبيبي!).

- (أل. . . آه. . . كم أستحي أن أقول لك؟).

- (بل قل. . . قل يا نادر!).

- (كنت حلم أن فوز منك بقبلة تنير لي طريقي إلى الدار الآخرة!).

ودنت منه، وقبل أن تهوي على فمه تقبله، انقض الدكتور فحال بينهما!؟!

يا للسخف!

ولان قلب الدكتور فوضع منديله على وجه نادر، وأشار إلى الفتاة، فدنت منه. . . وطبعت عليه قبلة باكية. . . ولكنها أحست بشفتيه الباردتين المثلوجتين. . . وبحركة خاطفة رفعت المنديل وحدقت في وجه الفتى. . . ولكن. . . وا أسفاه. . . لقد فارق الحياة.

وتوجهت سهام إلى الله بنفس حزينة راضية. . . وغادرت المصحة بعد أيام، ولكن لا إلى قصر أبيها وحدائقه. . . ولا إلى أحلامها وأمانيها.

دريني خشبة
مجلة الرسالة - العدد 169
بتاريخ: 28 - 09 - 1936

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى