موسى الثنيان - الموسيقار

أمشي وحيدا في طرقات المدينة الحزينة ، حاملا جيتاري الذي لم تفض بكارته بعد ، ليس في هذه المدينة ما يبعث على تراقص الأوتار ، كل أبوابها موصدة أمامي ؛ ذات عبور مررت بمقهاها فعزفتُ لهم لحانا، امتزجت ايقاعاته بعبق قهوتهم، ولكنهم لفظوها من أفواهم ، اقتلعوني كما تقتلع الأشجار وألقوا بي خارجا ، لملمتُ روحي وبقايا لحني الذي امتزج بالقهوة ،وانكفأت هاربا إلى مسرح تلك المدينة الكئيب ؛ والغبار يلتصق فيه كسجادة إلا من بعض ما تتركه أثار أقدام العصافير، لم يجد لمسرحيات شكسبير متسعا لها فوق خشبته التي صنعت من أشجار السنديان، أخذتُ أداعب أوتار الجيتار بلحن شجي ،تموجت أنغامه في الفضاء لتغني ترتيلة ملائكية تضيء ذلك الظلام كل شي يموج حزنا ، العصافير والأزهاروالبيوت ،ولم يكن هناك سوى نور ضئيل يرسله القمر، صوبت بصري إلى قاعة المسرح المظلمة، تراءت لي أطيافا من البشر تملئ مقاعد المسرح ، لا أدري متى جاؤوا وكيف؟!، هل نبتوا من الأرض !أم هل حملتهم نغمات الموسيقى إلى هنا !، أطلتُ العزف ، أنهمرت أنهارا من الدموع، بللتُ سترتي الكستنائية، عزفت لينشد الكون معي ، بعدها توقفتُ عن العزف ، مسحتُ دموعي بمنديلي الازرق المخبئ جوار قلبي ، وانحنيت إلى مقاعد القاعة الفارغة الذي تبددت منه أشباح الناس عند أخر توقيعة لحن ؛ وأنا أعود نازلا على درجات المسرح كأي موسيقار شهير ، دلفتُ كالغريب في طرقات المدينة ، قادتني قدماي إلى الحديقة المهجورة و لحن الخيبة ينخر روحي ، تقف الأشجار باصطفاف تهيئ إلي طريقا للعبور! ، مناضد الحديقة مازلت رائحة الحب عالقة فيها !،و الأزهار البيضاء التي لم تغلق أكمامها بعد للمساء قد تشربت بلون ضوء القمر الفضي وقد أصبحت نجوم أرضية ، كائنات هذه الحديقة بدت و كأنها تدعونني للعزف ، هي مأواي الأخير الذي أهرب إليه ، من المدينة إلى الأحراش طفقت أطلقتُ لحنا ربيعيا محاولا تبديد حزن أهل هذه المدينة الذين نسوا كيف يفرحون ردحا من الزمن ، فالليل واللحن الربيعي يوقظ الأشياء ،كانت نوافذ البيوت ، تضاء وتطفئ ، ولم تبقى سوى نافذة وحيدة ظلت مضيئة ، لم انتبه للزمن ولا ضعفت أصابعي عن العزف من أجل روح أظنها ملائكية تقف خلف تلك النافذ.



2012م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى