حسن البقالي - الماموث

"كثيرون هم الرجال ولكنهم ليسوا سوى ضجيج"
كولالة نوري

المقهى: مقاعد إيطالية وأعمدة من رخام..
و من خلف الواجهة الزجاجية الصقيلة, لاح له عاج الذراعين البض لفتاة عشرينية مستجيرة بركن هادئ.
"هذه مقهاي لهذا المساء"
غمغم في مكر ظاهر, وهو يترجل عن السيارة ويوقع أولى الخطى باتجاه دفء الداخل.
المقهى: أناقة باذخة, وجو مشبع بروائح متداخلة , هي مزيج من رائحة الخزامى ودخان السجائر الشقراء ولهاث الغابات القصية .ألقى نظرة عجلى باتجاه فتاة الركن الهادئ , وتحسس حافة طاولة مقابلة لصباحة وجهها :
"ها قد انطلق السهم من عقاله , ومن أعطاف الذات الموتورة تند صيحات الجد الأول لصيادي البراري."
علبة السجائر الأمريكية الزعراء, الولاعة المذهبة, الهاتف المحمول آخر طراز, والمفتاح الأوحد للسيارة الراسية بالخارج (الأكسسوارات المساعدة التي حلت محل القوس والنشاب)..وضع الكل على الطاولة, ثم غطى جنبات المقهى بنظرة جوالة:
والمقهى: فتيات في عمر الزهور..
فتيات مصحوبات وفتيات وحيدات , يدخنن, يضحكن, يترقبن, ينقرن على ملامس هاتف متواطئ أو يغزلن نسيج فخاخ لامرئية..لغط وقهقهات وغزل ونظرات غير بريئة..
- قهوة "نورمال"
قال للنادل, وإذ راى طاولة الركن الهادئ فارغة أردف :
- لعل الآنسة تود ان تشرب شيئا.
- شكرا آسيدي..
ردت الفتاة , وقد حطت حلاوة على شفتيها المجللتين بلون الورد, وعبر كحل العين أطل ضوء ما لشمس هاربة, فهل لزق الطائر بالنبتة المدهونة بالغراء؟
أيها الكركي الجميل
يا هزاري المغرد..ليس لي إلا ان أمد يدي كي أتحسس زغبك اللطيف..
تذكر أخريات وقعن بالسهولة التي يشرب بها المرء كاس ماء, غزالات انحدرن من الجبل او الصحراء أو السهول الخصيبة , ثم انتهين على مقعد السيارة أو في إحدى الغرف المغلقة قبل أن يرحن في حال سبيلهن غير آسفات على شئ.
- هل آتي إليك أم تأتين؟
سألها مستعينا بإيقاعات الوجه وإشارات اليدين, فردت بهزة كتف ملتبسة رأى فيها دعوة مضمرة..
"تترنح الطريدة الآن
توشك على السقوط" ..وهو يشيعها بعينين دافئتين ونفس رضية , وربما سمع, في لحظة ما عواء ذئاب متربصة عن قرب وأظلاف جواميس تدك الأرض, ثم رأى المقهى حديقة أرجوحات لذيذة, تميس في جو ربيعي لطيف وموسيقى تطلع من مسام للأرض أو الشجر تنوش الروح, وتبعث على احتفال الجسد ..هب واقفا ومحا الخطوات الفاصلة بين الطاولتين
- سلامي أيتها الجميلة, هل تسمحين؟
- إذا أحببت, لكن..
قال مقاطعا:
- هل ترغبين في مشروب آخر ؟ أرى أن..
وطوح بكلمات على اليمين وأخرى على الشمال, تخللتها طرفة مسلية أو تعليق عابر, فيما ظلت تتابعه باسمة, تتفقد المحمول أحيانا أو تنظر باتجاه الباب..وفي لحظة, غردت ضحكة عذبة في فمها وباليد رسمت تلويحة ترحيب..
بدت له فتاة أخرى تتخطى باب المقهى وتتوجه نحو الركن الهادئ.. زخات ماء انهرقت على دفقات الدم ويقين الحصول على الفاكهة الموعودة قد خالطه بعض ارتياب..
- بونجور "شيري"
- بونجور احْبيبة
تبادلتا التحية ونظرات اشتياق..قبل ان تلتفت الزائرة إليه في تساؤل
- آه..لا عليك عزيزتي ..
بادرت فتاة الركن الهادئ قائلة..
- لم يمنحني فرصة كي أوضح له.
- إذن لم يعرف بعد أنه مجرد حفرية من زمن غابر, ماموث منقرض؟
- أنه مجرد..ضجيج.
وعلت ضحكتاهما رقراقتين متواطئتين ثم انخرطتا في مناجاة لذيذة وقد نسيتاه تماما.



ماي 2007

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى