أيمن مارديني - خدر مقيم

في اللحظة الهنيهة رفة العين، وبعد أن انغرزت في ذراعي، وقبل أن يسري في دمي سائل النوم الطويل قال الطبيب، وقد كانت أواخر كلمات
ماذا تريد أن تفعل غداً؟
غداً كما هو اليوم السماء من حجر، ومن رمال يابسة... أعشاب ضارة تنمو على شقاء العمر المتبقي.
غداً، وبعد صمت نال مني أكملت:
سأعترف أمامه وبعينين مفتوحتين أني أمقت الحياة، أو أحبها، وأكرهها، وأني كاذب في اعترافي السابق.
غداً سوف تكون طفولتي واقفة على مشارف الأرض، تلعب بالشخوص والمصائر والأقدار لكل من انتهك قلقي من الحياة الذي ولد معي، وكان توأمي الذي مارس حياته بزاد قلقي.
غدً لن أشرب قهوتي، لن أمج سيجارتي، وسوف أقطف من الصباح شرفته، وأضعها على وسادتي لتنام في كسل. فهي تطل على شقاء من شقاء وتعب من أجل الإنهاك، ولا طائل سوى الاستمرار في العيش.
غداً سوف أهرب من حضن طفلي الجميل، من ملامسات طفلتي الفراشة، ومن كأس الماء الذي ستناولني إياه حبيبتي. من مصافحة صديقي الدافئة، ومن نظرة جارتنا الأمومية لي، ومن هواء الصباح النقي الذي تشبعت به غرفتي، أو صوت العصفور الذي ضل طريقه إلى حافة النافذة، وأعلم أنه روح طفلي الذي فقدته زمن الطيش. من صوت فيروز الذي يتسلل إلينا من هناك، ومن شهيق يحاول عبثاً أن يخنق اللهاث. من روح القصيدة التي سيرسلها لي الشاعر الافتراضي.
غداً لن أتفوه بكلمة، لن أتمتم، لن أفكر، ولن أ تخذ قراراً بمحاربة عيوبي، أونقدها بشراسة كما تعودت.
غداً لن أمشط شعري، أو أحلق ذقني. لن أشذب شاربي، أو أقص الشعرة البيضاء الوحيدة التي دأبت على الظهور حديثاً.
غداً لن أمارس هوايتي الدائمة بالقراءة والكتابة، أو أن أستمع إلى شوبان .
غداً لن أصب كاس النبيذ الأحمر في المساء، ولن أتأمل لونه، أو أتذكر دم المسيح الذي سكبه غفراناً للعابرين.
غداً لن أمارس الجنس الحقيقي، أو التوهمات التخيلات الهلوسات التي ترافق سيري إلى العمل لقتل القلق.
غداً سوف أخلط ألوان البحر بالصحراء، وأسكب في المزيج أيضاً الكثير من رماد الفراشات المحترقة.
غداً سوف لن أفعل كل هذا إن شفيت منك أيها الموت المقيم في أرجاء القصيدة.

يصلني صوت الطبيب وهو يقول: هيا... استيقظ ... أنت الآن حر... لقد جاء قرار الإفراج عنك.



* نقلا عن مجموعة يا طالع الشجرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى