عبد الجليل سليمان عبى - تشكيل حركي ثان لحوض ماء قديم

ليس أمامكم بابا فتقصدوه
“وليس وراءكم بابا فتلتفتو اليه” الامام النفري.


مازال صوتها ,,

تلك العجوز الصلفة يتردد على أذنيك رغم الضجيج. رذاذ المطر يرشح جسدك الزاهد, تتجاذبك هموم الناس والأرض وهمومك الخاصة ويترآءى لك صوتها مخنوقا ومبحوحا وسمجا.

لماذا لم يكتب اليك رسالة واحدة ؟ لماذا لم يبعث بعنوانه؟… لعله الآن يعاقر (الدومة) في هجير صحراء دنكاليا ويصنع من بندقيته وترا تستريح على انغامه طيور البياض الراحلة
دووو , دو , دو

لقد عثرت عليك في منتصف جنوح صلفي نحو الفوضوية, كنت صغيرا آنذاك وكان على ظهري ثقب من نار , وقلبي يدوي.

وكنت أنت في منتصف حوض الماء القديم حينما لم تنتبهين لطيور البياض المهاجرة من الساحل مع طلائع فصل الامطار , حينها وضعت على يدي رسالة البحر الأولى:

” آن للصحراء ان تخلع الآن رعوننتها, أن تنزاح قليلا من مزالق متخامة سواحلي. آن لبخار الماء أن بتمرد على حالة كونه يخرج من باطني دوما, اذ أن امعائي صارت تكره الزفير. وللسفن أن تلهوا كيفما شاءت ولي أن أتجمد قليلا – وكيف حال المساء بين نهدى الحبيبة.

وبعد

هذي الظهيرة مثل الجحيم

أتتني النوارس تلهث

تعلن أن ..

الفضاء البعيد يفج فراغا,

يريد امتلاءًا أخيراً

بعد الحبيبة للانفجار

…………….

لحوضي القديم نهودي

واثداِئكم

بكم قد أدبر امري

وألغي ارتباطي بصحرائكم

سأخمش ذاتي

اذا لم تردوا على الرسالة

وأقذفها في الفضاء البعيد

أعدوا السفينة

لا تكبحو شهوة الاسئلة

” صديقكم البحر”

وفي منتصف الطريق سحبت يك ببطء من باطن كفها وشرعت في تأمل هفهفة الفعل على أجنحة الطيور , حيث مساحات التأمل غير قامبلة للاحتكار.

حوض الماء,

القديم.

العشب . بعض الفطريات والماء آيل للاخضرار اليتاك العاريتان على قاعدته اللزجة. والماء متبل بخراء السحالي يلتف حول عنقك. يطوقك.

حوض الماء القديم.

العشب. وأناملها, انبثاق نهداها من شفافية الماء الأخضر الفاتح, لون الحلمتان, امتلاء ريقك باللعاب. كتفها ناعمة الملمس, وشرايين نبضك الدافئة تمتلئ بالدم الفوار.

قال من كنت تفتكره نقيا:

ارحل. أهلي قادمون.

حملت أمتعتك..

قال الحوض: ” أهلا قد عرفتك”

…………

غادر “جابر” دون أن يترك عنوانا هل حاقت به لعنة الاهداءات.

صار ميتا , انطفأ مرة والى الأبد صوت تلك العجوز اللعينة اللعوب.

والمدينة التي أخذت منك أربع من أنفر وأبهى من سنى عمرك غفلة.. عدا بعض من الروعة المستحمة بعرق بعض الأصدقاء الحميميون, ستنهار في ذاكرتك التي لا تنسى شيئا.

****

غادر جابر دون أن يترك نجمته الضاحكة.

الصحراء والظمأ والبندقية..

والأوفيا قليلون والسماء أوسع من الأرض , والطحالب تنمو بهدوء في حواف حوض الماء القديم وقاعدته. وأشعة شمس الضحى تنعكس فس اخضرار الماء.

حملت امتعتك على ظهرك ورحلت. وكان على ظهرك ثقب من نار.كنت في انتظار عودة طيور البياض , حين داهمت منزلك بغتة تلك العصافير الجريحة وكنت تشفق منها عليها.

****

متأخرة دون ابطاء

أعنت أن مضجعها سكون حلم تواتر الشعر فيك. غادرتها عندما صار صوت العجوز النزقة يطن في أذنيك على الدوام.

عدت ثانية الى هدوءك….

قرأت رسالة البحر الثانية

جاءتك من لدنه تحملها طيور البياض في صبيحة موشومة بخضاب حنائها..

” قد تكون جزيئاتك الآن

سفرجدة أو شفق

قد تكون على متن حبك

نصا جديدا..

يهزك..تغفو قليلا..

وتنهار , تحلم

أن النهار,

جدار من التعب الساحلي.


” اليك القصيدة _ ولي السلام.

لك اندثار الشتاء وملحي

موجي يشتاقك الآن..

لا تغرق في غيره..

لا تغرق في غيره..

صديقك البحر”

***


جلس على صخرة من عورته قرب حوض الماءالقديم, استدعى حاسة شمه القديمة وخراء السحالي لا زالت رائحته عالقة على حواف فتحتى أنفه

الا ان جابر كتب رسالته الآن

” يكفي أني أحس براحة ما “


حوض الماء القديم

تسنى – منزل جابر

غير محدد الابعاد – مجازا يشبه الرباعي. غطاءه من الزنك الصدئ – ماءه نميرا, ومختلكا بالطحالب

وأنا ذاكرة لا تنسى شيئا..


مايو/يونيو/ أغسطس 1998م
– تسنى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى