محمد إبراهيم ولد محمدنا - الصبــاح البعيـــد

الساعة ترن بشدة، تبا لهذا المنبه الملعون، أتقلب يمينا وشمالا تبا للعمل والمواعيد، وزوجتي في المطبخ وداخل دماغي استقر خليط مزعج من صوت الأواني والمنبه... استيقظت أتلمس الفراش حولي بحثا عن الساعة التي كان جرسها يرن حتى عثرت عليها فكتمتها، لكن ما هذا الظلام وصوت الأواني أين هو وأين الضوء الذي عادة ما يكون داخلا من النافذة إذ أنها الساعة السابعة ذلك موعد رنين المنبه، أوه، لعل الساعة الملعونة تلفت أو عبث بها عابث، أو لعل الجو غائم، لكن ماذا هناك في الخارج، أصوات وجلبة؟!.
لمست زر الكهرباء، النور يغمر الغرفة والساعة تشير إلى السابعة والربع وخرجت لأرى ما ذا يجري في الخارج فوجدت زوجتي على عتبة المنزل تبكي سألتها:
- ماذا حدث؟!
- إنها القيامة، لقد اختل نظام الكون لاشك، توقع انفجار الكرة الأرضية واندثار المجموعة الشمسية وضياع الوجود في العدم.
- ماذا تقولين؟ !
- الشمس لم تشرق هذا اليوم تأخرت ساعتين عن موعد طلوعها
- غير معقول !

- هذا ماجرى !.
وهرولتُ إلى جمع من الجيران في الشارع غير عابئ بها وهي تنادي وقد تملكني خوف شديد.
قال أحدهم:
- ألا يمكن أن تكون جميع الساعات مخطئة؟
- ذلك مستحيل
- وتأخر الشمس أليس مستحيلا؟!
- لكنه وقع
-هذا لا يصدق !
- وحدوا الله إنها القيامة وربما أشرقت بعد يومين أو ثلاثة من الغرب
- لكن أين الشرق وأين الغرب؟!
- إنها كارثة، الشمس فقدت سيطرتها على الأرض، وربما تكون الأرض الآن مبحرة إلى وجهة لا يعلمها أحد
- لا أظن ذلك
- ما ذا حدث إذن؟
- لا أدري ! .
ولمحت في الازدحام الشديد وجه ميمونة بنت صديقي أحمد سالم التي طالما دغدغت أحلامي، فتسللت إليها بين الحشد حتى غمزتها في ذراعها وانتحيت بها جانبا وكانت تبكي فقلت لها:
- هذه هي الفرصة المناسبة لكي أبوح لك بإعجابي، ولو أنها فرصة مأساوية
- هل حقا هذه فرصة مناسبة ونحن على أبواب القيامة؟!
-ألم تلمحي إعجابي بك أثناء زياراتي لكم؟
- لم أنتبه لذلك وما كنت لأهتم به.

تراجعت عنها غاضبا، وفوجئت بابنتي تقف مع شاب من زملائها وعندهما مسجل يصدر أغاني عربية شبابية، هجمت عليهما وركلت المسجل برجلي ثم أمسكت بالشاب وضغطته علي وقلت وأنا أوجه له لكمة شديدة من يدي
- لا حياء لديكم، لهو وعبث حتى في مثل هذه الظروف.
في تلك اللحظة أحسست بابنتي تلف يدها على رقبتي وتشدني إليها بعنف وتُخَلصُ الشاب من يدي ثم سقطتُ على الأرض، ورأيتهما خلال الزحام يد كل منهما في يد الآخر وسرعان ما اختفيا.
فقمت من مكان سقوطي وإذا بي أنصت من جديد إلى النقاش المستمر بين الحشد:
- ياقوم هل سنبقى هكذا؟!
- وماذا تريد أن نفعل في هذا الظلام؟
- نذهب إلى أعمالنا
- أية أعمال؟!، لا عمل عندما لا تشرق الشمس فالكون الآن تعمه الفوضى ولا جدوى من الاستمرار في النظام.
- ماذا لو استمر هذا الوضع إلى الأبد؟
- سنتكيف معه، ففي القمر بعض العزاء
- القمر لاشك فُقد مع الشمس
- المهم أن نبقى على قيد الحياة
- نعم، ربما نستغني عن الشمس
- لا حياة بدون شمس
- هذا مرعب
- ستتكيف إن عشت مع الرعب

واستبد بي الخوف فعدت إلى بيتي ومررت على زوجتي عند العتبة وهي ماتزال تبكي فتجاوزتها حتى وصلت إلى سريري فاستلقيت عليه وأغمضت عيني والصراخ يعلو في الخارج والأجهزة الإذاعية تضج بمختلف اللغات،... والرنين أوه، من أين يأتي هذا الرنين المزعج، لعل الساعة الملعونة عادت إلى الرنين لسبب ما وأردت أن أسكتها، لكن قبل أن أتحرك توقف رنين الساعة واشتعل النور في الغرفة.
نظرتُ فإذا بزوجتي عند الباب وهي تقول:
- قم واترك الكسل، حتى المنبه لم يعد يؤثر فيك؟!
- لقد رأيت كابوسا مزعجا،كم الساعة الآن؟
- لقد تجاوزت السابعة.
وبالفعل خرجت معها، وتناولت إفطاري إلى جانبها ومعنا ابنتنا الوحيدة كما هي العادة كل يوم، وقد تسلل شعاع الشمس الذهبي الجميل من النافذة وكان له في ذلك اليوم منظر أجمل من منظره في الأيام السابقة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى