حسن محمد إدريس - ساواب

( أن تحب وتخسر أفضل ألف مرة من ألا تحب إطلاقاَ )
لويس أَرجوان


تُحمص قلوب الرواد مع حبات البن ، لتنكأ فيّ جرحاً ، وتتعثر الأحرف لتتلاشي مع بخور أنفاسها ، تتهاوي أنجم في فضاءات قلبي ، أعتصر اللذة متجرعاً كأسات الصبر ، وهي مُتدثرة بثوب الكبرياء ، وشئ قليل من العفة . *تربال * يغرق في بركة هواها ، يحترق وهو يغرس الأمنيات مع شتلات البصل . يشتمُها في رائحة البن ، ويراها في خضرة الحقل الممتدة أمام ناظريه ، مُتوسدٌ صوتها ، وهو يحكي لها عن النيل الذي جرف أشجار النخيل التي تشبة رفيف خطواتها ، يُقدم لها قلبه هديةً ، وهي تُقلب القلوب في كل لمحة ، وفي كل لحظة أضبط أحد المعجبين متلبساً ، وحتى ذاك الشيخ المتصابي يسترق السمع ، وهو يتجرع حسرته مع الحليب ، تضغط أزرار الجوال فإذا به خارج نطاق التغطية ، وهي ترتشف الشاي وأنا أَحاول أن أدنو منها ، تبدي النفور دوماً ، غير إن عينيها تضُج بالتوسُل وتبتهل لي لأغدو أكثر جرأة ، مثل ذاك التربال المكتو بنارها . أطراف المدينة غاصة بفتيات الشاي ، وأشياء أخري يمارسنها خفية . أختلي بنفسي وطيفها ، وهي منتصبة أمامي في الناحية الأخري من الشارع ، تُحدثني عيناها لأتغابي ،ولكن يُراودني أحساس بأنا نتعارف مُنذ أمد بعيد فالغنج في حديثها ، وضحكتها تُشبه طريقة إحتسائي للبن . سائق سمج يتفوه بعبارات سوقية لترسل ضحكة تهكم مُتهتكة ، يحس بوخزاتها في أحشائه .

أتمتم

(بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت

يا حانة مفروشة بالرمل ) .

تقاطعني

سجمي دا ما شعر

أتأمل تلكم الحانة الرملية في مخيلتي والمخيلة السودانية والقوم مفترشين الرمل ومتوسدين حقق الصاعوط ، والكؤوس تدار من علي يد *الكنج *

تقطع علي حبال سرحتي . وفناجين القهوة تدار بطقوسها المتفردة ، وأنا أتمرق في وحل أحزاني ، طاحونة تدور رحاها لتشاركني بعض من ألآمي ، كل الأعين تمتلء بالرغبة ، والتوجس يرمي بظلاله علي أهداب البخور العدني ، لتنبجس عيون الحكاوي من ذاك الفتي الأمدرماني ،الجالس قبالتها ، تدري ما يريد ولكن تتعمد التغابي ، لأستلقي على صمت الهجيرة ، أتحسس مساحيق العهر وهي تغطي وجوه الحاضرين .

أنسرب في حلم ممتطياً براق نهديها ، وهي غائبة هذا النهارالذي تمر ساعاته متثاقلة ، وأحداثه متلاطمة ، شاحنة تدهس طفلة ، بغي تُحاول الإنتحار ، حريق يلتهم أحدي الحانات ، وأنا أحبو على رمل المسافة بيننا، والذي يُبطن فجيعتي .

– وأنت تدقين مسامير نعشي على عُتمة شَعرك ، جارة لها تُبدي لنا حياءاً مصطنع ، وهي تقطع علينا خيوط الحكاوي ، أدير مؤشر قلبي فإذا به مُتوقف عند محطات خوفي منك عليك وأنا اراقب إندلاق الرغبة يظلل اللحي ، لتنطلق فيهم ألحان من الحرمان .

– سيدتي لجسمك عطر شديد الغرابة يقع في بقعة ما بين قلبي وخط الإستواء فيه شئٌ من رائحة البن وأريج البرتقال ، أيسكُن فيّ أم أنا مسكون بجنونه ؟ وتتناثر من شفتيك الخبز والحلوى ، تحدثني عن كثرة راغبيها ، وهو يشكو لها ليالي الوحدة والحنين للديار، والنخلا ت التي جرفها النيل ، تضن عليه باللقيا ، ليهيم شوارع المدينة الحديثة باحثاً عن راحلة تفضي به لتخوم قلبها ، فإذا بها أمامه بصطدم بجذور هواها , وهو يشتل بنات أفكاره في تربة أردافها ، وهي تشد ستائر الخفر .

إبتسامتها مشهد سافر للدفء ، أطبع قبلة على خدها عنوة ، فإذا بها تعلق اللوحة على جدار قلبها (أوتدري ياصفي القلب !! مايلج توأمك المقهى حتى تبدي الإرتباك ، و تنبثق في ذهني صاحبة تلكم الحانة الأسمراوية، وهي تقول مشربي ، وكل مأ فيه تحت أمرك يا سيدي ” تهيت لنا كل شئ في غرفتها الخلفية الخاصة ، وهو يشبهك حد التطابق – الاسم، القامة الفارعة ، الضحكة ، واليد الممدودة للمصافحة دوماً، حتى تلكم القبلة الضائعة يحمل سمتها . غير إنه ممتنع عن إغواء تلكم النجمة ) .

في ذاك الصباح الغائم أنفض عنيّ غبار حبها ، وشوارع البلدة مغتسلة ، لأتوكأ على ما فيّ من بقية فخر ، وأروي لكم قصة إنزوائي في هذه المدينة التي لست أدري أهي/ المعسكر / أم الوادي / أم الورنوب / التي قامت على زراعة الخُضر ، وأشياءٌ أُخر تمارس في الخفاء ، ونصف هذا الكأس يشطرني لنصفين ، لأفتح صفحات البريد الألكتروني فإذا برسائلي كلها معنونة بإسمها ،أحاول أن أمسك بقصاصة أفكاري ، وأكتب على سحب من الدُخان ، ورُقعة تشبه كفني ، لأسجيها من على حبر كلماتي التي كانت أحياناً تقع على مسامعها كالشرر المتطاير من موقدها .

وهي تزرع المقهي جيئة وذهابا . أسألها

– ماذا لو جمعنا عدد خطواتك على خط مستقيم ! أين لأوصلتك ؟؟ – إلى تخوم قلبك القاسي – ألا تشتمين رائحة الشواء

تجيب باسمة .

وحينها أسحب قابس الكهرباء عل موجات إرسالها تنقطع لأتوسد سراب أحلامي ، وتمدد غُيوم ذياك السراب وهى تقول( أنيب دوان هوك). ليتردد صدى صوتها بلحن بجاويّ قديم ويعم الوادي ……. (ب ا د و ن ا … بـــــــــــــادونـــــــا ……………… بادونا )



* أنيب دوان هوك : أريد أن أنام بالغة البيجاوية
* بادونا : لا تنام وهي مطلع لأغنية تراثية البداويت
* ساواب :- (باللغة البجاوية) وادي ساوا في غرب أرتريا
* تربال :- الفلاح ) بالعامية السودانية(
* الكنج :- ساقي الخمر
* الورنوب :- مقطع موسيقي بالربابة
* أنيب دوان هوك :- سوف أنام (باللغة البجاوية)
* بادونا :- لا تنام (باللغة البجاوية)


حسن محمد إدريس
أسمرا – أرتيريا
مارس/2006

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى