ميس داغر - الذي فات

ثبّتت أمّ عطا قبضتيها بحزم على جانبيّ خصرها، وكانت الدماء الحارّة تغلي في رأسها وهي تنفجر في زعيق حادّ تعاتب زوجها الذي كان يحدّق فيها باضطّراب، وأصابعه تلفّ ورقة سجائر من أردأ أنواع التبغ المفروط:

  • بتتذكّر لمّا قلتلّي في دار أبوي، لمّا جيت تطلبني قبل واحد وعشرين سنة، مصاريكي رح تظلّ إلك... والله يقطع إيدي إذا بمدّها على راتب شغلك... وإنتي مطلوبة منّي ليوم الدين وأنا مش مطلوب منّك؟
وبتتذكّر بعدها لمّا تجوّزنا، قبل تسعطعشر سنة، كيف لفّيت كلّ فلوسي من ورا الخياطة في بطنك؟ وكيف قبل منكمّل أوّل سنة في زواجنا رحت بعت ذهباتي غصبن عنّي وسدّدت فيهم ديونك؟

وبتتذكّر كيف أبوي طلب منّك عند كتب الكتاب، سنة الـتسعة وثمانين، تخلّيني أكمّل توجيهي عمنّي بقيت شاطرة في المدرسة؟ وبتتذكّر كيف أبوي مكتبش هاظ الشرط في عقد الزواج عمنّك بقيت محترم وابن ناس زي مبقولو؟ بتتذكّر إنّك من أوّل يوم زواج طنّشت كلمة أبوي الله يرحمه، يا محترم يا ابن ناس؟

بتتذكّر كيف أهل حارتك كذبو علينا وقتها لمّا سألنا عنّك، قبل واحد وعشرين سنة، وقالولنا إنّك عند كلمتك؟

وبمجرّد أن انتهت أمّ عطا، الدامعة عيناها حنقًا، من فضفضتها، انفرطت أسنان أبو عطا الصفراء تكركر قهقهات هرشة عملاقة حتّى كاد ينقلب على ظهره. ولمّا هدأت تموّجات الضحك في بطنه، عدّل سيادته الكرسيّ تحت إسته بطمأنينة رئيس يعدّل عرش الدولة المملوك لقفاه، ثمّ عاد يكمل لفّ التبغ ويردّ عليها ببلادة تمساح: لععععع... أبتذكّرش.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى