رحمة محمود حجة - بينَ.. بين !

لم تغلق باب غرفتها، فهذا زمان الجرائم المكشوفة، و لم تعر انتباهاً لتماوج الستائر التي تفصل زمنياً بين نوافذ البيت و العالم الذي يمارس الخفاء يومياً دون إشهار لقهره و اغتصابه في مواجز الأخبار..

تفكر.. تتكلم.. تخفي و تظهر، تتعثر بالصوت الخفيض، ثم تستل حسامه ليفتك بها، و يشطر عمرها سطرين، أحدهما ملغوم بحروف الشهوة، و الآخر بصمت الخطيئة...

سيبدأ و إياها السير على صراط الرغبة، ثم يحتسيان سوياً نخب العذرية الضائعة بين الصفحات البيضاء الملوثة بدم الجنون بينهما، غير آبهين بالكون المحاصر بين شفتيهما المرتبكتبن، و ها هو يعلن أنوثتها بين كفيه، تحتويها ذراعاه المهزومتان بالشوق للف خصرها حدّ الثمالة، يتصفحها عارياً أمام شاشة فكت أزرارها بيدين من نحاس، و ما زالت السر في أيقونة الجذب بين دفتي قلبه، تنتظره بكل الحول و القوة، بشكل مغاير كل يوم، كي يستمتعا بالألذ و كل ما لن يحصل بينهما على فراش مشتعل بالطهر المعلَن للجميع!!

يناديه والده.. لا يستجيب!

تناديها أمها.. لا تسمع!

يقيم المؤذن صلاة المغرب.. فلا يتساءل أي منهما عن ميقات الصلاة!

يصرخ طفل.. يعوي كلب.. تتمطى القطة.. ينكسر الكأس و تسقط ملعقة عن الطاولة.. يعلو صوت انفجار من نشرة المساء في العراق، و نواح الفقد يعلو الجثث العابرة لزلزال هاييتي، و المراسل الفلسطيني ما زال غارقاً في مباحثات الاقتراب من "غير المباشر" في سقطات "الدولة" العتيدة، و "المباشر" في جرف الأرض و المواطن من بيت العائلة الذى لا طوب-ى-ة له تحميه.. و يعلو جرس الهاتف الذي جرّ قدمي جارتها اللاهثتين.. لربما يحمل صوت ابنها الغريب في بلاد لينين، لكن.. لا أحد يستجيب أيتها الجارة !!...تتفلت الآلة من بين يديهما، يستسلمان للنشوة.. ثم يهدآن........ و لا شيء مسموع في كل الضجيج المحيط سوى صوت (الآه) الذي يخترق قلبيهما معاً متسللاً من سماعة الأذن التي تصل قلقه بقلقها و شوقهما المشتهى لانهيارات الجسد.

تفرقهما الطريق.. فيمارس كل منهما أحلامه بالآخر حتى ميقات صحوة جديدة بينهما، و ما بين ذلك صمت تحت صراخ "دوش" الاستحمام، و توتر ملجوم بالخوف، و فرك عنيف برغوة الصابون لمحو كل أثر لا يمت للعفة بصلة.. لكن، كم يلزمهما من "الرغوة" حتى يغفر الجسد؟!

تستلقي على فراشها بين شهيق و زفير، و بين لذة المعصية و جلدها.. هي بين بين !

يتابع اللف و الدوران بين الشركات و المؤسسات لإقناعهم بمزايا مؤسسته التي لم يقنع بها أصلاً سوى لكسب رغيف و محرقة أنفاسه اليومية، فيظل على أهبة الحب بين سيجارتين، يشعل إحداهما لها، و الأخرى يعذب بها أصابعه التي تجرأت على لفظ كل ما كان، خائفاً أن يظلا حبيسي صوت و شاشة، لا تجمعهما التوبة !

- حبيبتي كيف حالك؟

- بخير، و أنت؟

- بخير.. و لكن..

- إن كنت نادماً، فأنا كذلك!

- دليني.. كيف نتوب؟

- نعلن أنها ستكون المرة الأخيرة، و نعلي اسم الله بيننا، و بعدها لن نعود..

- إذن فلنبدأ

- هيّا...


تصاعدت سحابة في الأفق، معلنة مطرا شديداً، و الحنين يعلو بمقياس ريختر، و ليس يريحهما الشوق و الانتظار العقيم للاشيء، ها هما يسرعان إلى ملاجئهما التي يحتاطان بها كل حرب لذة، يبحثان الدفء في عيون بعضهما..تمنحه القبلة الأعنف، و يمنحها جهنم سريره، فتسحبه شظايا في جسدها الممدد أمامه، ثم يقفلا أذنيهما و عينيهما عن العالم.. و يبدآن... !!

أصبحت التوبة لعبتهما المفضلة التي يحاولان فيها ربح الله، كما تماماً همس أجسادهما محاولين الوصول فيه لذروة الشعور.. ما يزالان بين.. بين !!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى