محمد البساطي - اغْتيالْ

وقتلوه أخيرا. أخرجوه من الزنزانة‏.‏ مشي في طرقة ضيقة وثلاثة من الحراس وراءه‏.‏ نزلوا درجات السلم الأربع وعبروا قاعة واسعة في نهايتها حجرة مضيئة بابها مفتوح‏,‏ يجلس بها ثلاث من الرتب العسكرية الكبيرة حول منضدة بيضاوية‏.‏ قال واحد منهم يبدو أنه رئيسهم‏.
سالم؟
أومأ صامتا.
ـ ماتعرفش طبعا طلبناك ليه.
ـ لأ.
ـ كنت ضابطا في المخابرات لفترة طويلة. نحو عشر سنين، وكلفوك بقتل زعيم معارضة، المرة الثانية التي حاولت فيها قتله. قبض عليك وحوكمت. العقوبة كانت ثماني سنوات. قضيت منها خمس. صح؟
ـ صح يا أفندم.
والآن. نريد أن تقتله ولا نرغب في أي أخطاء. إيه رأيك؟
حل صمت.
قال الضابط الكبير: اتكلم.
ـ وأقتله إزاي؟
ـ حا أقول لك. موافق؟
ـ موافق.
شوف يا سيدي. أقعد.
وأشار إلي مقعد خال غير بعيد عنه
حانخلق منك شخصية ثانية. ونعطيك الحرية أن تقتله. تقتله بالطريقة السليمة. الفشل معناه قتلك. ونحن من سيقتلك. لا نريد أن يظهر دورنا في العملية فيثور العالم علينا. واضح الكلام؟
حل صمت.
قال الضابط الكبير: اتكلم.
أومأ موافقا.
كويس. كلام قليل. خلي بالك معاي. دي بطاقة شخصية باسم غير اسمك. حسين. كويس كده. ما تلفتش النظر لك. ودول قرشين تصرف منهم. وتنزل في فندق درجة ثالثة. هادئ. موش زحمة. واضح كلامي.
واضح.
ادخل الحجرة اللي وراءك. غير هدومك. وحاتلاقي في شنطة ورق هدوم تانية علشان لما تحب تغير شكلك. وفيه شنب كبير في الشنطة الورق ومعاه لاصق مفهوم؟
ولما أحب اتصل بكم استفسر عن حاجة.
ما تتصلش بنا أبدا. من اللحظة دي لا نعرفك ولا تعرفنا، مفهوم كلامي؟
مفهوم يا أفندم.
بالتوفيق.
*
جرت المحاولة الثالثة للاغتيال في شارع عام وقت الظهيرة, كانت السيارات الكثيرة تقف في اشارة مرور. يعرف السيارة التي يركبها الزعيم. كان قد راقب بيته يوما كاملا. متظاهرا بقراءة جريدة قديمة عثر عليها فوق الدكة التي يجلس عليها في مواجهة البيت.
حين رأي سائقه يخرج بالسيارة وهو داخلها، استأجر تاكسي وتبعه. توقفت السيارة في إشارة المرور. نزل من التاكسي وألقي نظرة خاطفة علي السيارة، وقال انها اللحظة المناسبة.
كان يلبس جلبابا من الصوف وكوفية تخفي نصف وجهه ويحمل مقطفا ممتلئا بجرائد قديمة. انحنى بجوار سيارة الزعيم وكأنما يربط حذاءه، وجذب صمام الأمان من القنبلة ودحرجها تحت السيارة، وأسرع مبتعدا. في اللحظة نفسها فتحت اشارة المرور. حين رأي السيارات الواقفة تتحرك التفت مذعورا، ورأي سيارة الزعيم تتحرك بطيئا، وحلت مكانها سيارة أخري تسوقها امرأة وعلي مقعدها الخلفي ثلاثة من الأولاد الصغار يغنون ويصفقون, لوحوا له حين رأوه ينظر إليهم، هرول متخفيا في زحام المارة. وترك المقطف بجوار دكان مفتوح. وسمع الانفجار. لمح أجساد من بالسيارة تتناثر، ومالت السيارة علي جنبها مهشمة.
مشي مسرعا حتي بلغ الفندق. تلفت حوله. لا أحد يتبعه، وقف لحظة وأخري ينظر إلي الشارع محدقا إلي وجوه المارة. لا شئ. صعد إلي غرفته.
خلع جلبابه وقذف به والكوفية إلي الشنطة الورقية. لبس البدلة، وجمع ملابسه في شنطة ورقية أخري، وجذب شاربه وأزال آثار المادة اللاصقة من فوق شفته.
يعرف أنهم سيحاولون قتله، وعليه أن يختفي. دفع حسابه في الفندق، وخرج ليبحث عن لوكاندة رخيصة.
جرت محاولة قتله بعد خروجه بخطوتين. لمح سيارة مندفعة نحوه تسعي لهرسه بالحائط، اندفع يجري في الشارع ودخل حارة جانبية ومنها إلي شارع يكثر به المارة.
سار متمهلا إلي اللوكاندة، تمدد ببدلته ونام.
صحا بعد ساعتين.
أخذ حماما وأفاق. والآن؟. سرعان ما يكتشفون مكانه. لابد أن يختفي. أين؟. تذكر امرأة كان يعرفها من سنوات. ربما لا تزال في بيتها. لبس بدلته وخرج.
*
دق جرس شقتها. فتحت الباب امرأة مليحة. حدقت لحظة في وجهه. ثم صاحت:
سالم؟ يا خبر. عاش من شافك.
وأنت زي ما أنت. ما تغيرش فيك حاجة.
دايما كان كلامك حلو.
وأنت كمان.
موش قادرة أقول لك تفضل. أصل اتجوزت.
وحل صمت.
قالت: وعندي ولدين. والحمد لله مستريحة.
أصلك وحشتيني قلت آجي أشوفك. وشوفتك, طيب. أمشي أنا.
بالسلامة.
*
عاد إلي اللوكاندة. خلع ملابسه واستلقى علي السرير. سرعان ما يأتون.
سمع وقع أقدامهم تصعد السلم. الحذاء الميري له صوت غير الأحذية الأخري.
استدار وأعطي وجهه ل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى