رياض محسن المحمداوي - السندباد والمغامر والرحالة العراقي يونـس بحـري.. بإنتظار شريط سينمائي يوثّق حياة الأسطورة

في هذا التحقيق ساخرج عن المألوف عن كتاباتي السابقة حول الفن والموسيقى والغناء وساتناول شخصية عراقية اشتهرت بزمن ما من تاريخ العراق الحديث .ادى دورآ كبيرآ في تاريخ العراق الاعلامي والثقافي والفني والاجتماعي . اسطورة شغل العالم بمغامراته واخباره الغريبة حتى اعتقد الكثيرون انه رجل خارق . فكان شخصية محبوبة جذابة ذات كاريزما سحرية مؤثرة خصوصآ في النساء .تعددت زوجاته في كل مكان واصبح له من الابناء عدد لايصدق . جاب الارض حاملا معه حقيبته وفرشاة اسنانه وملابسه الانيقة وجواز سفره انه.. يونس بحري .. الشخصية العراقية الاكثرشهرة وتاثيرآ في تاريخ العراق الحديث …

ان ما يلفت النظر اليه هو شخصيته الفريدة وقصص مغامراته التي تصلح ان تكون اجمل فلم سينمائي .ولا ادري لماذا لم يتناول الكتاب سيرة هذا المغامروالرحالة والنابغة العراقي في مسلسل تلفزيوني اوفلم سينمائي لما لسيرته من المواقف والرحلات والتي لاتقل اهمية عن رحلات السندباد البحري. فقد كانت حياة هذا الرجل مليئة بالعجائب والمغامرات فهو يتكلم 16 لغة عدا صداقاته العديدة مع السياسيين والرؤساء والملوك أمثال جلالة الملك غازي وجلالة الملك عبد العزيز آل سعود وأدولف هتلر وجوبلز وزير الدعاية النازي وشخصيات عالمية كبيرة ومؤثرة… فمن هذا الرجل المعروف يونس بحري؟

ولد يونس صالح بحري الجبوري في الموصل مركز محافظة نينوى العراقية في عام 1903 وكان ابوه صالح آغا الجبوري عاملا للبريد في الجيش العثماني حيث يؤمن وصول البريد بين الموصل ومركز الدولة العثمانية في اسطنبول . تدرج يونس بحري في دراسته حتى دخل دار المعلمين العالية سنة 1921 ولكنه لم يكمل تعليمه بها فعمل في وزارة المالية بوظيفة كاتب حتى عام 1923. وفي السنة ذاتها (1923) خرج يونس بحري من العراق فعاش في العديد من الدول الآسيوية والاوربية وعمل في مختلف الوظائف وبعدها بسنتين عاد مجددا الى العراق حيث أصدر أول كتبه (العراق اليوم) وما لبث ان عاد لهواية التنقل والسفر حتى اشتهر باسم (السائح العراقي او بالسندباد العراقي) في كل مكان يحل فيه.

شهد عام 1925 بداية بزوغ نجم يونس بحري كمعلق صحفي ومذيع في اوساط السياسيين في الدول التي ارتحل اليها ومن أشهرهم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود الذي قابله في الرياض عام 1925 ومن أشهر ما يحكى حكايته في جامع باريس الذي بني في العشرينات من القرن الماضي وكان يحوي إلى جانب الجامع والسوق والحمامات العربية، مطعما مغربيا، وملهى ليليا، كان يونس بحري يؤذن للصلوات الخمس في مئذنته بصوته العريض، ويتولى الإمامة بالمصلين عند الحاجة، وفي الليل كان يرأس تخت الموسيقى في الملهى، فيعزف على العود ويغني الأدوار التي يجيدها ولا يتأخر عن المشاركة بالرقص الشرقي مقلدا أشهر العوالم في القاهرة.

ومن الاعمال الاخرى التي عمل بها يونس بحري في حياته بجانب عمله كمذيع وصحفي:

ففي الهند حيث عمل مراسلا لأحد الصحف الهندية عمل راهبا في النهار وراقصا في ملهى ليلي.

وفي اندونسيا حيث اصدر مجلة الحق والاسلام ومجلة الكويت والعراق التي اصدرها مع الراحل عبدالعزيز الرشيد عام 1931 وتوقفت عن الاصدار عام 1937 عمل مفتيا في احدى جزر اندونيسيا ومن أطرف ما فعله عندما جاءه أحد السكان المسنين وبصحبته فتاة في منتهى الجمال طالبا منه عقد قرانه عليها حيث اعجب بها يونس بحري وقال للرجل المسن انه لا يجوز شرعا للرجل الطاعن في السن الاقتران بفتاة اصغر منه فصدقه الرجل لكونه مفتيا فترك الفتاة وتزوجها يونس بحري.

وفي ليبيا عمل مستشارا لملك ليبيا السنوسي

وفي الثلاثينات عاد يونس بحري الى العراق مرة اخرى وأصدر عدة مطبوعات كجريدة العقاب السياسية الادبية ومن أهم ما عمله في تلك الفترة عندما كان اول من قدم الملك غازي من اذاعة قصر الزهور حيث كان يونس بحري هو الصوت الذي يعبر عن آراء وافكار الملك غازي وما بين عامي 1935 و1939 لم يخرج يونس بحري كثيرا خارج العراق عدا زيارته لمنطقة عسير جنوب السعودية ومشاركته باسم العراق في سباق لعبور القنال الانكليزي (المانش) سباحة ومن الطريف ان يونس قد شارك في السباق من دون اعداد مسبق اوتدريب فكانت المفاجأة فوزه بالمركز الاول والميدالية الذهبية!!

جاء خروج يونس بحري من العراق عام 1939 هاربا من الشرطة العراقية حيث صدر امرا بالقبض عليه في ابريل 1939 ذلك بعد يوم من وفاة الملك غازي جراء حادث سيارة حيث اصدر باليوم التالي صحيفة العقاب متشحة بالسواد والعنوان الرئيسي كان (مقتل الملك غازي) حيث اتهم في مقاله الانكليز ونوري السعيد والامير عبد الاله بافتعال حادث السيارة للملك الذي كان يدعو للتخلص من الاستعمار وكان يونس بحري نفسه الذي يوزع هذه النسخة من الصحيفة وهو على ظهر دراجته النارية فكانت نتيجة مقالته تلك التظاهرة الكبيرة في الموصل التي ادت الى مقتل القنصل البريطاني العام.

فبعد اغتيال القنصل البريطاني ادرك يونس بحري خطورة بقاءه في العراق فقابل القنصل الالماني في بغداد طالبا منه اللجوء السياسي الى المانيا فكان من حسن حظه انه كان هناك وفد صحافي المانيا قد جاء على متن طائرة حيث استقلها في عودتها الى برلين في الوقت الذي كان رجال الشرطة العراقية قد دخلوا منزله للقبض عليه.

وهناك في برلين.. المحطة الاهم

جاءت الشهرة الحقيقية ليونس بحري حينما اصبح مديرا ومذيعا لاذاعة برلين العربية التي كان يروج من خلالها الدعاية النازية والخطاب العدائي لبريطانيا وحلفائها.وبداية القصة عندما وصل يونس بحري الى برلين هربا من العراق حيث التقى وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز والدكتور الفريد روزنبرج منظرالحزب النازي وشارح قوانينه حيث اصبح خلال فترة قصيرة أحد المقربين للقيادة الالمانية واصبح يحضر الاحتفالات الرسمية مرتديا البدلة العسكرية الالمانية برتبة مارشال ومرتديا الصليب المعقوف على ساعده وقابل العديد من رموز النازية بما فيهم ادولف هتلر ومن الاوروبيين الفاشي الايطالي بينيتو موسوليني..جاءت بداية تأسيس اذاعة برلين العربية عندما شرح الفكرة لوزير الدعاية جوبلز التي رحب بها لتكون المحطة المواجهة لبي بي سي العربية خصوصا بعد ان اقنعة يونس بحري بجدوى الاذاعة التي ستقاسم العرب كرههم لبريطانيا.من الطريف ما عمله يونس بحري من اجل جذب المستمعين العرب لاذاعة برلين حيث طلب من جوبلز ان يوافق على بث القرآن الكريم فيبدأ به ارسال الاذاعة حيث تردد جوبلز وأوصل المقترح الى هتلر الذي وافق عليه بعد ان شرح له يونس بحري ان بث القرآن الكريم سيجذب انتباه المستمعين العرب الى اذاعة برلين والعزوف عن استماع للبي بي سي التي كانت لا تذيع القرآن فكانت النتيجة ان كانت اذاعة برلين هي المفضلة عند العرب وماهي الا اشهر قليلة وبدأت البي بي سي ببث آيات القران بالمثل !. اشتهر يونس بحري بعبارته الافتتاحية الشهيرة (هنا برلين حي العرب) حيث كانت بمثابة شارة افتتاح برامج الاذاعة التي كانت تهدف الى مهاجمة قوات التحالف وتوعية الجماهير العربية بخطر الاستعمار ويبشرها بالحرية على يد قوات هتلر النازية وكان كثيرا ما يخرج عن نهج المحطة بشتمه لملوك مصر والعراق واتهامهم بالعمالة والعبودية.بعد سقوط برلين على يد الحلفاء، كان يونس بحري من الاسماء المطلوب القبض عليها وجاءت قصة هروبه من قبضة الحلفاء مثيره، وذكرإنه خرج من برلين مع عدد من الأجانب قبل أن يحاصرها الروس، وحرَّف اسمه المسجل في جواز السفر بالأحرف اللاتينية، يوني باري جبوري، محرفا من يونس بحري الجبوري، وزعم للمحققين أنه كان معتقلا في ألمانيا وأطلعهم على أثر جرح قديم في جسمه من أثر شجار قديم، كأنه من آثار التعذيب، فسمحوا له بالسفر إلى باريس•وهكذا افلت من قبضة الحلفاء.

ثورة تموز 1958على الملكية

في العراق

حتى . 14 تموز1958 اعلن عن تأسيس الجمهورية العراقية وصاحب ذلك الانقلاب عبد الكريم قاسم الذي اعتقل العديد من رموز النظام الملكي وكان من ضمن المعتقلين يونس بحري الذي شاء حظه العاثر ان يصل العراق قبل يوم واحد من الانقلاب هاربا من بيروت ومن المواجهات التي حدثت بين الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون ومعارضيه من القوميين حيث اعتقل يونس بحري في سجن ابوغريب بجانب كبار رجالات العهد الملكي العراقي ومن الطريف ان اعتقاله جاء مصادفة حيث وجد يونس بحري في منزل ابن اخيه العقيد ركن وحيد صادق الجبوري الذي كان من بين المطلوب اعتقالهم.وبعد اطلاق سراحه افتتح يونس بحري مطعما في بغداد في الكرادة قرب الجسر المعلق وكان اشبه بالمنتدى حيث كان زبائنه من الــ VIB كالسفراء والوزراء والكتاب وكان يونس يقوم بطبخ الاطباق العديدة التي تعلمها من رحلاته العديدة ولم يستمر المطعم طويلا حيث غادر الى بيروت بعد ان وعد عبدالكريم قاسم بعدم مهاجمته اعلاميا في الخارج وتم تخصيص راتبا له وقدره مئة دينار يستلمها شهريا من السفارة العراقية في بيروت حيث اصدر منها عدة كتب ومجلات منها مذكراته في سجن ابوغريب .

وترك بيروت متنقلا بين باريس التي اصدر فيها مجلة العرب وعاش لفترة بسيطة في الكويت حيث اصبح مديرا لمطعم اسمه مطعم المدينة الذي كان يملكه احد اصدقائه الكويتيين وعمل كذلك في ابوظبي عام 1971 حيث اصدر صحيفة ابو ظبي نيوز الناطقة بالانكليزية وعمل مسؤولا عن قطاع الشؤون الصحفيه في وزارة الاعلام.

تنقل يونس بحري كثيرا في ارجاء العالم وما كان يحمل معه غير جواز سفره وفرشاة اسنانه وادوات الحلاقة واللغات العالمية الستة عشر التي يتقنها . رجع الى العراق بعد ان وهن عظمه وكبر سنه وقد توفي وحيدا ومفلسا في دار احد اقربائه في محلة البتاويين ببغداد عام 1979.

يونس بحري ، الزوج والاب

ان يونس بحري شخصية مسالمة ليس له أعداء قط سوى النساء اللاتي يقعن في شباكه، فهن حينما يفقن من سحره وعذب حديثه لا يجدن في اليوم الثاني سوى رسالة صغيرة كتبها بخط يده ولصقها على مرآة زوجته•• كتب فيها: باي•• باي•• قد نلتقي ثانية وقد لا نلتقي فأنا مسافر في أرض الله الواسعة!!•• بهذه الكلمات كان ينهي حياته الزوجية!!

بلغت عدد زيجات يونس بحري الـ 80 زيجة ويقال اكثر من هذا العدد . وكانت زوجاته من جميع الدول التي ارتحل اليها وله منهم ما يقـــــــــارب اكثر من 100 ابن وابنة ومن احدى المواقف الحوار الذي تم بينه وبين جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمهم الله الذي جاء من يبشره بمولوده الثالث والستين ونظر فيصل بن عبدالعزيز – الملك لاحقا- الى يونس بحري وابتسم – فلاحظ الملك عبدالعزيز ابتسامة ولده فسأل ابنه عن سبب الابتسامه فقال الامير فيصل : يبلغ عدد اولاد يونس بحري اربعة وستين ..فسأله الملك عبد العزيز :

هل صحيح هذا يا يونس ؟ فرد عليه يونس بحري قائلا: الذكور منهم فقط يا جلالة الملك !!إن يونس بحري تزوج ثمانين مرة، وأبناؤه وبناته منتشرون في مشارق الأرض ومغاربها ولا سبيل لاحصائهم، لكن عددهم يتجاوز المئة قطعا، لقد أمضى هذا الرجل حياة مثيرة وحافلة تشبه الأسطورة حتى إنه تفوق فيها زواجا وتجوالا على الرحالة العربي ابن بطوطة، ففي كل بلد زاره له فيه زوجة ورهط من البنين والبنات، وأول زوجاته ‘شيرين’ وهي عراقية تركمانية وآخرهن ‘شهرزاد السورية الاصل’ •

من أشهر أولاد يونس بحري الذين انتشروا في ارجاء الارض :

– الادميرال رعد يونس بحري قائد الاسطول الفلبيني

– الدكتور سعدي يونس بحري -( المحامي والفنان والسينمائي المعروف) ويقطن في باريس .

– لؤي يونس بحري ـ استاذ الحقوق الدوليه في جامعة بغداد

– د. منى يونس بحري استاذة علم النفس في جامعة بغداد

تلك كانت سيرة لأحد رموز الاعلام والفن في التاريخ العراقي الذي عاش حياة المغامرة والكفاح السندبادية. والذي تنتظر رحلته ومغامراته فيلما سينمائيا توثق لها رحم الله هذه الاسطورة العراقية يونــس بحــري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى