إيمان سعيد حسن سعيد - أنا البيضة

كان ردها صادما، حين سألتها: أريد التقديم للخدمة العامة.

أجابتني: لكن يبدو أن سنك كبير, لم تأخرتي؟...

وعادت للحوار مع زميلة المكتب المجاور لها، إشارة لي بالجلوس أمامها, جذبت كرسي وجلست في مواجهتها، راحت تخبرني عن الأوراق المطلوبة، لم أكن أسمعها، فقط اهتممت بتلك الخطوط والتجاعيد التي غزت وجهها، رحت أفكر: كم خطا فى وجهي يوازى تلك الخطوط المرسومة، تحت عينيها وزوايا فمها؟

تحسست وجهي هامسة لنفسي: لهذا الحد يظهر العمر على وجهي؟!

استقليت تاكسي، مازلت صامتة، أفكر في كلماتها، هل غضبت من ردها الصادم أم أنها وضعت يدي على شيء لم انتبه له بعد؟

قطع شرودي ذلك الأشعث، متسخ الجسد، يخرج من فمه وأنفه سائل، يقف على قارعة الطريق عاريا وقد انتصبت عورته مما جمع حوله الناس ليستروه, تعلقت عينيّ بذلك المنظر.

عدت بأبنائي من المدارس, تمسكوا بالذهاب والمبيت عند جدتهم معللين: اليوم آخر الأسبوع. وجدتها فرصة، في صعودي لسلم العمارة، جاءني صوتها وهى تتحدث لجارتها أمام الشقة: يا أختي الراجل ما بيرضاش، أنام بجانبه على السرير، غير وأنا لابسه قميص نوم. وذيلت الكلمة بضحكة مائعة. دخلت الشقة، أودعت الصغيرة في سريرها، وأسرعت نحو المرآة، باحثه عن تلك الخطوط، التجاعيد، ذلك الأشعث، جارتي المائعة, جاءني تليفونه:

-آلو...

-آتي مبكرا اليوم.

مر الوقت سريعا أمام المرآة، وأنا أطالع وجهي وذاكرتي، ذهبت للمطبخ انتهيت من إعداد الطعام، تجهيز السفرة, عدة للمرآة هامسة لنفسي ليس لدى تجاعيد, ما زلت صغيرة ,أخرجت فستان سهرة, انتهيت من تجهيز حجرتي لم أنس المفرش الحرير, يحبه كثيرا, دق جرس الباب, فتحت الباب على عجل....

تأخرت كثيرا, حمدا لله على.....لم أكمل الكلمة، قاطعني-

-أين هنا؟

نامت.-

-قلت لك كثيرا لا أستطيع النوم دون رؤيتها وأخوتها.

-ممكن إيقاظها, إذ أحببت .

انتهى من تناول العشاء أسرع مما كنت أريد، وماذا كنت أريد؟

دخل غرفة الصغيرة، داعبها حتى أيقظها، حملها لغرفتي بعد أن هللت له: بابا جه.

ألقاها على السرير الأسفنجي، علت ضحكاتها ثم جلس بجانبها، أمطرت وجهه بالقبلات، وهي تطلب منه أن يلعب معها -البيضة- تمسك بأصابعه وتقول: دي بيضه، دي قشرها. ثم تغرس أناملها في بطنه وتقول: ودي أكلها.

يضحك كثيرا ويقبلها بعنف....

اعتدل على السرير وأمسك بكفها، سألته:

لم أيقظتها؟ أنا انتظرك منذ وقت طويل، رحت أحكى له ما حدث اليوم، لم يهتم لكلامي. ضغط على خنصرها الدقيق قائلا: أدى البيضة.

لم أكن أريد سوى اهتمام, إنسان يفهمني أكثر من نفسي.

ثم ضغط على البنصر الصغير قائلا: أدي اللي اشتراها.

تقدم لخطبتي، لم أعرفه سابقا، كان رد العائلة، إنه ابن حلال بعد أن أقسمت عمتي لي قائلة: أنت محظوظة يا سلمى.

أمسك الوسطى هامسا: وأدى اللي شواها.

يوم أن ملكني, أخبرني بكل ما يريد وما لا يريد, ونسي أن يخبرني برائحة جواربه ومهملاته

. ضغط على السبابة ضاحكا: وأدى اللي قشرها

تنازلت عن كل أحلامي, طموحاتي, لم أر غيره في الكون حين جمعت كل أوراقي التي توهمت يوما، أنها ستكون مجموعات وروايات, وأكون يوما من مشاهير الكتاب.

تأهبت الصغيرة، لما سيفعله، حين غرس أصابعه وفمه في صدرها قائلا:

"وأدى اللى أكلهااااااااااااااااا"

تركها وسحب الحاسوب المحمول (اللاب توب)رابضة نحوي وأمسكت بأصابعي فقلت لها: أدي البيضة، وأدي اللي رماها.

عدت للوقفة أمام المرآة، ربما مستعرضة فستاني، ماكياجي، لكن في الحقيقة كنت أريد اهتمامه

لم ينتبه لي, جذبته شبكات التواصل الاجتماعي لعالم آخر، وكأنه جسد بلا روح، اقتربت منه مررت بأصابعي في شعره، قائلة: العب معي البيضة مثل هنا...

رد علي: متعب يا سلمى.

ذهبت لحجرة الصغيرة، أمسكت بجهازي، فتحت حسابي على الفيس بوك، كنت قد أهملت طلب الصداقة الذي أرسله لي منذ زمن، الآن وافقت عليه,، جاءني الرد عبر الرسائل

-أشكرك لقبول الصداقة.

-ممكن نتعرف, إنت مين؟

تلفت حولي مترقبة، تركت يدي على الحروف تكتب له: أنا البيضة.



* القصة الفائزة بالمركزالثالث لمسابقة رزلا الحسينبات للادب النسوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى