سمير أحمد الشريف - خداع

هل يستطيع خداع نفسه ؟
سؤال طرق باب الذاكرة منذ اللحظة الذي دب بقدميه على أرض المطار ...
يعذبه هذا السؤال وهذه الغربة وعائلته التي تركها بعد أن لملمت أمه ما لديها ثمنا للتذكرة .
بكالوريوس التجارة الذي أحضره موثقا ، حلم في الشقة التي سيؤثثها .. مع خطيبته التي سيكتب كتابها .
هل يظل يصارع عذابات الوحدة ؟ لماذا لا يصارح أمه بالحقيقة ؟
مسكينة يا أمي ، كم كفكفت دموعك وحاولت أن تكتمي حرقتك وأنت تقفين تلوحين بيمناك مودعة .
حرام أن تظل تنسج حول ابنها حكايات الفارس المغامر ...
غيّر من جلسته ليريح قدميه من طول القرفصة ، مواصلا عمله ...
الحقيقة يجب أن تعرفها ، من الأفضل أن تعرف أنني لا أوفر غير ليرات عشر، لا أظنها تقتنع ، سأحدثها عن حكايات لن تصدق أن أجرة غرفة في بلاد الضياع ستون دينارا وأن أجرتي خمسة وأربعون فكيف إذا عرفت أنني أدفع خمسة عشر دينارا وخمسة دنانير مواصلات وأشتري ملابسي من البالة؟
لن احسبها ستصدق أن ملابس البالات هنا كثيرة وتباع بأثمان كانت زهيدة وأخذت بالارتفاع لكثرة القادمين ، ستجن عندما أحدثها عن متانة ملابس البالات وحتما ستطلب مني أن تكون هديتي منها لها ولأخوتي وعندما تقلبها متفحصة ستمط شفتيها عدم رضى بالمعاهدة التي أوجعت رؤوسنا ولم نر من نتائجها شيئا.
ماذا أكتب لها أيضا؟
هل أكتب لها عن صاحبة المنزل التي عملت في حديقتها؟
أخاف أن تسمع خطيبتي بالقصة ، فأمي ثرثارة لا تكتم سرا وخطيبتي تقتلها الغيرة.
من أين أبدأ بقصتي؟هل أحدثها كيف وقفت بجانبي وأطلت من نافذة سيارتها واتفقت معي أن أشتغل جنائنيا في حديقة بيتها أم عن نهاية طردي بحجة أنني لا أتقن عمل الحدائقي بعد أن رفضتُ الدخول معها في لعبة خداع زوجها الأصلع؟
- : هيا أسرع ، مالي أراك على غير عادتك هذا اليوم ، الحوض مليء بالصحون !
قطع صاحب المطعم عليه أفكاره
-: حاضر
انهمك في عمله، عادت أفكاره ينزها ذهنه من جديد... هل أقول لآمي عن قصة صاحب المطعم الذي ضحك ملء شدقيه واهتز كرشه عندما حدّق في صورة شهادتي المصدقة وكيف أمعن فيها النظر وقلّبها ظهرا لبطن متفحصا كأنما يستوثق من عدم تزييفها وقال جملته التي خرجت من بين أسنانه المتهدمة
-: بلا ماكاريوس بلا عيدي أمين،المهم أن تتقن تقشير البصل وضحكت عندما خرجت لفظ السين من بين أسنانه شينا.
نفد ماء المسح، نهض يملأ السطل ،اعتمد على ركبتيه ، دق الأرض يجري الدم فيهما،اعتمد على الجدار،سار بخطى متخلعة ،التفت قبل أن يصل صنبور الماء الخارجي، تسلقت عيناه النافذة ، تركزت على واجهة الفندق الكبير،مدت نظراته أعناقها ترتمي على الجسد الشمعي.
دارت به الدنيا ،تذكّر خطيبته، خرجت تنهيدة يتيمة من أعماقه.
وضع سطل الماء، تسمرت قدماه وعيونه تدق مساميرها تخترق الجسد المكشوف.
لا يدري كم من الوقت مر عليه في وقفته بعد أن صحا على صراخ مالك المطعم يمسك به من جماع طوقه يدفعه بعنف خارج الباب.
-: بره...بره.....هذا مكان محترم لا ..مكان ....
شيء واحد لم يتذكره "صابر"وهو يجر أحلامه خارجا أنه لا يملك وثيقة إقامة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى